بدأت اسبانيا تفكر جدياً بالتصالح مع تاريخها الأموي الذي كانت تعترف وتفتخر بوجوده لكنها لم تكن ترغب بتذكره. ويبدو أنها اكتشفت ان استغلال هذا التاريخ يفوق أهمية الجرح الذي تركه في عنفوان المملكة الاسبانية فوز الدمشقي موسى بن نصير على قائد القوط دون رودريغو الملك لذريق، وما تبعه من تاريخ وثقافة مشتركين. فخلال السنوات الأخيرة بدأ المسؤولون الاسبان بالتحرك في هذا الاتجاه مستخدمين الجغرافيا الى التاريخ، والسياسة الى جانب الثقافة. تشارك اسبانيا بلاد الشام البحر والثقافة ويفرقهما الانتماء الى عالمي الشرق والغرب والى ضفتي المتوسط الشمالية والجنوبية مع كل ما يتبع ذلك من مفارقات ويترتب عليه من نتائج. وفي الآونة الأخيرة بدأت حكومات اسبانيا بالتورط جدياً في سياسة الشرق الأوسط نظراً لتاريخها المشترك مع العرب ولصداقتها مع اسرائيل. أما على صعيد الحكومة المحلية في اقليم الاندلس فقد عادت الى أول الطريق، أي الى دمشق، لتستعيد ذكرى تاريخها العربي. وعلى رغم انها تقيم بشكل مستمر نشاطات اسبانية - مغاربية تتعلق بتلك الحقبة، إلا أنها انتظرت حتى اليوم لتقيم معرضاً في المجمع الأثري بمدينة الزهراء، القريبة من قرطبة في الجنوب الاسباني، يعتبر من أهم الأحداث الثقافية لهذا العصر، يجمع 300 قطعة اثرية تعود الى العهد الأموي في الاندلس. هذا المعرض الذي يعقد تحت عنوان "تألق الأمويين القرطبيين" سيفتتحه في الثالث من أيار مايو المقبل الخلف المباشر للقائد الأموي عبدالرحمن بن معاوية صقر قريش الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد، الى جانب خليفة دون رودريغو العاهل الاسباني الملك خوان كارلوس الأول. ويستمر المعرض حتى آخر أيلول سبتمبر المقبل. من بين القطع الاثرية التي يضمها المعرض 30 قطعة فريدة في نوعها، خرجت للمرة الأولى من متاحفها في مصر وسورية، و150 قطعة أخرى جاءت من 15 بلداً بينها تونس والمغرب واللوفر الفرنسي ومتحف برلين الاسلامي. والفارق الرئيسي بين هذه التظاهرة الثقافية وبين المعرض الذي أقيم في المعهد العربي في باريس وزاره أكثر من 300 ألف شخص هو ان عدداً من المتاحف وأصحاب المجموعات الخاصة امتنعوا عن تقديم قطعهم الاثرية لعرضها في باريس الا أنهم أعاروها الآن لتُعرض في مكان نشأتها "لأسباب ربما كانت عاطفية". ويركز المعرض على تقديم عينات تكشف عن حقبة مزدهرة في شبه الجزيرة الايبيرية التي تكرست خلالها كجسر ثقافي بين الشرق والغرب ومكان التقت فيه الثقافة العربية ببقية الثقافات المتوسطية. فالمسالك التي انطلقت من مكةالمكرمة والمدينة المنورة عبر بلاد الشام والشمال الافريقي نحو أوروبا فنقلت التراث الاغريقي واللاتيني والعربي الى القارة الأوروبية تدل على عمق التعاون القائم آنذاك بين الشرق والغرب، ومنها الى دمشق مروراً بحلب وبيروت فطرابلس وعمان والقدس والقاهرة وطرابلس الغرب والقيروان وتونس فوهران والجزائر وتلمسان الى سبتة وطنجة فالمنكب وغرناطة لتحط رحالها في قرطبة عاصمة الأمويين الغربية والى جانبها التحفة المعمارية، الزهراء التي تحتضن المعرض لتدل على عظمة الدولة الأموية. لقد تأخرت اسبانيا قليلاً في اقامة هذا المعرض لتأخذ مبادرة سياسية وثقافية تميزها عن باقي البلدان الأوروبية تكون، كما وصفها رئيس الحكومة الاندلسية مانويل تشافيس، أفضل بطاقة تقديم من أجل تشجيع العلاقات مع البلدان المتوسطية. وترد المصادر الاسبانية على تأخرها في هذا المضمار مشيرة الى عدم التجاوب من الجانب العربي وتقول انها حافظت خير محافظة على التراث العربي فيها ورصدت لتشجيع التعرف اليه والى الثقافة المشتركة مبالغ مهمة من موازناتها في الوقت الذي لم تبد فيه الدول العربية أي اهتمام من قبل. أما سورية فقد تجاوبت مع الحكومة المحلية الاندلسية في أول اتصال لها مما سهل تنظيم المعرض وتلبية الرئيس بشار الأسد دعوة الملك الاسباني للقيام بزيارة رسمية هي الأولى من نوعها لرئيس سوري منذ أيام الأمويين سيستقبله خلالها خوان كارلوس الأول في حفلة عشاء عائلي مع زوجتيهما قبل افتتاح المعرض. كما سيجتمع الأسد مع رئيس الوزراء الاسباني خوسيه ماريا اثنار في لقاء يأتي بعد نحو عشرة أيام من جولة وزير خارجيته جوسيب بيكيه على مصر والأردن وفلسطين واسرائيل وسورية ولبنان. وفي مدريد سيغلب الطابع السياسي على محادثات الأسد خصوصاً ان اسبانيا ترغب في لعب دور أكبر داخل الاتحاد الأوروبي على صعيد عملية السلام. ولعل زيارة الرئيس السوري تساعد على تحقيق مشاريع ايجابية رسمتها الديبلوماسية الاسبانية نظراً لدور سورية الأساسي في عملية السلام في الشرق الأوسط.