في مصر نحو ستة ملايين شريف، يقيم معظمهم في محافظات الصعيد قنا وسوهاج وأسوان. والأشراف هم من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن نسل الحسن والحسين رضي الله عنهما ولهم مكانة خاصة ومهمة للغاية على مر العصور. وكان من أشهرهم الأدباء: رفاعة الطهطاوي ومصطفى لطفي المنفلوطي والسيد عمر مكرم الذي قاد النضال الوطني ضد الحملة الفرنسية حين كان نقيباً للأشراف. وفي مصر نشأت النقابة الوحيدة من نوعها للأشراف على مستوى العالم فهي تقوم بتسجيل أنسابهم وحفظ حقوقهم ويرجع تاريخها الى القرن الثالث الهجري. من هم الأشراف؟ المعروف ان كل أبناء النبي صلى الله عليه وسلم الذكور: القاسم، الطيب والطاهر... عبدالله من خديجة رضي الله عنها وكذلك ابنه ابراهيم من مريم القبطية قد لحقوا بالرفيق الأعلى، أما بنات الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يكن لهنّ من الذكور إلا الحسن والحسين رضي الله عنهما وهما لابنته فاطمة زوجة الإمام عليه بن أبي طالب. لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه خصوصاً وجعل ذريتي من صلب علي بن أبي طالب من فاطمة الزهراء. وبعد مقتل الحسين رضي الله عنه في موقعة كربلاء واستيلاء معاوية بن أبي سفيان على الخلافة، أمعن بنو أمية في مطاردة آل البيت الذين تفرقوا في أنحاء العالم الاسلامي ولكنهم حرصوا على اثبات نسبهم حتى لا يضيع. وكانوا في أواخر العصر العباسي يعرفون ب"العلويين"، ولم يطلق عليهم لقب الأشراف الا في أواخر عهد الدولة العباسية وبداية ظهور الدولة الفاطمية. و"الشريف" بمعناها اللغوي تطلق على الرجل الكريم طيب النسب والأصل. الأشراف في مصر أما السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب، فقد لجأت الى مصر بعد أن خيّرها يزيد بن معاوية ما بين الإقامة في دمشق أو السفر الى أي مكان آخر، فاختارت العودة الى المدينةالمنورة، إلا أن والي المدينة اشتكى من اقامتها بدعوى أن وجودها يثير الناس على بني أمية فقررت السيدة زينب ومن معها من آل البيت الذهاب الى مصر حيث استقبلها والي مصر والعلماء وخصص لها قصر لإقامتها وكان ذلك في 60 ه. وكانت هذه بداية اقامة الأشراف بمصر، أما أول نقابة لهم فأنشئت في القرن الثالث الهجري لتسجيل أنسابهم وحفظ حقوقهم ومن أشهر من تولوا نقابة الأشراف وقتذاك الشريف الرضي الشاعر المشهور. وفي عهد الدولة الطولونية في مصر نال السادة الأشراف الاحترام وقرر أحمد بن طولون صرف المرتبات لهم. وتشير المصادر التاريخية الى أن منصب نقيب الأشراف في مصر ابان العصر الطولوني حصر في أسرة تدعى "طباطبا"، وقد احتذى كافور الاخشيدي بسلفه ابن طولون في تقدير الاشراف، وعندما قامت الخلافة الفاطمية في مصر، وافق الفاطميون على انشاء نقابة للأشراف، وكان أول من تولى منصب النقيب الخليفة الفاطمي المعز لدين الله ثم تلاه في هذا المنصب الخلفاء الفاطميون. وفي العهد العثماني، كان نقيب الأشراف مقدماً في التشريفات الرسمية على كل رجال الدولة، وكان النقيب يشترك في ديوان الباشا، ويشرف على أملاك النقابة ويدير أوقافها ويصرف المرتبات والخيرات لمستحقيها، كما كان ينظر في قضايا الأشراف وتطلعاتهم. وفي عام 1885 في عهد الخديوي عباس حلمي أصدر أمراً عالياً بوضع لائحة تحدد مهام وتخصصات النقيب، ويعد محمد الببلاوي آخر نقباء الأشراف في مصر فقد ظل المنصب شاغراً بعد وفاته عام 1953 حتى صدر قرار جمهوري بإعادة منصب النقيب عام 1991. أقطاب الأشراف وبرز من الأشراف قادة وزعماء وأدباء ومفكرون أثروا في المجتمع المصري أبلغ الأثر. ولعل أشهرهم السيد عمر مكرم وهو زعيم شعبي مصري ولد في أسيوط وتعلم الأزهر وقد تولى منصب نقيب الأشراف إبان الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت عام 1789 م الذي قاد النضال الشعبي ضد الحملة وتزعم ثورة القاهرة الثانية ضد كليبر 1800م. وبعد جلاء الفرنسيين عام 1801 اختار الشعب محمد علي باشا ليكون والياً عليهم وساعده السيد عمر مكرم وألبسه بنفسه الكرم والقفطان شعار الولاية عام 1805 في موكب وطني عظيم إيماناً منه بوطنية محمد علي وكراهية المصريين لسلفه الوالي خورشيد باشا، لكن السيد عمر مكرم كان عيناً ساهرة للشعب فقد وقف ضد محمد علي عندما تجاوز في قراراته. لكن محمد علي تنكر لعمر مكرم وعزله من منصبه عام 1809 ونفاه الى دمياط ثم الى طنطا، وقد تولى عمر مكرم حفيد السيد عمر مكرم الكبير هو الآخر نقابة الأشراف في مصر إبان الحرب العالمية الأولى. وقد برز من الأشراف في مصر أدباء ومفكرون ومؤرخون منهم الأديب رفاعة رافع الطهطاوي باعث النهضة العلمية الحديثة في مصر في عهد محمد علي وصاحب الفضل الأول في تنشيط حركة الترجمة، وله مؤلف شهير للغاية هو "تخليص الابريز في تلخيص باريز"، ومنهم مصطفى لطفي المنفلوطي صاحب المؤلفات الأدبية. ومن المؤرخين السمهودي صاحب كتاب "جواهر العقدين"، ومن الأولياء الصالحين السيد أحمد البدوي وضريحه في طنطا، وعبدالرحيم القنائي بقنا وعلي الرفاعي وقد دفن بمسجد الرفاعي بالقلعة، والسلطان حسين أبو العلا الذي عاش في حي بولاق ويوسف ابو الحجاج بالأقصر وأبو الحسن الشاذلي بمرسى علم بمحافظة البحر الأحمر. أهداف النقابة أما عن الأشراف المعاصرين فيقول السيد أحمد كامل ياسين نقيب الأشراف: إن عددهم الآن نحو 6 ملايين في مصر يعملون في مختلف المجالات فمنهم الدعاة والأدباء والعلماء والوزراء وأعضاء مجلس الشعب والشورى والأطباء والمهندسون والصنّاع والتجار. ولم يذكر اسماء "لأن النسب للأشراف هو في حد ذاته شرف لا يضاهيه أي مكانة أو منصب"، مؤكداً على أن الاهتمام بتسجيل الأنساب ليس وسيلة للتباهي والتفاخر، بل ان الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بتعليم الأنساب وحفظها وجعل غاية التعلم صلة الأرحام لا التفاخر، ولتطبيق أحكام الشريعة الاسلامية في مسائل الزواج والحضانة والمواريث وغيرها من الأحوال الشخصية بدقة. والأشراف مثل سائر المسلمين لا فضل فيهم إلا انتسابهم الى آل النبي ولكن هذا يلقي على عاتقهم مسؤولية كبيرة، كي يكونوا قدوة لغيرهم لذلك فهم يعملون في ظل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من أسرع به عمله لم يبطئ به نسبه ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه". وعن طريقة إثبات نسب الشريف قال السيد ياسين: "إنها تتم بدقة حيث يتقدم طالب الانتساب بأوراقه ومعلومات كاملة عن جذوره وشجرة عائلته حيث يتم عرضها على لجنة متخصصة تقرر مدى صحة النسب من عدمه وهناك بعض العائلات التي تحفظ نسبها شفهياً". وأضاف: "والنقابة تعمل على تحقيق التعارف بين أبناء البيت النبوي وتحصين شباب الأشراف من الأفكار المنحرفة والمتطرفة وحثهم على التمسك بالسنّة والوسطية الاسلامية وإعداد القدوة الحسنة للشباب كذلك دعم العلاقات بين نقابة الأشراف في مصر والاشراف في العالم الاسلامي. كما تسعى الى نشر الثقافة الاسلامية والدعوة بالحكمة وتعميق المفاهيم الدينية والقيم الروحية. وتقوم النقابة بتنظيم رحلات الحج وانشاء صندوق للتكافل الاجتماعي لمساعدة فقراء الأشراف كما تصدر النقابة مجلة ربع سنوية لنشر الثقافة الاسلامية وتصحيح المفاهيم الخاطئة".