لا يختلف الكاتب السينمائي وحيد حامد في أحاديثه الصحافية كثيراً، عنه في كتاباته السينمائية أو مقالاته في الصحف والمجلات. فهو دائماً استفزازي مختلف ومتميز وجريء بالمقارنة مع كثيرين من السينمائيين. ولهذا ليس عجيباً ان يوصف بأنه كاتب جريء وبأنه صاحب القضايا الساخنة والشائكة. وكان جمهوره خلال الشهرين الماضيين على موعد مع أعمال عدة له، فعرض له التلفزيون مسلسل "أوان الورد" من بطولة يسرا. وفي السينما كان "سوق المتعة". وكلاهما أثار جدلاً واسعاً. كتب وحيد حامد خلال مشواره عشرات من الأفلام المهمة، منها: "الغول" و"التخشيبة" و"الهلفوت" و"ملف في الآداب" و"الراقصة والسياسي" و"اللعب مع الكبار" و"الإرهاب والكباب" و"البريء" و"المنسي" و"طيور الظلام" و"اضحك الصورة تطلع حلوة". ومن أعماله التلفزيونية "العائلة والبشاير". "الحياة" التقت وحيد حامد في مكانه المفضل في فندق "ميريديان" حيث تحدث عن كثير من القضايا السينمائية، وعن أسباب جرأته، وكيف يرى صورة سينما الشباب. توقفت خلال العامين الأخيرين أمام جملة يرددها عدد من الممثلين الجدد. فهم يقولون اننا نقدم سينما نظيفة، ويرى كثيرون انه رأي أصولي لا سينمائي. هل تتفق مع هذا الرأي؟ - يجب ان ندرك ان التوجه الأصولي أصبح حاضراً في كل شيء وينتشر ويتسع تحت مسمى "السينما النظيفة" وغيره. أنا أسأل ما هي مواصفات السينما النظيفة التي يتحدثون عنها. أريد ان يقول لي واحد من هؤلاء ما هي السينما النظيفة؟ أحياناً يقولون هي السينما التي تخلو من القبلات والمشاهد الساخنة؟ - هل النظافة في عدم وجود القبلات مثلاً؟ هذا ليس رأيي وانما جملة سمعتها من احدى الممثلات الجديدات وأيضاً من الكوميديين الجدد. - الكوميديون الجدد، أمرهم غريب جداً، فأنا لست سعيداً بالسينما التي يقدمونها، وانا اسميها سينما "الآيس كريم". إذاً، نطلق عليها لقب سينما "الآيس كريم"، بدلاً من سينما الكوميديين الجدد؟ - نعم هي سينما الآيس كريم. فهي مثل طبق الآيس كريم، تتلقاه في شكل جميل ومبهج فيه فراولة ومانغو وشوكولاته. ولكن اتركه أمامك خمس دقائق يسيل ولا يبقى منه سوى شيء لا تستطيع ان تنظر اليه. إذاً هي سينما لن تعمّر؟ - لا. لا. فهم سرقتهم السكّينة أولاً، ويحاولون ان يطلقوا شعارات اخلاقية على أعمالهم، هل تتذكر "البقالين" الذين اطلقوا على محلات البقالة "سوبر ماركت اسلامكو" أو ما شابه ذلك؟ ثمة ممثلون يريدون ان يطلقوا على أنفسهم أوصافاً أخلاقية على أساس ان "ده" سيحقق لهم رواجاً. يا عزيزي، السينما النظيفة هي السينما التي تقول شيئاً مفيداً للناس. فما الفائدة من ان تقدم عملاً "هايف" وليس فيه قبلات، من يقول انه نظيف؟ التفاهة أيضاً قذارة. إذاً ابتعد عن التفاهة أولاً تصنع فيلماً نظيفاً، وأنت ستمنع قبلة "ازاي"؟ انك تصور مشهد فرح "فلازم" العريس يقبّل عروسه، وما يحدث متاجرة بالأخلاق، ومزايدة. ولا يصح أبداً ان يأتي فنان ويقول ان افلامه صنعت للأسرة كلها... هذا كلا مواعظ. السينما لها أنياب وتقترب من المشكلات الاجتماعية والانسانية والسياسية. انياب السينما انت كيف نجحت في تقديم سينما لها أنياب؟ - هناك شيء نحتاج اليه كلنا، ولا يمكن ان نتخلى عنه، هو اننا لا نستطيع الحياة من دون كوب الماء. لكن الفن شيئاً آخر. هناك من يريد تحويله كوب ماء، لا طعم له ولا لون ولا رائحة. واذا تحول كوب ماء فهذا لا يعدّ فناً. هل هو منهج لديك، ان السينما التي تقدمها لا بد من ان تكون لها أنياب؟ - لا بد للسينما من ان يكون لها أنياب، والمقال الصحافي له أنياب والرواية كذلك. السينما لا بد من ان تقول شيئاً مفيداً، ولا يكفي ان تصنع أفلام اضحاك فقط. الملاحظ ان هذه الأفلام مجرد تجميع للنكات. وهناك نكات تحولت أفلاماً. لذا يجب على اصحابها الا يتحولوا اصحاب فضيلة. ليس من حق أصحاب الأفكار "الهايفة" ان يدعوا انهم من دعاة الفضيلة. هذا كلام في العموم، أسألك من الذي يعجبك أكثر من الشباب الجدد؟ ومن الأطول عمراً؟ - مسألة الأطول عمراً يحددها الممثل نفسه، وتقتضي ان يكون مجدداً ويحترم عقول الناس ويكون حريصاً على ان يكون مجتهداً. انما إذا تمسك الفنان، أساساً، بنمط معين وجامد فسينتهي كفنان. هناك، مثلاً، مشكلة خطيرة وهي ان المضحكين الجدد ارتضوا لأنفسهم هذا اللقب. وأنا كنت أفضل ان يرفضوه ويكونوا مثلاً "الممثلين الجدد" لأن هناك فرقاً بين "المضحكاتي" والممثل. أريدك ممثلاً لا مضحكاتياً. لأن المضحكاتي اراجوز... مع احترامي لكل اراجوز حقيقي. هل هم هكذا؟ - هم ممثلون أخطأوا الطريق. وفيهم من لا يصلح ان يكون كوميدياً "وجت معاه كده". كم واحد من المضحكين الجدد حقيقي؟ - محمد هنيدي وعلاء ولي الدين وأحمد آدم. فطرة الناس عزت نجاح علاء الى وجود المخرج شريف عرفة؟ - علاء ولي الدين كوميدي بالفطرة، ومن حسن حظه انه وجد مخرجاً لديه هذه الإمكانات، من الأول في "الإرهاب والكباب"، وقبله في "كشف المستور"، وهنيدي أيضاً كوميدي بالفطرة. على رغم كلامك الجميل عن هنيدي وولي الدين وآدم، لم تقدم اليهم أفلاماً حتى الآن؟ - شغلي لا يعجبهم، ولا يتماشى معهم. انت تعرف انهم اشتغلوا بعقيدة الضحك وهدفهم الإضحاك ثم الإضحاك ومقياس النجاح عندهم ان الناس يضحكون، على رغم ان هناك حبوباً للضحك أيضاً. واعتقد انني لا أتوافق مع هذه المسألة ... أريد ان اقول ان الكوميدي الوحيد الذي استطاع ان يفهمني وتجاوب معي هو عادل امام. فهو، طول عمره، يحرص على تقديم مواضيع تهم المجتمع. وهذه هي السينما النظيفة. هل هذا هو الفرق بين عادل إمام وبينهم؟ - عادل امام كان يقيم معادلة، فحين كان يقدم أفلامي، وهي ليست كوميديا صارخة، كان يعمل أفلاماً كوميدية، لأن الجمهور يحتاج الى ذلك. لماذا أصبح هاجس الجمهور مرعباً لدى الفنانين؟ - نجاح أفلام الضحك للضحك، لأننا في مرحلة سيئة. هل أستطيع ان اضيف كلمة سيئة في كل شيء؟ - طبعاً، عموماً هناك كساد ومشكلات وبطالة وهموم اجتماعية. فالذهاب الى السينما لم يعد هدفه التفكير أو التأمل، انما يذهب المشاهد من أجل الترويح عن النفس والضحك ولكي يبعد عنه همومه الخاصة والعامة. الحال السينمائية الآن تعلن وجود أزمة سيناريوات؟ - لا، "الورق" موجود. وأنا اعلم ان هناك كتاب سيناريو عندهم مواضيع جادة وكثيرة. لكن المنتج السينمائي يبحث اليوم عن السلعة الرائجة وما يعنيه هو فقط من سيحقق ايرادات أكثر. و"مفيش مانع يروح" حتى لشعبان عبدالرحيم. ما رأيك في ظاهرة شعبان عبدالرحيم؟ - مع احترامي الشديد له فهو مطرب جيد جداً ومتميز في الأفراح. ودخل السينما أيضاً؟ - دخل السينما مع مخرج كبير لا يستهان به وهو داود عبدالسيد. والمسألة "دي لازم" ننتظر نتائجها، لسبب بسيط وهو اننا يجب الا نحكم على داود عبدالسيد في ما يراه، بل لنحاسبه على هذه الفعلة. فإما ان نصفق له واما ان نقول له: اخطأت يا صديقي. هل تكتب عن قصد، أعمالاً مثيرة للجدل دائماً، وآخرها "أوان الورد"؟ - انا لم أقصد ان تكون مثيرة للجدل. المسألة في طريقة اختيار الموضوع الذي ستطرحه. أنا دائماً أبحث عن الموضوع الأكثر سخونة، لا لمجرد "عمل فرقعة"، بل لأنني أشعر ان هناك قضية لا يريد أحد الاقتراب منها، فأتصدى لها، أنا أبحث عن موضوع جديد ومهم ومشكلة حقيقية. لمناسبة ما أثاره "أوان الورد"، اسمح لي أن أسألك صراحة من الذي يساندك؟ - يضحك. ما أكتبه هو الذي يساندني. وأنا اكتشفت شيئاً مهماً، فمن كثرة ما عانينا من الرقابة تولد رقيب صغير داخل كل مؤلف، أو كل مشاهد. وكل الذي حصل هو اني توقفت عن الخوف وقتلت الرقيب "اللي جوايا"، وتخلصت منه تماماً من زمان، وقررت ان اتفرغ لقتال الرقيب الخارجي لأن من السهل ان تنتصر عليه بالمنطق. أما الرقيب الداخلي فهو يصادرك من لحظة التفكير في اختيار الموضوع ويقول لك "بلاش الموضوع ده" لأنه يسبب لك مشكلات، فتبدأ المصادرة مبكرة. وإذا تجاوزت وقلت: اكتب في الفكرة، يطاردك حتى تكتبها في شكل مخفف. وبالنسبة الى "أوان الورد" تعلم ويعلم كل الناس، ان الحديث في مشكلات المسلمين والمسيحيين كان أساساً من المحظورات. وعندما سألت وزير الإعلام صفوت الشريف هل هذا ممنوع؟ أجاب: من الذي منعه؟ ما دمت تكتب شيئاً ليس فيه ما يسيء الى أحد... ما المانع؟ ألهذا يطلق عليك لقب صاحب المعارك؟ - هذا قدري. 60 في المئة من أعمالي تقريباً أحدثت جدلاً ونقاشاً. أما ال40 في المئة الأخرى من المشكلات فأتت من الخارج. ثمة من اتهمني بسرقة عمله، وآخر بأنني عميل للحكومة، وعلى رغم ذلك لم أتوقف لأن ليس من اتهام حقيقي في ما وُجه اليّ. ذكرت ان البعض يتهمك بأنك كاتب سلطة؟ - طبعاً انا كاتب سلطة، بدليل فيلم "سوق المتعة" الذي يناقش الحرية "واللعب مع الكبار" و"الارهاب والكباب" و"طيور الظلام"، الذي يناقش الفساد الحكومي يضحك. وهل من العيب ان تكون أو أكون كاتباً ومعبراً عن الحكومة والسلطة؟ - عندما تقوم الحكومة بعمل جيد لمصلحة الناس لا بد من أن تشكرها، وعندما تقوم بعمل ضد الناس، "لازم" تقول لها: لا. لذلك أنا لا أنتمي الى أي حزب، لأنني من حزب الناس، ولو راجعت مقالاتي في "روز اليوسف" لوجدت انها ضد الفساد والإهمال الحكوميين، سواء كان القائمون بهما اشخاصاً أو هيئات. وانا لي الشرف ان أكثر من مقالة لي كانت سبباً مباشراً في جعل قيادات كثيرة تصدر تعليمات لمصلحة الجماهير. عرض لك أخيراً فيلم "سوق المتعة". لماذا ذهبت فيه الى استخدام الكتابة الرمزية؟ - احداث الشريط تدور، في اطار فلسفي، على قضية الحرية. وهي قضية يستعصي فهمها احياناً على بعض المثقفين، فما بالك بالمشاهد العادي. في الفيلم طبعاً رمز، وكل لبيب من الاشارة يفهم. والحمد لله حقق نجاحاً كبيراً إذ بلغت ايراداته نحو أربعة ملايين جنيه وعلى رغم ذلك أرى ان هذا ليس أوان عرضه وليس زمانه أيضاً. حقق ابنك مروان رد فعل واسعاً كمخرج في أول أفلامه "لي... لي". متى تكتب له؟ - أنا قرأت له حديثاً صحافياً سألوه فيه هل يعمل معي؟ أجاب انه يستحي ان يطلب مني تعديلاً. وأنا سعيد انه مختلف عني، فهو ليس صورة عني. وانا حريص، كل الحرص، على ان يخوض تجربته السينمائية من أول السلم. فهو بدأ "كلاكيت"، يضرب الخشبة. وتراه يعمل مع أكثر من مخرج لكي يستفيد، ويتلقى التدريب الكافي. عليه ان يشق طريقه بنفسه. ماذا عن شعور الأب عقب الفيلم؟ - كنت سعيداً... وذرفت دمعة. هل كنت تتمنى ان تكون صاحب الفيلم الأول له؟ - لا... لأني كنت سأسرق نجاحه، وكانوا سيقولون ان سبب نجاحه والده. انا لم أقرأ السيناريو، وهو شخصية واعية يعتمد عليها، وبالتالي يستطيع ان يشق طريقه في الحياة. وأخيراً ماذا عن زوجتك زينب سويدان؟ - زوجتي وقفت الى جانبي في شكل غير عادل ويكفي انها تحملت الضغط العصبي والمعارك الكثيرة التي واجهتها. تقرأ في المناسبة كل أعمالي قبل التصوير. وهي ناقدة عنيفة قوية ولها في نجاحي فضل كبير، لأنها وفرت المناخ الملائم لي. وأخيراً اسمح لي بطرح سؤال يحيرني: لماذا تكتب؟ - لماذا أكتب؟ يصمت قليلاً أكتب لأنني مهموم... والكتابة هي المتنفس الوحيد لي لأخرج من هذه الهموم. وأرى في خروجي منها خروج ناس آخرين.