عبدالله اوجلان. دفاعي، منعطف على مسار الحل الديموقراطي. لا دار نشر. 2000. 184 صفحة. اثارت عملية اعتقال زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله اوجلان في كينيا في شباط فبراير 1999، جملة من الاسئلة حول مصير المشكلة الكردية في تركيا وآفاق حلها، ومصير حزب العمال الكردستاني في غياب مؤسسه وقائده الاوحد بلا منازع. وبدا واضحاً ان اعتقال اوجلان سيترك اثراً كبيراً على بنية حزب العمال الكردستاني نفسه وعلاقاته سواء مع الفصائل الكردية او مع الدول الاقليمية التي ساندت كفاح الحزب ونضاله. وساد اعتقاد في اوساط الحركة الكردية والمتابعين للشأن الكردي بأن حزب العمال اذا لم يتكيف مع المعطيات الجديدة اعتقال زعيمه، وتخلي بعض الدول عنه مثل سورية واليونان، فإنه سيتعرض لهزيمة قاسية على الصعيد العسكري وللعديد من الانشقاقات كما سيتأدى عن ذلك تفككه وانحلاله، وهذا متى علمنا ان اوجلان المعروف ب"آبو" قاد الحزب لأكثر من عشرين عاماً بقبضة من حديد وكان المنظّر والقائد له. لكن ما لم يكن متوقعاً هو ان يتغير اوجلان نفسه الذي كان معجباً بالنموذج الستاليني في قيادة الحزب وبشخصية ستالين نفسه وفي نقاط مثل تصفية الخصوم. ويبدو ان "آبو" في السنوات الاخيرة، وحتى قبل اعتقاله، كان قد شرع يتغير بالفعل اذ كرر في اكثر من مناسبة انه يطالب بحل ديموقراطي للمشكلة الكردية في اطار وحدة الاراضي التركية، متنازلاً عن الشعار الذي ميز حزب العمال الكردستاني عن كل الاحزاب الكردية الكبيرة والصغيرة: "تحرير وتوحيد كردستان". لقد ترقب الجميع اجواء محاكمة الزعيم الكردي و"المتمرد الكبير" الذي كان لحزبه الدور الاكبر في حدوث انقلاب ايلول سبتمبر 1980 في تركيا وأوصل الاقتصاد التركي الى حافة الانهيار كما اسقط عدداً من الحكومات المتعاقبة موصلاً سمعة الجيش التركي، وهو رابع اكبر جيش في العالم، الى الحضيض نتيجة للخسائر التي تكبدها في جنوب شرق تركيا على ايدي مقاتلي اوجلان. وبفعل الاجراءات الامنية المشددة في محكمة امن الدولة الخاصة التي اقيمت في معتقل امرالي لم تتح الفرصة الا لعدد قليل من الصحافيين الاتراك لحضور محاكمة اوجلان فيما اقتصرت التغطية التلفزيونية على التلفزيون الرسمي التركي ولم تسمح الجهات الامنية الا بتسريب ما يخدم اهدافها فقط من مرافعته التي بدت ضعيفة في بدايتها. لكنه استطاع بحنكة ومهارة ان يشد القضاة والحاضرين الى جوهر المشكلة الكردية في تركيا ويوضح الطريق ايضاً لحلها واستعداده للمشاركة مع انصاره ومقاتليه في الحل الديموقراطي. في "دفاعي، منعطف على مسار الحل الديموقراطي" نرى ان اوجلان قد تبدل تماماً. فهو لا يطالب سوى بترتيب العلاقة بين الاتراك والاكراد ضمن دولة ديموقراطية، تلك العلاقات التي تحولت الى مجموعة عقد على مر عشرات السنين واصبحت تحتوي على تناقضات هائلة. لذلك باتت اعادة النظر في طبيعة تلك العلاقات على اساس الحرية والمساواة مع تقبل الجمهورية والوطن المشترك من دون نقاش، اموراً لا بد منها. فالنظام الراهن للعلاقات يتسبب في خسائر كبيرة للطرفين، بحسب اوجلان الذي يرى ان الانفصال غير ممكن ولا حاجة له. فمصلحة الاكراد تكمن في الوحدة الديموقراطية الاختيارية والحرة مع تركيا، فاذا ما تم تطبيق الحل الديموقراطي السليم فإنه سيشكل نموذجاً انجح من الحكم الذاتي وحتى الفيدرالية واكثر واقعية منهما. فخصوصية العلاقات التركية الكردية، بحسب مفهوم اوجلان، وواقعها والوضع السياسي والعسكري تفرض على الطرفين الكردي والتركي حلاً وحيداً هو الحل الديموقراطي الذي يبدو العلاج للقضية الاساسية في تركيا، المشكلة الكردية. لكن هل لموقف اوجلان الجديد علاقة باعتقاله، او بالاحرى هل اتى هذا الموقف لانقاذ رقبته من حبل المشنقة كما قد يتصور البعض؟ يؤكد اوجلان ان من يعتقد ذلك شخص لا يرى ابعد من انفه لأنه اعلن، قبل اعتقاله، وقفاً لاطلاق النار من جانب واحد بناء على نداء من رئيس الحكومة التركي الراحل تورغوت اوزال، واكّد: "نحن لا نطالب بالانفصال الفوري عن تركيا، ونحن واقعيون في هذا الشأن ويجب عدم فهم موقفنا على انه تكتيكي، فهناك اسباب كثيرة لهذا الموقف. التاريخ المشترك للشعبين والاوضاع السياسية والاقتصادية. الذين يعرفون حقيقة هذه الاوضاع يعرفون ان الانفصال غير ممكن"، واصفاً العلاقة بانها "كالتحام اللحم بالظفر". ويوضح اوجلان ان اعادة النظر في المبادئ والبرنامج وطراز الممارسة، امر ضروري وعدم القيام بذلك يحمّل اصحابه مسؤولية كبيرة امام التاريخ ولينتقد من ينتقد فالامر المهم هو القيام بما تتطلبه المرحلة التاريخية والتجاوب مع تلك المرحلة. ويتابع اوجلان ان افكاره الجديدة تسري على تركيا وعلى حزب العمال وبرنامجه وتنظيمه وبنيته ونشاطاته لأنه يرى ان الاحزاب ليست سوى وسائل، واذا لم تستطع التكيف مع متطلبات كل مرحلة فإنها لن تستطيع انقاذ نفسها بالانسداد والتحول الى عنصر عرقلة ثم الى... مصدر الهزيمة. ويطالب اوجلان وبالحاح بتعديل برنامج حزب العمال الذي وضع في السبعينات، لأن البنية السياسية تغيرت في التسعينات، وتم تجاوز ذلك البرنامج على الصعيد العالمي وعلى صعيد تركيا وكردستان. وهو يلح على الغاء العنف تماماً من البرنامج الجديد للحزب لأن "الدفاع عن الحقوق الاسياسية للانسان وعن الهوية والثقافة يرفض مفاهيم العنف". ويختتم اوجلان مرافعاته بالتركيز على ان الشعب الكردي من اكثر شعوب الشرق الاوسط تعطشاً للديموقراطية بسبب ما ذاقه من معاناة وحرمان وظلم على مر السنين. وان الاكراد مستعدون لمصافحة الايدي الممدودة من قبل تركيا والتي بدورها تحتاج اليهم والى دعمهم ومساندتهم كما احتاجت اليهم في الماضي وذلك من اجل تمتين الديموقراطية والسلام والاخوة. ان اطروحات اوجلان الجديدة واقعية جداً وبسيطة وتعطي تركيا فرصة حقيقية لايجاد مكان مهم لنفسها ضمن خارطة اوروبا وتجاوز كل مشاكلها بما فيها المشكلة الكردية. واذا فوتت تركيا هذه الفرصة التاريخية فإن الجولة الجديدة من الصراع مع الاكراد ستكون مدمرة للجميع.