كان مفاجئاً الكشف عن قرار اتخذته القمة العربية في مؤتمرها الأخير الذي عقد في عمان في آذار مارس الماضي يتعلق بحقوق الطفل العربي. فالسائد ان الشأن السياسي بحروبه وخلافاته العربية - العربية، هو البند الوحيد على جدول اعمال القادة العرب. أما ان تُصدر القمة وفي الظروف التي انعقدت فيها قراراً يقضي بالموافقة على وثيقة الاطار العربي لحقوق الطفل والعمل بها، كإطار استرشادي للقضايا المتعلقة بالطفولة على الصعيد العربي، فإن المعنيين بالطفولة، اعتبروه انجازاً، وان كانت فرضته التحضيرات الجارية لأعمال الدورة الخاصة بالطفولة للجمعية العمومية للأمم المتحدة التي ستعقد أعمالها في ايلول سبتمبر المقبل، الأمر الذي دفع بالقادة العرب أيضاً الى الدعوة الى عقد مؤتمر عربي رفيع المستوى في تموز يوليو المقبل في القاهرة، هدفه تقويم مجمل الأداء العربي في تحقيق أهداف العام 2000 المتفق عليها في مؤتمر القمة العالمي من أجل الأطفال، وتحديد الخطوات المطلوبة لتحقيق نقلة كبرى في أوضاع الأطفال في دول المنطقة، واصدار خطة عمل اقليمية تساعد على تنفيذ الاطار الذي وافق عليه مؤتمر قمة عمّان. ان يتحول الطفل العربي من تلبية حاجة الى صاحب حق، دلالة على نقلة نوعية ايجابية تحققت في الدول العربية. ولكن كيف حصلت؟ وما أبرز ملامحها؟ وهل استفاد منها جميع الأطفال في المنطقة العربية؟ وما مدى التزام الدول العربية العهود التي قطعتها على نفسها بالمصادقة على اتفاق الأممالمتحدة لحقوق الطفل؟ وما هي آفاق المستقبل لجهة تقديم المزيد من الضمانات لحقوق الطفل العربي؟ اسئلة تشغل الخبراء في شؤون الطفل والعاملين لتوفير حقوقه واحتياجاته، والذين اجتمعوا في الندوة الاقليمية عن قضايا الطفولة في العالم العربي بين 24 و27 نيسان ابريل الجاري في بيت الأممالمتحدة في بيروت إسكوا. وفق التقارير المرفوعة من الدول العربية عن أوضاع الأطفال يتبين ان في العالم العربي 142 مليون طفل، أي انهم يشكلون نصف المجتمع العربي وهؤلاء من هم دون سن العشرين، في حين ان من هم دون الخامسة عشرة، فيبلغ تعدادهم 113 مليوناً، على ما أفاد الدكتور هشام الشريف من المركز الاقليمي لتكنولوجيا المعلومات وهندسة البرامج. ويعتقد الخبير التونسي في حقوق الطفل رضا خماخم ان التركيز على أوضاع الطفل في المنطقة العربية في العقد الماضي كان يهدف الى تقديم مشهد ايجابي عن أوضاع الطفولة وفاء لما قطعته هذه الدول على نفسها. وشملت الانجازات التي تحققت في المجال الصحي التحصين شبه الشامل للأطفال، إذ وصلت الدول العربية جميعاً تقريباً من بداية الثمانينات الى العام 1995 الى تحصين أكثر من 80 في المئة من الأطفال الرضع ضد أمراض فتاكة، وهذا هدف عالمي. وفي مجال التعليم تصدرت الدول العربية العالم منذ العام 1975 من حيث نفقاتها التعليمية من الناتج القومي. الا ان معدلات وفيات الرضع في بداية التسعينات لا تزال عالية جداً في بلدان عربية عدة وكذلك معدلات نسب وفيات الأمهات. وتسجل حالات شلل أطفال في العراق ومصر والسودان. ولا يزال عدد الأميين في الوطن العربي مرتفعاً اذ يبلغ 70 مليون شخص غالبيتهم من الاناث وتقول احصاءات منظمة "يونيسيف" ان هناك 11 مليون طفل عربي خارج مقاعد الدراسة، ثم ان الهوة لا تزال واسعة في عدد من الدول العربية بين تعليم الأطفال الذكور والأطفال الاناث. وهناك عوائق تمنع الفتيات من الالتحاق بالمدارس أو تجبرهن على ترك الدراسة قبل اتمام المرحلة الابتدائية. ومن جهة اخرى، فإن أحزمة الفقر لا تزال منتشرة في اجزاء كثيرة في الوطن العربي، خصوصاً الفقر المرتبط بالمدن الذي أدى الى انقطاع ملايين الأطفال عن المدارس لمساعدة اسرهم على تأمين دخل لضمان العيش. وتشير الدكتورة كونال باكشي من المكتب الاقليمي لمنظمة الصحة العالمية للشرق الأوسط الى ان مرض "الايدز" لا يزال في مراحله الأولى في معظم الدول العربية، لكنه في جيبوتي والصومال والسودان بلغ مراحل متقدمة حيث يتزايد عدد المصابين في شكل مستقر سنوياً، الا ان ثمة مجموعات سكانية باتت معرضة لالتقاط العدوى. اما في مجال مرض السل فإنه يشكل مشكلة صحية مهمة في 19 دولة عربية، إذ يصيب 240 ألف شخص بينهم 17 ألف طفل ويقتل 53 ألفاً سنوياً بينهم أربعة آلاف طفل. ويعاني 3،17 مليون طفل عربي نقصاً في الوزن، وهناك ما بين 25 و40 في المئة من الأطفال دون سن الخامسة، يعانون فقر الدم بسبب النقص في الحديد، في حين تشهد دولٌ عربية ظاهرة البدانة عند الأطفال في سن المراهقة. وقد تصل نسبتها الى 40 في المئة في عدد منها. وفيما انحسرت عملية عدم تسجيل الأطفال عند ولادتهم في الكثير من الدول العربية، فإنها لا تزال تتجاوز نسبة 50 في المئة في السودان واليمن. وتوصلت ثماني دول عربية الى خفض معدل وفيات الأطفال دون الخامسة في حدود الهدف المرسوم وهي: الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان وقطر وليبيا والمملكة العربية السعودية وتونس ومصر والمغرب، في حين اقتربت الكويت والبحرين وسورية ولبنان والجزائر وجزر القمر من الأهداف المرسومة التي لم تحققها الدول الأخرى. ويوضح مستشار السياسة الاقليمية في منظمة "يونيسف" لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نيمال هيتياراتشي ان نصف مليون طفل، يموتون قبل عامهم الأول، وان أربعة ملايين طفل دون الخامسة لا يُحصنون ضد الحصبة. ولا تزال ظاهرة العنف ضد الطفل متلازمة مع العنف ضد المرأة. وتشير الدكتورة لميس ناصر الخبيرة الأردنية في مجال حقوق المرأة، الى ان اسباب هذه الظاهرة ديموغرافياً هي: التمييز والخلافات وتزايد عدد أفراد الأسرة، والفقر والبطالة والأمية القانونية والاحباط والعدوانية واضطراب الشخصية والضغط النفسي والعنف في التلفزيون وفي الألعاب الالكترونية. وأكثر أشكال العنف شيوعاً في حق الطفل العنف الجسدي يليه العنف الجنسي داخل الأسرة وخارجها. ويحاط بالتكتم، والعنف اللفظي المسيء الى الشخصية والكرامة من تهديد واهانة، والعنف النفسي الذي يصعب قياسه وملاحقته. والى اشكال العنف الاقتصادي المرتبط بحرمان الغذاء والتحكم بالارث، والعنف الصحي المتعلق بالغذاء واللباس وحرمان الرعاية الصحية، والعنف الاجتماعي المرتبط بالتسلط. ثمة أنواع من العنف ضد الطفل تأخذ شكل الإهمال الصحي والتعليمي والعاطفي وايقاع العقوبة عند الفشل. ومن آثار العنف في الطفل: تأخر النمو والذكاء والاستيعاب والتسرب المدرسي والهرب من المنزل والجنوح والتبول اللارادي والشعور بالذنب والخجل. وليس الطفل العربي بعيداً من النزاعات المسلحة ولا من معاناة الاحتلال والحصار والحرب كما هو واقع الحال في العراق والأراضي الفلسطينية والسودان. الا ان الاحصاءات تغيب في هذا المجال، واذا كانت غالبية تشريعات الدول العربية لا تقر عقوبتي الإعدام والسجن مدى الحياة على الأطفال، اذ تعوضان بعقوبات أخف، فإن المشرّع السوداني يجيز الاعدام في جرائم الحدود وجرائم القصاص اذا لم يحصل عفو. ويتفاوت تحديد تشريعات الدول العربية للأعمار الدنيا لحماية الطفل أو عند ممارسة بعض النشاطات أو الأفعال، فلا يزال بعض الدول يقر بإمكان تشغيل الأطفال من دون 15 عاماً، وهي السن الدنيا التي حددها اتفاق منظمة العمل الدولية المتعلقة بالاستخدام. وتنخفض السن الدنيا للمساءلة الجزائية، اذ هي تحدد في الكثير من تشريعات الدول العربية بتسع سنوات، فيما تذهب تشريعات أخرى الى 13 عاماً. وتنخفض السن الدنيا للزواج، لتصل في بعض الدول الى ما بين عشرة أعوام و15 عاماً، وهو خفض مبني على عوامل عدة منها، على ما يقول الخبير خماخم "الفكرة الخاطئة التي تقول ان البنت تكتمل فيزيولوجياً قبل الفتى، وهذا ما لم يثبت علمياً". وتشير احصاءات "يونيسيف" الى وجود نحو تسعة ملايين طفل عامل في العالم العربي. وكانت مصادقة معظم الدول العربية على اتفاق الأممالمتحدة لحقوق الطفل اتسمت بحذر عبرت عنه مجموعة التحفظات والاعلانات التي سُجلت سواء عند التوقيع أو عند المصادقة، كذلك عبرت عنه المسافة الفاصلة بين مصادقة أول دولة عربية على الاتفاق مصر عام 1990 وآخر دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1997. ومرد الحذر خوف بعض الدول في مسائل تتعارض مع احكام الشريعة الإسلامية، خصوصاً التبني. وعلى رغم الحلول التي اقتُرحت لتبديد تلك المخاوف، لجأت معظم الدول العربية بما فيها التي اختارت اعتماد نظام الكفالة اعتمد فعلاً انتهاج سبيل التحفظ. وشملت تحفظات الدول العربية 12 مادة، اضافة الى التحفظات ذات النطاق العام، وتشتمل مواضيع هذه المواد في عدم التمييز المادة 2، ممارسة الحقوق المادة 4 والبقاء والنمو المادة 6، الاسم والجنسية المادة 7، حرية التعبير المادة 13، حرية الفكر والوجدان والدين المادة 14، حماية الحياة الخاصة للطفل المادة 16، حق الطفل في الحصول على معلومات المادة 17، حماية الطفل المحروم في صفة موقتة أو دائمة بيئته العائلية الكفالة والتبني - المادة 20، التبني المادة 21، حماية أطفال الأقليات الدينية أو اللغوية المادة 30، ادارة شؤون قضاء الأحداث المادة 40. ولكن في مجال تنفيذ الاتفاق العالمي لحقوق الطفل، بادرت اكثر من 17 دولة عربية بوضع خطط لبقاء الطفل وحمايته ونموه. وادخلت معظم الدول تعديلات على تشريعاتها لجعلها منسجمة مع مبادئ الاتفاق. واستحدثت 18 دولة عربية حتى الآن هياكل وكيانات لتنسيق السياسات الخاصة بالطفل، وآليات لتنسيق ورصد ومتابعة جديدة للعناية بشؤون الطفولة، في حين ادرج عدد محدود من الدول مبادئ الاتفاق واحكامه ضمن مناهج التدريس أو نشر محتوى تقاريرها امام الجمهور. ولا يبرز حق الطفل في التعبير وما يتميز به من خصوصيات عن الكبار كثيراً في تشريعات الدول العربية. ويسود مبدأ عام دساتير كل البلدان العربية، يتمثل في اقرار تبعية الأطفال لدين والديهم وتحديداً دين آبائهم، بحكم طبيعة الأسر العربية القائمة على مفهوم النظام الأبوي وبحكم قوة الأواصر الأسرية وما يقتضيه انسجامها وترابطها الروحي من ألا يكون هناك تنافر في الاعتقاد الديني بين رب الأسرة وأولاده، خصوصاً اذا كانوا دون سن الرشد، ويعتقد الخبير خماخم "ان الدول العربية التي تحفظت عن المادة المتعلقة بحرية الفكر كان في امكانها الا تفعل"، لأن نص المادة 2 من الاتفاق أكد في وضوح ان حق الطفل في حرية الفكر والوجدان والدين يُمارس بتوجيه من الوالدين وبطريقة تنسجم مع قدرات الطفل المتطورة وهي لا تتضارب مع مبدأ اتباع الأطفال لدين والديهم". وإذا كانت التقارير المرفوعة من الدول العربية تجنبت في معظمها، مسألة وجود آلية للتبليغ عن حالات اساءة معاملة الأطفال واهمالهم، فإن الكثير من التقارير تحدث عن "نظام التأديب" الذي يمارس اما في الوسط العائلي واما المدرسي. الا ان هذا النظام يتعارض مع مواد في الاتفاق، على اعتبار ان لا وجود لحد فاصل بين العنف والتأديب. ولفت الخبراء تضمن تقارير عربية اتجاهاً في بعض البلدان الى انشاء مدارس خاصة بالمعقوين، ورأوا فيه "اتجاهاً غير محمود، يتعارض مع ما ينادي به الاتفاق من منع كل المواقف التمييزية حيال المعوقين وضرورة ادماجهم في مدارس الأطفال الأصحاء نفسها". وأبرزت التقارير ان ظاهرة الاستغلال الاقتصادي موجودة في عدد من الدول العربية، وهي تشمل الأطفال من الفئتين. فهناك استغلال اقتصادي للفتيات بالعمل في المنازل، وللذكور بالعمل في المصانع والمتاجر وغيرها. وأبرز ما يلفت في التقارير تشريعات بعض الدول العربية في ما يتعلق بالاعتداء الجنسي، انها تجيز ايقاف التبعات أو المحاكمة في صورة زواج الجاني بالمجني عليها من جرائم المواقعة. وهذا اتجاه، يعتقد الخبير خماخم، انه "غير محمود على رغم نبل مقصده، لما يقال عن انه يستر العائلات ويدرأ الفضائح، لأنه يكافئ المجرم على فعله الشائن مرتين: الأولى بعدم معاقبته والثانية بتزويجه المعتدى عليها". بين التفاؤل والتشاؤم بما تحقق وما لم يتحقق لدعم حقوق الأطفال العرب، يبقى ان احترام حقوق الإنسان يبدأ من الطريقة التي يعامل بها المجتمع أطفاله، وما توصلت اليه الدول العربية من ايجابيات لمحاكاة اتفاق الأممالمتحدة لا يحجب وجود نواقص ومعوقات تأمل الجهات الدولية بمعالجتها على رغم دواعي قلقها المنطلقة من عوامل اقتصادية واجتماعية تحكم المنطقة العربية.