أخيراً أعلن الرئيس حسني مبارك أنه يعكف على دراسة عدد من الاسماء المرشحة لشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، وهو الموقع الذي ظل شاغراً منذ ان تولى الرئيس الحالي مقاليد الحكم عقب اغتيال الرئيس أنور السادات في تشرين الأول اكتوبر 1981. وظل مبارك لسنوات يرد على اسئلة للصحافيين تتعلق بالشخص الذي يرى أنه يصلح لتولي المنصب بإجابات تحمل كثيراً من الديبلوماسية وقليلاً من المعلومات. كما كان دائماً يشير إلى "أن مواد الدستور المصري تحدد طريقة نقل السلطة في حال غياب الرئيس". وجاء الاعلان المفاجيء لمبارك في حديث نشرته أمس صحيفة "واشنطن بوست" الاميركية. وللمرة الأولى رد على سؤال عن الحكم في مصر قائلاً: "نحن نحاول إيجاد نائب للرئيس وهي مهمة صعبة وأنا أدرس أسماء عدة"، نافيا مجدداً اشاعات عن سيناريو يفضي إلى إسناد المنصب إلى ابنه جمال. وقال في حزم: "نحن لسنا سورية. جمال مبارك لن يكون رئيس مصر المقبل، أنسوا هذا الأمر". ويبدو أن الأمر كان مفاجئاً للصحف المصرية نفسها، فتعاملت مع كلام الرئيس بطرق مختلفة، فاختارت "الوفد" المعارضة أن تضعه في المانشيت ونشرت الحديث كاملاً، كذلك فعلت "الجمهورية" ذات الصلة القوية بمؤسسة الرئاسة، في حين حذفت "الأهرام" العبارات الواردة في الحديث عن جمال مبارك. وكانت قضية تعيين نائب للرئيس المصري على رأس المواضيع التي فرضت نفسها منذ اليوم الأول للولاية الرابعة لمبارك التي بدأت في أيلول سبتمبر 1999. وكثيرا ما استغرب مبارك الحديث عن الموضوع بالحاح، وأوضح مراراً أن مصر دولة مؤسسات لديها دستور يحدد الآليات التي تتبع في حال خلو منصب الرئيس لأي سبب، اذ يتولى رئيس مجلس الشعب البرلمان مهمات الرئيس لمدة اقصاها 30 يوماً يعلن خلالها البرلمان اسم المرشح للمنصب على أن يحصل على موافقة ثلثي عدد النواب ثم يطرح الاسم للاستفتاء الشعبي. وعلى خلاف سلفيه جمال عبد الناصر وأنور السادات فإن مبارك لم يعين منذ انتخابه رئيساً للبلاد في المرة الأولى في تشرين الأول اكتوبر العام 1981 أي نائب، لكن قانون الطوارئ المعمول به في البلاد منذ مقتل السادات يخول رئيس الوزرا القيام بسلطة الحاكم العسكري. وعلى رغم أن صحف المعارضة المصرية وصحفاً عربية وأجنبية أخرى رشحت أسماء لتولي المنصب بينها جمال، استناداً الى تسليط وسائل الإعلام المصرية الضوء عليه منذ أسس "جمعية المستقبل" قبل نحو ثلاث سنوات، لكن الأب والإبن نفيا في شدة مراراً أن يكون سيناريو المستقبل يتضمن إسناد موقع نائب الرئيس إلى جمال. ويبدو أن الأمر احتاج إلى تأكيدات متتالية حتى يقتنع الناس بأن مصر لن تسير في الطريق نفسه الذي سارت فيه سورية. ويشير مراقبون أن مسألة تكرار النموذج السوري في مصر أمر صعب. ويلفت هؤلاء إلى أن وضع الحكم وآليته مختلفة في البلدين. لكن ذلك لا يقلل من احتمالات كبيرة في أن يكون نائب الرئيس المقبل في مصر شخصية عسكرية تحظى بدعم من مؤسسة قوية قادرة على حسم التوازنات بين النخب ذات العلاقة بالسلطة، وقادرة على التعامل مع أوضاع المنطقة والتحديات التي تواجهها مصر داخلياً وخارجياً. والمؤكد أن قضية "النائب" ستظل لفترة في دائرة الترجيحات والتخمينات من دون المعلومات المؤكدة حتى يعلن مبارك بنفسه اسم أول نائب له والذي قد يخلفه في الرئاسة . ومن غير المستبعد أن يأتي الاسم مفاجئاً للجميع تماماً كما فعل السادات حينما اختار مبارك نائباً له ولم يعين أحداً ممن كانوا في أركان الحكم، وأصر على أن يكون النائب من المنتمين إلى "جيل أكتوبر"، وهو التعبير الذي أطلقه السادات على من لعبوا أدواراً بارزة في حرب تشرين الأول اكتوبر العام 1973. وقتها التقى السادات كبار قادة الجيش ووقع اختياره على مبارك لما أبداه من كفاءة في قيادة القوات الجوية أثناء الحرب. وكان عبد الناصر أكثر الرؤساء المصريين الذين عينوا نواباً له، وظلت اختياراته تنحصر في زملائه ممن شاركوه الثورة. وهو كان شكل في بداية الستينات مجلساً رئاسياً ضم عدداً منهم بينهم كمال الدين حسين وزكريا محيي الدين وكمال رفعت. لكنه عاد وألغى مهمات المجلس الذي كان أعضاؤه في ذلك الوقت يعدون نواباً لرئيس الجمهورية. وحين أعلن تنحيه عن الحكم إثر نكسة 1967 اختار نائبه محيي الدين ليقود البلاد في المرحلة اللاحقة، ثم عاد وعين السادات نائباً قبل وفاته بسنة واحدة. أما الأخير فتخلص بعد فترة قليلة من توليه الرئاسة من نائبه حسين الشافعي بعد ما حسم الصراع بينه وبين "مراكز القوى" أي رجال عبد الناصر وزملاء الثورة. ولا يلجأ مبارك عادة إلى استخدام أسلوب الصدامات المفاجئة حين يرغب في تغيير بعض المناصب الكبرى في الدولة. وحين انتهت انتخابات مجلس الشعب البرلمان في تشرين الثاني نوفمبر الماضي الى نتائج عكست تدهوراً في شعبية الحزب الوطني، سئل مبارك عن مستقبل الحزب فأجاب: "سنعيد ترتيب البيت من الداخل". ويبدو أن العبارة فهمها كل شخص بحسب ما يتمناه وتوقع البعض تغييرات جذرية حاسمة في قواعد الحزب وهياكله وبنائه التنظيمي، وهو ما لم يحدث رغم مرور أكثر من خمسة شهور على الانتخابات. وجاء تغيير بعض أمناء الحزب في المحافظات منطقياً ولكنه لم يلب طموحات من كانوا يتوقعون إطاحة "رؤوس كبيرة" ورموز "الحرس القديم". ومنذ أكثر من شهر ونصف الشهر أعلن ترشيح وزير الخارجية عمرو موسى لخلافة الأمين العام للجامعة العربية الدكتور عصمت عبد المجيد، لكن مبارك حافظ على أسلوبه في التأني في اختيار الوزير الجديد.وستظل التخمينات والتوقعات تتداول اسماء المرشحين لخلافة موسى حتى يتسلم منصبه الجديد الشهر المقبل. واللافت ان موسى نفسه كان دائماً يأتي في مقدم الاسماء التي كانت ترشح لتولي منصب نائب الرئيس. وبدت "الكاريزما" في شخصيته والقبول الشعبي له بين اوساط النخب السياسية والثقافية عناصر تدعم ذلك الاعتقاد، خصوصاً لدى الذين رأوا في اختياره للموقع حلاً مرضياً ليكون أول رئيس لمصر من خارج المؤسسة العسكرية، وإن كان من بين النخبة الحاكمة. وإلى أن يعلن مبارك اسم نائبه ستظل تساولات تدور مَن ومِن أين؟ هل سيأتي النائب من الوزارة أم المؤسسة العسكرية أم الاجهزة الأمنية؟ وعلى الأرجح ألا يتم إعلان الاسم سريعاً، فما زال هناك أكثر من ثلاث سنوات حتى تنتهي الولاية الرابعة لمبارك يمكن تقسيمها الى ثلاث مراحل الأولى تتعلق بالفحص والبحث ثم مرحلة التجهيز، والتهيئة والإعداد واخيراً مرحلة الحسم والاختيار.