هل تتوقف الحرب بين إسرائيل وحزب الله    وزير المالية : التضخم في المملكة تحت السيطرة رغم ارتفاعه عالميًا    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    11 ورقة عمل في اليوم الثاني لمؤتمر الابتكار    تكريم المشاركين بمبادرة المانجروف    محافظ الطائف يرأس إجتماعآ لمناقشة خدمات الأوقاف    أمير منطقة تبوك يستقبل الرئيس التنفيذي لشركة المياه الوطنية    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    اكتمل العقد    دوري يلو: التعادل السلبي يطغى على لقاء نيوم والباطن    حملة على الباعة المخالفين بالدمام    4 فرق طوارئ إسعافية    «الخريجي» يشارك في المؤتمر العاشر لتحالف الحضارات في لشبونة    بلاك هات تنطلق في ملهم بمشاركة 59 رئيس قطاع أمن السيبراني    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    خادم الحرمين الشريفين يتلقى رسالة خطية من أمير دولة الكويت    جمعية «الأسر المنتجة» بجازان تختتم دورة «تصوير الأعراس والمناسبات»    رئيس «اتزان»: 16 جهة مشاركة في ملتقى "التنشئة التربوية بين الواقع والمأمول" في جازان    وزير الشؤون الإسلامية: ميزانية المملكة تعكس حجم نجاحات الإصلاحات الإقتصادية التي نفذتها القيادة الرشيدة    زيارة رسمية لتعزيز التعاون بين رئاسة الإفتاء وتعليم منطقة عسير    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    "موهبة" توقع 16 اتفاقية تعاون ومذكرة تفاهم لرعاية الموهوبين    الخريف يبحث تعزيز التعاون المشترك في قطاعي الصناعة والتعدين مع تونس وطاجيكستان    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    سموتريتش يدعو مجدداً إلى تهجير نصف سكان غزة    نائب وزير الدفاع يرأس وفد المملكة في اجتماع الدورة ال 21    نوف بنت عبدالرحمن: "طموحنا كجبل طويق".. وسنأخذ المعاقين للقمة    أمانة الشرقية : تطرح فرصة استثمارية لإنشاء مركز صحي لعلاج حالات التوحد والرعاية الفائقة    محافظ الخرج يطلق مبادرة "أنا سعودي"    مسؤول إسرائيلي: سنقبل ب«هدنة» في لبنان وليس إنهاء الحرب    السجن والغرامة ل 6 مواطنين.. استخدموا وروجوا أوراقاً نقدية مقلدة    هيئة الموسيقى تنظّم أسبوع الرياض الموسيقي لأول مرة في السعودية    الجدعان ل"الرياض":40% من "التوائم الملتصقة" يشتركون في الجهاز الهضمي    ترمب يستعد لإبعاد «المتحولين جنسيا» عن الجيش    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    الطائرة الإغاثية السعودية ال 24 تصل إلى لبنان    حرفية سعودية    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    حكايات تُروى لإرث يبقى    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    ألوان الطيف    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    من أجل خير البشرية    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    خسارة الهلال وانتعاش الدوري    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    القتال على عدة جبهات    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    نوافذ للحياة    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احتساب مرات الدخول والخروج يرفع العدد الى ستة أضعاف . تقدير العمال السوريين في لبنان بمليون ونصف ... بحث "سياسي" عن رقم ذهبي !
نشر في الحياة يوم 18 - 04 - 2001

عندما يكتب أحد الصحافيين اللبنانيين، متسلحاً بالأرقام والجداول والدراسات المسماة أكاديمية، ان هناك "سورياً واحداً يقيم على الأرض اللبنانية في مقابل كل لبنانيين يقيمان فيها" ميشال مرقص في عددي "النهار" 24/6/1995 و4/12/1997، فإن هذا الكلام لا يعبر فقط عن الآراء الشخصية للكاتب، بل هو بات يشكل قناعة مشتركة تتقاسمها فئات واسعة من اللبنانيين، وتعمل الاجهزة الاعلامية بمختلف صنوفها، سنة تلو الأخرى، على نشرها وترسيخها لدى مختلف شرائح وطوائف الشعب اللبناني. فكلما احتدم النقاش السياسي الداخلي حول شرعية الوجود السوري في لبنان، تعود هذه القضية للظهور مجدداً كحجة دامغة يستخدمها الطرف الرافض لهذا الوجود، للتأكيد على مزاحمة اليد العاملة السورية لمثيلتها اللبنانية. وللتحذير من خطر اختلال التوازن الديموغرافي الذي يهدد لبنان في هويته وكيانه. وفي كل مرة تنتهي القضية وينجلي غبار المعركة على بقاء الجيش السوري في لبنان وعلى المزيد من الكره والتعصب بين الشعبين، الذي يكون ضحيته المباشرة لا النظام السوري وحلفائه في لبنان، ولكن الطرف الأضعف في هذه المعادلة، اي العامل السوري الذي لا ناقة له ولا جمل، في هذا الصراع السياسي الطويل الأمد.
تريد هذه المقالة، وبعيداً من الاستخدام السياسي لقضية العمال السوريين في لبنان، ان تناقش الكيفية التي تصنع فيها الأرقام الدالة على حجم اليد العاملة السورية. وسنختار كمثال على ذلك محاضرة بعنوان "الاتفاقات الاجتماعية وانعكاساتها الديموغرافية في العلاقات اللبنانية السورية، محاولة تقويمية، قدّمها الدكتور بسام الهاشم اثناء انعقاد المؤتمر الوطني عن العلاقات السورية اللبنانية برعاية الحركة الثقافية في انطلياس بتاريخ 14 15 تشرين الثاني نوفمبر 2000. أما لماذا ورقة البحث هذه، دون غيرها مما يكتب ويقال باستمرار في الصحف او على شاشات التلفزة؟ فللاختيار اسباب عدة من بينها ان المحاضر هو اكاديمي وأستاذ لعلم الاجتماع والانثروبولوجيا في معهد العلوم الاجتماعية الفرع الثاني الجامعة اللبنانية، كما انه أحد اوائل المروجين لرقم المليون ونصف المليون عامل سوري في لبنان أنظر مقاله في: Encyclopaedia Universalls 1998. وهو بصفته العلمية هذه، وبما للحركة الثقافية في انطلياس من مكانة، اعطى لأرقامه واستنتاجاته الجديدة القديمة مصداقية أكبر في نظر اجهزة الاعلام، التي راحت تتناقلها كحقائق منزلة، مثيرة يومها زوبعة سياسية وإعلامية دفعت برئيس الحكومة اللبنانية السيد رفيق الحريري الى ان يتدخل شخصياً في النقاش الدائر، منتقداً ما اعتبره مبالغة في الأرقام المتداولة ومؤكداً انه "ليس في لبنان لا مليون عامل سوري ولا نصف مليون ولا حتى 400 ألف أو 300 ألف عامل، اذ ان 95 في المئة من العمالة السورية تعمل موسمياً". كما ان وزير المال فؤاد السنيورة، رد بدوره على هذه الأرقام مصرحاً للصحافيين ان "عدد العمال السوريين في لبنان لا يتجاوز 150 ألف عامل، على أبعد تقدير، على اساس ان السوريين الذين اقترعوا في الانتخابات الرئاسية بلغ 138 ألف مواطن تقريباً ومعظم هؤلاء من العازبين" جريدة "المستقبل" 18/10/2000.
لكن ما فائدة هذه الردود، وكيف لها ان تتحلى بالصدقية في نظر الجمهور اللبناني؟ اذا كان اصحابها يعتبرون حلفاء سورية والناطقون باسمها في لبنان. وكل ما نرجوه هو ان لا تُؤوَّل مقالتنا هذه على انها تدعم، هي الأخرى، الوجود العسكري السوري في لبنان، او تعارض استقلال لبنان وسيادته وقراره الوطني المستقل.
في مطلع شهر كانون الثاني يناير 2001 صدر عن الحركة الثقافية في انطلياس كتاب بعنوان "العلاقات السورية اللبنانية، محاولة تقويمية"، يحتوي على نصوص المحاضرات التي قدمت في الجلسات المتعاقبة للمؤتمر الوطني الذي عقدته الحركة. كما تضمن ملحقاً بنصوص جميع الاتفاقات والبروتوكولات المعقودة بين البلدين. وقد ناقشت المحاضرات العلاقات اللبنانية السورية من جوانبها السياسية والعسكرية والاقتصادية كافة، وتضمنت قراءة شاملة ونقدية للاتفاقات الثنائية الموقعة بين البلدين في اطار معاهدة "الأخوة والتعاون والتنسيق" التي تجمع بينهما منذ العام 1991، وأشارت الى الخلل وعدم التكافؤ في العلاقات الثنائية التي تجمع البلدين على الصعد كلها.
اذا كان تناول محتويات هذا الكتاب بالنقد والتحليل، يحتاج الى سلسلة من المقالات التي نتمنى ان ترى النور، لتغني النقاش الاكاديمي حول العلاقات السورية اللبنانية وتدفع به بعيداً من المهاترات اللفظية والتجيير السياسي والضغوطات المتنوعة التي تطل برأسها كلما جرى التطرق الى هذه العلاقات في المجال العام. وإذا كان مؤكداً ان موضوع العمالة السورية في لبنان لا يزال يثير كثيراً من الشجون والانفعالات لا تدعي هذه المقالة لنفسها القدرة على معرفة العدد الحقيقي لليد العاملة السورية في لبنان. كل ما تريد ان تقدمه، اذا امكن لها ذلك، هو بعض الملاحظات النقدية على منهجية تروج باسم العلم ارقاماً عن حجم العمالة السورية في لبنان طابعها الأول سياسي وإيديولوجي.
يربط بسام الهاشم، من دون إقامة أي دليل علمي، بين ما يسميه: "كثافة تدفق لليد العاملة السورية بينما الهجرة في صفوف اللبنانيين مستمرة". ويقرّ الدكتور الهاشم ان العمالة السورية في الخمسينات والستينات من القرن العشرين كانت "عمالة ذات طابع موسمي، تأتي لسد النقص لا أكثر في احتياجات البلاد من اليد العاملة غير المؤهلة، خصوصاً، بل على نحو شبه حصري في قطاعي البناء والزراعة". لكن الوضع، بحسب تعبير استاذ علم الاجتماع، "راح يتبدل جذرياً مع حلول العام 1991، وهو العام الذي استتب فيه الأمر للحكم السوري في لبنان ... ففي ذلك العام تم فتح الحدود بين البلدين على مصراعيها. فراح العمال السوريون من يومها يتدفقون علينا بأعداد متعاظمة أبداً لا تبررها حاجات اقتصادنا الوطني" ....
وافتراض ان الحدود فتحت على مصراعيها بين البلدين في العام 1990 كلام غير دقيق. فالحدود المشتركة، في الجهة اللبنانية، بقيت مفتوحة منذ الاستقلال، وخلال معظم مراحل الحرب الأهلية اللبنانية بوجه المواطنين السوريين الراغبين في التوجه الى لبنان. لكن ما فتح من جديد أمامهم، فهو حدود المناطق المسيحية التي كانت بدورها مغلقة، قبل هذا الزمن، امام المسلمين اللبنانيين أيضاً.
اما لماذا لم تعد العمالة السورية ذات طابع موسمي، على حد زعم الهاشم، خصوصاً انها لا تزال متمركزة، كما كانت في الماضي، في قطاعي البناء والزراعة؟ ولماذا لم يتضاءل عددها بسبب انحسار ورشة اعادة الاعمار والبناء في البلاد؟ فإن الدكتور الهاشم لا يقدم اي جواب علمي عن هذين السؤالين، ويكتفي بإخبارنا بما يعتقد انه الصحيح والحقيقي من دون تقديم أي أدلة علمية. يقول بسام الهاشم: "باعتقادي ان انصار مسيرة الاعمار والبناء، ما كانت نتيجته التسبب بتضاؤل اقبال السوريين على العمل في لبنان، بل بتحويل اعداد متزايدة منهم، وبمؤهلات مغايرة، من قطاع البناء الى مواقع اخرى للعمل، كالمصانع ومحلات السوبرماركت والفنادق والمطاعم وما اليها، كان الحضور السوري فيها قد بقي ضعيفاً حتى 1997". ومن المفيد هنا التساؤل، عن مدى قدرة هذه القطاعات التخديمية، بما تملكه من فرص عمل محدودة، على استيعاب قطاعات من اليد العاملة السورية غير المؤهلة أصلاً.
وإذا عدنا الى ربط الدكتور الهاشم بين ما يسميه كثافة تدفق اليد العاملة السورية مع الهجرة المستمرة في صفوف اللبنانيين، فإن تقديم الامور على هذه الشاكلة لا يستند بتاتاً لأي تحليل علمي، خصوصاً ان دراسة القوى العاملة التي قامت بها ادارة الاحصاء المركزي اللبنانية في العام 1998 تبين ان 27.5 من العاطلين عن العمل لا تنافسهم اليد العاملة الاجنبية، باعتبارهم من الكوادر العليا والمدراء والاخصائيين وأصحاب المهن الوسيطة والموظفين الاداريين، وان حصة العاطلين عن العمل من العمال غير المهرة تبلغ 13.7 في المئة فقط. ويشير محمد زبيب في دراسته المتميزة عن العلاقة بين البطالة والهجرة في لبنان نشرت في جريدة "السفير" 4/12/2000 الى ان "العمالة السورية حلت أساساً محل العمالة الفلسطينية، وبالتالي لم تشكل منافسة جدية على فرص العمل المتاحة للبنانيين، ولا سيما ان هذه العمالة تتسم بتدني المهارات والمستوى التعليمي، ولا تشكل منافسة جدية للعمالة اللبنانية المهاجرة، اذ ان الاخيرة تتميز بالمهارات والتحصيل المهني والاكاديمي العالي، فضلاً عن ان ظاهرة الهجرة من لبنان، هي ظاهرة متجزرة".
نأتي للموضوع الأهم، وهو كيف توصل الباحث الى استنتاج رقم المليون ونصف المليون سوري في لبنان؟ وما هو مقدار صحته؟
يعتمد الدكتور بسام الهاشم في تقديره لعدد العمال السوريين في لبنان على النشرات الشهرية التي يصدرها جهاز الأمن العام اللبناني حول أعداد المواطنين السوريين الداخلين الى لبنان والخارجين منه خلال الشهر، عبر المطار والمرافئ ومختلف بوابات العبور البرية. وتمتد المدة التي يتناولها البحث من العام 1991، تاريخ توقيع معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق بين البلدين، الى العام 1997، تاريخ دمج خانة المواطنين السوريين مع بقية رعايا الدول العربية في سجلات الأمن المركزي في ما يخص اعداد الداخلين والخارجين من لبنان وإليه، ما جعل من الصعب، بعد هذا التاريخ، حساب عدد الرعايا السوريين بمعزل عن بقية الرعايا العرب. لكن هذا، لم يمنع الأستاذ الجامعي من سحب استنتاجاته الى نهاية العام 2000، تاريخ تقديمه لورقة البحث، من دون ان يعطي أياً من الدلائل المقدمة، خصوصاً ان هناك تغيرات كبيرة حدثت في سوق العمل، وفي النمو الاقتصادي في السنوات الثلاث الاخيرة، لم يلتفت اليها الهاشم البتة.
قام الدكتور الهاشم بجمع معطيات ال84 نشرة الصادرة عن الأمن العام في الأعوام 1991 1997، بمعدل 12 نشرة كل سنة، وقام بتبويبها في خانتي الدخول والخروج على أساس سنوي، ثم طرح مجموع الخارجين من مجموع الداخلين في كل سنة، وحصل على ما يسميه الأرصدة الحسابية عدد السوريين الباقية من سنة الى أخرى في المدة، معتبراً ان "كل سنة من السنوات كانت تنتهي لا بعودة جميع السوريين الوافدين في أثنائها الى بلادهم، بل ببقاء قسم منهم عندنا".
اما المجموع العام لعدد السوريين المتبقين في لبنان في نهاية العام 1997 بحسب الدكتور الهاشم، فهو حصيلة جمع أعداد السوريين المتبقين خلال كل الأعوام السابقة الى عددهم في العام 1997. وبذلك يكون عددهم الكلي، او ما يسميه استاذ علم الاجتماع ب"الحجم العددي للكتلة العمالية السورية"، هو مليونان و650 ألف نسمة.
يقرّ الدكتور الهاشم، بضرورة تصحيح هذا الرقم بسبب عدم الدقة في ضبط بوابات الحدود البرية بين البلدين، ما يؤدي الى تمكن بعضهم من التسرب عبرها في الاتجاهين من دون ان يتركوا أي اثر مدوّن. من اجل ذلك يستعين استاذ علم الاجتماع بإحدى طالباته التي تُعِدْ تحت اشرافه اطروحة دكتوراه عن الهجرة الى لبنان، لتنفيذ ما يسميه تحقيقين ميدانيين، شمل الأول عيّنة عشوائية من مأموري الأمن العام، والثاني عينة من العمال السوريين عديد العينة هو 150 شخصاً، ظهر بموجبه، ودائماً بحسب الأستاذ وطالبته، ان عدد المتسربين من وراء ظهر الأمن العام، خروجاً، يساوي 30 في المئة من أعداد الخارجين المحصيين، وعددهم دخولاً يساوي 10 في المئة فقط من أعداد الداخلين. وبتصحيح الأرقام الواردة في الجدول بالاستناد الى هاتين النسبتين، يصبح الرقم في حدود المليون و462 ألف نسمة. ويعمد الدكتور الهاشم الى اضافة حوالى ال340 ألف نسمة الى هذا الرقم اي ما نسبته 23.28 من عيّنة ال150 شخصاً، بعد ضربها بالمجموع الكلي، أي المليون و462 ألفاً، وهؤلاء الأشخاص هم في رأيه، وبالاستناد الى التحقيق الميداني الآنف الذكر، أعداد السوريين الذين دخلوا البلاد خلسة، من طريق الجبال والبراري. ويجمع الدكتور الهاشم الرقمين كمحصلة نهائية لعدد السوريين، فيعادل المجموع تقريباً المليون و800 ألف نسمة 1462591 " 340585 - 1803176. لكنه يعود بعد ذلك ليخفض قليلاً من هذا الرقم، وصولاً الى المليون ونصف المليون، تحسباً كما يقول لما قد يتعرض له من اتهامات بالمبالغة. ونحن هنا لا ندري اي منهج في علم اجتماع، وأي باحث في العالم يرضى ان يعدل ارقامه وإحصائياته لا لشيء سوى التحسب مما يسميه، بلغته القتالية، "القصف بتهمة المبالغة". في النهاية يبقى، كما يقول الدكتور الهاشم، "كتلة بشرية تعد في أضعف الإيمان مليوناً و500 ألف شخص، هي الكتلة العاملة السورية التي تجمعت في بلادنا حتى آخر 1997".
1 إن أول خطأ منهجي يقع فيه الدكتور بسام الهاشم، وعليه تبنى كل نتائجه، هو اعتباره ضمناً ان عدد المرات المسجلة لدخول او خروج السوريين من لبنان في كل سنة، يساوي أعداد الاشخاص السوريين الذين دخلوا او خرجوا من لبنان في الفترة نفسها. ويقوم الباحث، في كل مرة يقدم فيها أرقام او جداول إحصائية عن حركة العبور على الحدود اللبنانية، باستخدام تعبير "اعداد السوريين الذين دخلوا لبنان والذين غادروه"، في حين ان هذه الأرقام تدل اساساً على عدد مرات الدخول والخروج التي يقوم بها السوريون خلال الفترة المدروسة، وليس على عدد الاشخاص الفعليين الذين عبروا. فالمعدل الوسطي للرحلات التي يقوم بها العامل السوري الى بلده، وباعتراف الدكتور الهاشم نفسه، هو على أقل تقدير رحلة واحدة كل شهرين. اي ان العامل السوري يقوم ب6 عمليات دخول الى لبنان وخروج منه في العام تقريباً. اما احصائياً فاللغط، كما يؤكد خبير ديموغرافي آخر هو السيد روجيه صوايا "النهار" 25/1/2001، ينشأ من حساب عمليات العبور الستة هذه، وكأنها لستة أشخاص مختلفين، بينما تحصي جداول الأمن العام على الحدود عمليات الدخول والخروج، وليس عدد الاشخاص.
2 أما الخطأ الثاني الذي يرتكبه الدكتور الهاشم، فهو القيام بجمع ما يسميه الأرصدة الباقية عدد السوريين الباقين في المحصلات النهائية للسنوات السبع بشكل تراكمي، معتبراً ان ما يسميه عملية جمع بسيطة هو: "البداهة ما ينبغي فعله لأن هذه الأرصدة أتت لتنضاف الى بعضها البعض، لا لتحل أواخرها محل أوائلها".
وافتراضه المعدل الوسطي للرحلات التي يقوم بها العامل السوري ذهاباً واياباً بين البلدين هو 67،6 رحلة كل سنة، يوجب عليه الإقرار بأن هؤلاء العمال السوريين هم في حالة حراك جغرافي، أي انهم يعودون الى بلدهم مرة واحدة على الأقل كل شهرين. ولمعرفة عدد العمال الباقين في لبنان في نهاية سنة محددة، يكفي عندها، وفق المنهج المقترح، احصاء عدد الداخلين والخارجين في هذه السنة، وحدها من دون غيرها من السنين. فمهما بلغ عدد العمال السوريين الباقين في لبنان والمتخلفين من بقية السنوات، فهم لا بد وأن يعبروا في معظمهم الحدود من مرة الى ست مرات في السنة المدروسة، ولا بد ان تتضمنهم احصائيات الإمن العام في هذه السنة. وعلى سبيل المثال، الرصيد الحسابي للعام 1997 كافٍ للتوصف الى عدد السوريين المتبقين في لبنان في هذا العام، ومن الاجحاف ومجافاة الحقيقة ان تضاف له أرصدة الأعوام السابقة، لأن ذلك يفترض علمياً ان السوري الذي تخلف عن الخروج من لبنان في العام 1991، لم يبرح هذا البلد من يومها، ولم يقم بأي زيارة لبلده سورية.
3 - الخطأ الثالث الذي يرتكبه أستاذ علم الاجتماع هو اصراره الغريب على اعتبار ارقام وجداول الأمن العام تخص فقط العمال السوريين من دون غيرهم من الرعايا السوريين المتنقلين بين البلدين، من سياح وزوار وطلاب ومقيمين دائمين وغيرهم. ففي نظر الدكتور الهاشم كل سوري يدخل لبنان هو حتماً عامل سوري. وهنا نريد ان نلفت نظره الى ارقام وزارة السياحة اللبنانية التي تقول مثلاً بالنسبة للعام 1996: ان عدد السوريين الذين دخلوا لبنان في هذا العام بهدف الزيارة أو السياحة هو 354 ألف زائر أو سائح "النهار"، روجيه صوايا، المصدر السابق. كما ان الدراسة التي قامت بها وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، أشارت الى وجود ما يقرب من 32 ألفاً من السوريين المقيمين في لبنان عام 1996، والمقيمين في مساكن وداخل أسر، والدكتور الهاشم لا يقوم بأي جهد لمناقشة هذه الأرقام أو دحضها، ويكتفي بتجاهلها.
4 - والخطأ الرابع الذي يرتكبه استاذ علم الاجتماع هو افتراضه ان على السوريين دفع رسوم لدى تجديد بطاقاتهم الحمر - البيض منذ سنة، في حين ان السوري لم يكلف يوماً دفع أي نوع من أنواع الرسوم عند دخوله الأراضي اللبنانية، لا في الوقت الذي كانت فيه البطاقة الحمراء قيد التداول، ولا بعدما استبدلات بالبطاقة البيضاء. بل ان أحد اسباب احتفاظ العامل السوري ببطاقته البيضاء، ومحاولته التحايل وعدم تسليمها الى الأمن العام اللبناني، هو حرصه على مطابقة تاريخها لتاريخ تأشيرة الخروج من الأراضي السورية التي تمنحه اياها سلطات الأمن العام السوري، بعد استيفاء مبلغ 200 ليرة سورية 4 دولارات في كل مرة يغادر فيها الأراضي السورية. والذي يعمد بدوره الى التحايل والاحتفاظ بها وعدم تسليمها للأمن العام السوري عند عودته لبلده كما تقضي بذلك الأنظمة المطبقة. وبذلك يستطيع استخدامها مرة أخرى عند مغادرة الأراضي السورية من دون دفع رسم الخروج. لكن هذا لا يمنعه من اتباع الاجراءات المرعية وختم بطاقة بيضاء ثانية مجانية من الأمن العام اللبناني، عند دخوله مجدداً الأراضي اللبنانية، وان كان سيعمد لاحقاً الى اتلافها مفضلاً الاحتفاظ بالبطاقة البيضاء القديمة المطابقة في تاريخها لتأشيرة الخروج السورية ما سيمكنه من مغادرة الأراضي اللبنانية بشكل نظامي متى شاء، لكن بعد ان يكون ترك خلفه في سجلات الأمن العام اللبنانية بطاقة بيضاء أتلفت، ورقماً اضافياً في احصائيات الدكتور الهاشم، دليلاً على وجود عامل سوري لم يغادر الأراضي اللبنانية، ولن يغادرها رقمياً أبداً، وان كان قد غادرها جسدياً.
5 - نأتي الآن لكيفية حساب عديد السوريين المتسربين دخولاً وخروجاً من بوابات العبور أو من ممرات غير مراقبة في الجبال والبراري. ونسأل كيف يمكن لعينة عشوائية من 150 شخصاً شكلتها طالبة جامعية بمساعدة استاذها الذي يُغفل الجوانب الميدانية لاجراءات العبور، من مثل ان البطاقة الحمراء - البيضاء لا رسوم عليها، كيف يمكن لهذه العينة الميدانية ان تمثل على كتلة بشرية عديدها بحسب تقديرهم مليون ونصف نسمة؟ وهل نحن هنا في مناهج علم الاجتماع او في مجاهل علم الغيب؟
ويقوم الأستاذ الجامعي، مستعيناً بمنهجه الخاص في البحث العلمي، بإجراء سلسلة من المقاربات تقوده الى نتائج، أو بالأحرى، تعيده الى قناعات مسبقة يبدو انها لم تفارق مسار بحثه. يقوم الدكتور الهاشم استناداً الى التحقيق الذي أجراه على عينته الميدانية، ذات ال150 شخصاً الممثلين لمليون ونصف نسمة، بتوزيع السوريين في لبنان بحسب الانتماء الديني ومستوى التعليم والوضع العائلي والاعمار. فيخلص الى ان 87 في المئة من عديدهم مسلمون، و77 في المئة منهم لم يتخط المستوى التكميلي، و49 في المئة عازبون، و87 في المئة مهم أعمارهم بين 18 و34 سنة، و10 في المئة باتوا مقيمين مع عائلاتهم في لبنان.
أما النتيجة المباشرة لهذه الأرقام، بحسب استاذ علم الاجتماع، فهي دخول التركيبة السكانية اللبنانية في سيرورة تحول عميق ومقلق، علامتها الفارقة انها تصب بزخم في اتجاه سورنة لبنان، حاملة الى ذلك في طياتها ملامح تطورين متلازمين هما من جهة أسلمة متعاظمة لديمغرافية البلد على حساب عناصره المسيحية، ومن جهة أخرى ابدال ما فيه من المجموعات اللبنانية المهاجرة العالية التأهيل تربوياً ومهنياً بالمجموعات السورية الوافدة غير الحائزة من نوعي التأهيل هذين الا على المتواضع في المستوى. سورنة لبنان؟ وكيف لا، ما دام بسام الهاشم متسلحاً بعينته الأثيرة، يقول ان 61 في المئة من العمال السوريين يرغبون في الحصول على الجنسية اللبنانية.
ودائماً استناداً الى هذه العينة ونسبة مداخيلها ومدخراتها وتحويلاتها الى سورية، يفترض بسام الهاشم ان جملة مداخيل العمال السوريين في العام هو في حدود 6 بلايين دولار في بلد ناتجه المحلي 17 بليون دولار. ويعتبر ان العمال يحولون الى سورية من أصل ال6 بلايين النصف تقريباً، ويخسر لبنان 3 بلايين من ناتجه المحلي. وينسى الدكتور الهاشم ان يخبرنا، ان هذه التحويلات، بغض النظر عن قيمتها الحقيقية، هي عبارة عن أجور وبدلات مدفوعة في مقابل خدمات يحتاج اليها الاقتصاد اللبناني، وتستفيد منها الشركات والمؤسسات وأصحاب الأعمال محمد زبيب، مصدر سابق.
واذا كانت هذه الأرقام هي وليدة عينة الدكتور الهاشم وأفكاره المسبقة، فإن الاستناد اليها لحساب الوفر السنوي الذي يحققه ارباب العمل اللبنانيون، وهو ما يفعله الهاشم، سيوصل الى ارقام مخيفة تقول ل6 بلايين دولار. وعلى اعتبار ان الحد الأدنى لأجور العمال السوريين في لبنان هو 15 ألف ليرة لبنانية، ولنظرائهم اللبنانيين هو 20 ألف ليرة، فإن الوفر الذي يحققه رب العمل اللبناني هو بمقدار 3 دولار عن العامل الواحد، يضاف اليه توفير 500 ألف ليرة لبنانية سنوياً أو ما يعادل 333 دولاراً نتيجة عدم دفع رسوم تسجيل العمال الأجانب في وزارة العمل اللبنانية مأمون كيوان، جريدة "النهار" 121/3/200. وإذا ضربت هذه المبالغ برقم المليون والنصف الذهبي تكون النتيجة ما يقارب ال6 بلايين دولار يوفرها أرباب العمل على حساب خزينة الدولة اللبنانية، وعلى حساب العمال اللبنانيين والسوريين مجتمعين. فكيف يمكن ان نستغرب بعدها، وبغض النظر عن مدى صحة هذه الأرقام، تصريحات وزير المال السنيورة التي قال فيها "ان فرض اجازة العمل على هؤلاء العمال تفاقهم أعباء أرباب العمل وتطلع صرختهم، لذلك فإن هذا الاجراء يبدو مستبعداً؟ "جريدة "المستقبل"، مصدر سابق.
وإذا كان التبادل المالي بين البلدين أثيراً لدى استاذ علم الاجتماع، فإننا نسأل الدكتور الهاشم: وماذا عن رؤوس الأموال السورية القابعة في المصارف اللبنانية منذ الغاء النظام المصرفي الحر في سورية في العام 1963، ألا تشكل هذه الأموال دعماً للاقتصاد اللبناني؟
واذا كان الاقتصادي السوري مأمون كيوان يقدر أموال السوريين من حجم الموجدات في المصارف اللبنانية بحدود 30 الى 40 في المئة جريدة "النهار"، مصدر سابق، فإننا نكتفي بما صرح به لجريدة "نيويورك تايمز" اقتصادي لبناني هو مروان اسكندر، اذ قدر ان 25 في المئة من الودائع في المصارف اللبنانية التي تصل الى 36 بليون دولار خاصة بالسوريين جريدة "الشرق الأوسط" 18/3/2001.
إذا كان صحيحاً ان نشرات الأمن العام اللبناني لحركة الدخول والخروج، تشكل المرجع الأول والأخير، لكل الأرقام والدراسات التي تقول بالمليون ونصف من العمال السوريين في لبنان، فكل ما نأمله بعد هذا العرض الطويل هو ان يبحث اصحاب هذه الدعوات عن مصادر اخرى لصناعة ارقامهم هذه، وان يعمل الكل على الدعوة الى تنظيم سوق العمل اللبنانية وحماية اليد العاملة اللبنانية من المنافسة غير النظامية، وحماية اليد العاملة الأجنبية من الاستغلال المنظم واعطائها كامل الحقوق والواجبات المنصوص عليها في تشريعات وأنظمة العمل الدولية والحد من تهرب أرباب العمل من الضرائب واستغلالهم لليد العاملة اللبنانية والأجنبية على السواء.
لكن ما دام الوجود العسكري والأمني السوري في لبنان مستمراً، ومعه الاستقطاب الحاد والصراع السياسي المحتدم بين مختلف القوى والتيارات الحزبية والطائفية المؤيدة أو المناهضة لسورية، فالأمل ضعيف في ان ينأى ملف العمال السوريين في لبنان عن هذه الصراعات واستخداماتها السياسية. وسيظل هؤلاء كبش الفداء في معركة لا يشكلون طرفاً فيها، ولكنهم أولى ضحاياها البريئة.
* كاتب سوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.