لأن الطفولة هي عنوان البراءة، ولأن الأطفال هم أجمل الكائنات على الإطلاق على وجه الكرة الأرضية، أولى العالم بما فيه من دول ومنظمات دولية ومؤسسات مجتمع مدنية قضية حقوق الطفل بالبحث والرعاية والاهتمام، حيث كان الطفل محوراً للعديد من المؤتمرات والمحاضرات والندوات والدراسات، كما أن هنالك صندوق الأممالمتحدة للطفولة «اليونسيف» الذي يعنى بجميع القضايا المتعلقة بالأطفال وحقوقهم، الذي تأسس في 11 ديسمبر 1946م. كذلك أثمرت الجهود الدولية عن اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة في 20 نوفمبر 1989م. بالإضافة إلى الجهود المستمرة على تحسين ورفع مستوى العناية الدولية التي يحظى بها الطفل عبر جميع المستويات الاجتماعية والصحية والثقافية والتربوية. وفي هذا السياق، لم تكن المملكة العربية السعودية ببعيد عن هذه الجهود، حيث صادقت على اتفاقية حقوق الطفل في 11 سبتمبر 1995م، التي دخلت في حيز النفاذ في 26 يناير 1996م، كما أن المملكة العربية السعودية طرف في العديد من الصكوك الإقليمية والعربية والإسلامية، منها عهد حقوق الطفل في الإسلام، الصادر عن منظمة المؤتمر الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي حالياً) في 2005م. وعلى الصعيد الداخلي، فإن السياسة الوطنية للمملكة العربية السعودية تناولت حقوق الطفل بالرعاية من حيث العناية الصحية، والاجتماعية والتربوية والتعليمية والترفيهية، ومن ذلك الخطة الوطنية الشاملة للطفولة لعشر سنوات من 2005م إلى 2015م، والتي تقترب من بلوغ أهدافها. ولأن اتفاقية حقوق الطفل تعتبر الصك القانوني الدولي الأول الذي يلزم الدول الأطراف من ناحية قانونية، فإنني سأتناولها بشيء من التفصيل في مقالي هذا. بداية، تعترف الاتفاقية أن لكل طفل حقوقاً أساسية، تتضمّن الحق في الحياة، الحق في الحصول على اسم وجنسية، الحق في تلقي الرعاية من والديه، كما تعترف الاتفاقية بحق الطفل بالتعبير عن الرأي، حرية تكوين الجمعيات وفى حرية الاجتماع السلمي. وبحمايته من التنكيل والاستغلال، وأن يتم حماية خصوصياته وألا يتم التعرض لحياته. كما إن لكل طفل الحق في الانتفاع من الضمان الاجتماعي، كذلك تمنع الاتفاقية إعدام الأطفال. والاتفاقية تتمحور حول حقوق الطفل واحتياجاته، وتطلب أن تسعى الدولة بما يهدف إلى تحقيق مصلحة الطفل وحماية حقوقه. ويأتي تعريف الطفل في المادة الأولى من الاتفاقية: «لأغراض هذه الاتفاقية، يعنى الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه». وهذا ما يميز عهد حقوق الطفل في الإسلام عن اتفاقية حقوق الطفل، حيث لم يرد تفصيل سن محدد للطفولة في العهد حيث جاء في المادة الأولى منه: «لأغراض هذا العهد، يعني الطفل كل إنسان لم يبلغ سن الرشد وفقا للقانون المطبق عليه». بالإضافة إلى مراعاة خصوصية المجتمع المسلم والشريعة الإسلامية التي كفلت حقوق الطفل وفقاً للمنهج الحنيف. بالإضافة إلى أن العهد صدر بلغة مرنة لا تتصادم مع القوانين الخاصة للدول الأطراف في العهد ولكن تتكامل معها. وهو ما يختلف عنه في الاتفاقية حيث نصت على جملة من الحقوق التي تحفظت عليها معظم الدول العربية والإسلامية منها المادة (14) التي تدعو إلى «أن تحترم الدول الأطراف حق الطفل في حرية الفكر والوجدان والدين». وكذلك المادة (21) التي تتناول قضية التبني بشيء من التفصيل، وذلك ما يتعارض مع قواعد الشريعة الإسلامية التي لا تجيز التبني ولكن أمرت بأشكال أخرى مثل الكفالة الاجتماعية لليتيم ورعايته. والمادة السابعة التي تجيز للطفل الحصول على اكتساب الجنسية فور ولادته بغض النظر عن حالة والديه. وفي جملة هذه التحفظات، أطلقت المملكة تحفظا عاماً على جميع البنود التي تخالف الشريعة الإسلامية في الاتفاقية دون إشارة إليها بشيء من التفصيل. وهو ما دعى لجنة حقوق الطفل المعنية بالاتفاقية أن تعبر عن قلقها «من أن الطابع العام لهذا التحفظ يجيز للمحاكم، وللجهات التنفيذية لنفي العديد من أحكام الاتفاقية، مما يثير مخاوف جدية من أجل التوافق مع الهدف والغرض من الاتفاقية». وأنا هنا لا أرى ما يحول دون إبداء التحفظات بشيء من التفصيل طالما هذا الحق مكفول في ظل اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات. كما يذكرني تحفظ المملكة حيال اتفاقية حقوق الطفل بالتحفظ تجاه اتفاقية CEDAW الخاصة بالمرأة. غير أن الأنظمة الداخلية التي تتناول شؤون الطفل قد قطعت شوطاً كبيراً، فحسب تصريح أحد المستشارين القانونيين أن هنالك 131 نظاماً قانونياً داخل المملكة يحمي ويرعى حقوق الطفل الأساسية بالتوافق مع التشريعات الإسلامية والاتفاقيات الدولية. لكن المبرر برأيي لهذا التحفظ العام يأتي مرة أخرى في ظل غياب وجود مدونة أحوال شخصية في المملكة العربية السعودية، حيث تقف المرأة والطفل في ذات المركز القانوني من هذه المدونة. وبالنسبة للطفل فهو المعني بدرجة أكبر بأحكام الحضانة والنسب والنفقة وغيرها من أمور لها أثر مباشر على حياته. كما أن من أكثر الانتقادات التي توجه للمملكة فيما يتعلق بحقوق الطفل هما: زواج القاصرات، والعنف الأسري. وأنا برأيي مثل هذه القضايا يمكن الحد منها حين صدور نظام يتناول الأحوال الشخصية بشيء من التفصيل ويقرر السن المناسب للزواج مع وضع الشروط والاستثناءات حسب مرئيات القاضي. كذلك أيضاً وجود مدونة أحوال شخصية ستحد من العنف الأسري حينما يقرر نظام الطلاق لضرر، وتوضع آلية قانونية لتحديد لمن ستؤول إليه حضانة الطفل حين وقوع عنف داخل محيط الأسرة.