خسر رئيس الغابون عمر بونغو ورئيس التشاد ادريس دبي ورئيس الكونغو دنيس ساسو نغيسو، دعوى ضد الناشر الفرنسي فرانسوا كزافييه فيرشان، بسبب عدم الدقة في تحديد المبرر القانوني لشكواهم. ورأت المحكمة الجزائية في باريس في قرار أصدرته أول من أمس، أن الشكوى التي أقامها الرؤساء الثلاثة ضد فيرشان، اثر نشره في نيسان ابريل من العام الماضي كتاباً بعنوان "سواد الصمت"، ويتعرض فيه لهم، تستند إلى مادة قانونية غامضة ولا تسمح باتخاذ اجراءات عقابية على أساسها. وبناء عليه، نجا فيرشان من غرامة مالية قدرت بين 300 ألف فرنك فرنسي وفرنك واحد رمزي، كما نجا كتابه الذي أعده بالاشتراك مع أعضاء منظمة "سورفي" البقاء التي يترأسها، وتناضل من أجل سياسة فرنسية أكثر نقاء في افريقيا. ويصف الكتاب المكون من 600 صفحة، ادريس دبي بأنه "مجرم لا يرحم""و"مزور للعملة". ويصف بونغو ب"العرّاب الاقليمي" و"مزور الانتخابات"، كما ينسب إلى ساسو نغيسو "جرائم بحق الإنسانية"، ويأخذ عليه ايواءه بطل فضيحة "إلف اكيتان" المالية الفرد سيرفين. وأدى صدور الكتاب، الذي بيع منه 26 ألف نسخة في فرنسا، إلى استياء بالغ في أوساط الرؤساء الثلاثة، الذين لم يجدوا سبيلاً لمواجهته إلا بواسطة القضاء. فانعقدت المحكمة الجزائية الباريسية على مدى ثلاثة أيام، في آذار مارس الماضي للنظر في الشكوى التي تقدم بها الرؤساء الافارقة، لكن وقائع الجلسات تحولت عملياً لمناسبة أدلى خلالها ما لا يقل عن 20 شاهداً غابونياً وتشادياً وكونغولياً بما يعرفونه وبما خبروه عن ممارسات أنظمتهم. واستمعت هيئة المحكمة إلى أقوال نائب تشادي سابق، مثل أمامها في كرسي للمقعدين، ليروي كيف أصبح مقعداً نتيجة التعذيب في سجون التشاد التي دخلها ما لا يقل عن 11 مرة. كما استمعت إلى روايات شهود حول المجازر التي ارتكبت في إطار الحرب الأهلية في الكونغو - برازافيل خلال الفترة الواقعة بين عامي 1997 و1998، ودور ساسو نغيسو في إطارها، وأيضاً إلى شهادات عدة تظهر حال الفساد السائدة في الغابون، وتفيد بأن المستفيد الأكبر هو بونغو نفسه. أما فيرشان، وهو من المتخصصين بالاقتصاد، فأوضح للمحكمة أن الكتاب الذي نشره، أعدته مجموعة من "المواطنين الذين يريدون دفع الأمور نحو التغيير، وإدانة العلاقات المستمرة بين فرنسا وعدد من رؤساء الدول الافارقة النهابين". في المقابل، حمل المحامون الذين مثلوا رؤساء الدول الثلاثة، بعنف على فيرشان ووصفوه بأنه "يفتقر إلى الجدية والموضوعية". واعتبروا ان كتابه يشكل عملاً ينطوي على "أقصى قدر من سوء النية". وطالب المحامون هيئة المحكمة بمعاقبة فيرشان، وبحذف كل المقاطع المسيئة للرؤساء الأفارقة من كتابه. لكن هيئة المحكمة قررت مخالفة هذا الطلب، فاعتبرت ان الدعوى التي اقيمت ضد فيرشان استندت إلى المادة 36 من القانون الصادر في فرنسا سنة 1881، حول حرية الصحافة، وان هذه المادة تتناقض مع ما هو منصوص عليه في الوثيقة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تنص على "محاكمة عادلة". وأوضحت المحكمة في قرارها أن المادة 36 تتناول "الاهانة" التي يصعب تحديدها وتقديم الأدلة القانونية عليها، مثلما يصعب على من يواجهها أن يتقدم من جانبه بأدلة ضدها. وأشارت إلى أن القانون الفرنسي، قادر بالمقابل على التعامل مع "الشتيمة" و"القدح"، وأنه ليس هناك ما يمنع الرؤساء الثلاثة من تقديم شكواهم بناء على أحد هذين الأساسين بدلاً من اعتماد تهمة "الاهانة". ولعل محامي بونغو ودبي وساسو نغيسو سيبدون اهتماماً أكبر بالفوارق التي تحكم اللغة القانونية، لدى تحديدهم حيثيات طلب الاستئناف الذي توقعت منظمة "سورفي" أن يقدموه إلى المحكمة.