البرنامج استقطب الملايين، وكان ظاهرة غيّرت مفهوم عمل الفضائيات العربية، بعد موجة المنافسة الباردة التي ضربتها. "من سيربح المليون" تحول منذ اليوم الأول لانطلاقه مطلع رمضان الماضي، دجاجة تبيض ذهباً... وبالملايين. ومقدم البرنامج، صحافي مخضرم لم تحقق له سنوات عمله الطويلة الماضية ما نال من شهرة جعلته نجماً تلفزيونياً تطارده المعجبات، وكذلك العروض السرية للعمل في قنوات منافسة. الذهب والنجومية هما كلمة السر في حياة التلفزيونات. والنجاح عدوى تحمل على التقليد وستفرّخ حتماً للفضائيات دجاجاً يبيض ذهباً، وللمشاهدين برامج أخرى مشابهة تحمل حلم الربح الكبير. بيروت تشهد انطلاق هذه العدوى مع بدء العد العكسي لاطلاق برنامج جديد اسمه "طمع". وباشر أمس فريق عمل من شركة "بيرسون تليفيجن" البريطانية درس الخطوات التي قطعتها قناة الارسال اللبنانية "أل بي سي" لاطلاق برنامجها الجديد المنافس لبرنامج "من سيربح المليون" الذي تبثه "ام بي سي". شركة "بيرسون تليفيجن" لديها أكثر من 160 برنامجاً تنتجها وتبيعها إلى 35 بلداً حول العالم. وهي الذراع المنتجة لمجموعة "آر تي أل" التي تعتبر أكبر شركة تلفزيون وإذاعة في أوروبا. كما أنها تملك حصصاً في 22 محطة تلفزيونية و18 محطة إذاعية في أوروبا. وتنتج الكثير من برامج الترفيه والألعاب والفوازير. آخر العنقود لديها كان برنامج الطمع أو الجشع كلمة انكليزية تعني Greed الذي بيع إلى 13 بلداً في الشهور السبعة الأخيرة. قناة "آي تي في" البريطانية هي آخر المشترين عندما أعلنت قبل أسبوع تسديدها 4،3 مليون دولار ثمناً لحقوق البرنامج لمدة سنة. "طمع" يستند الى اختبار المعلومات العامة للمتسابقين. وحقق لدى عرضه للمرة الأولى في اسبانيا نجاحاً مذهلاً وتفوق على أكثر البرامج الترفيهية نجاحاً لدى قناة "تي بي إيه" التي عرضته ورفع نسبة مشاهديها. وعندما بدأ بثه في البرتغال احتل أيضاً المرتبة الأولى، وصار أكثر البرامج شعبية في البلاد. واشترت قناة "أل بي سي" حقوق البرنامج للعالم العربي ضمن عقد سنوي قابل للتجديد، تنوي بثه في قناتيها الأرضية والفضائية. فكرة البرنامج "تذهب أبعد من مفهوم البرامج التقليدية. فهناك ستة متسابقين يشاركون في لعبة الأسئلة والأحجية. اللعبة هرمية تبدأ بمبلغ ما وتنتهي بأكبر منه. وتتراجع أعداد المتسابقين أثناء لعبة السؤال والجواب إلى أن يصلوا الى اثنين. والطمع الذي تقوم حوله فكرة البرنامج، يعني أن بامكان المتسابق ليس أن يكسب ما يحق له ربحه بنفسه فحسب، بل يحق له أيضاً ربح أموال المتسابقين الآخرين". سيتم التصوير في الاستديو الذي يصوّر فيه برنامج "يا ليل يا عين" في منطقة سن الفيل. أما مقدم البرنامج فهو واحد من أربعة مرشحين، بعدما استُبعد الوجه النسائي على غرار كل البلدان التي يبث فيها البرنامج، باستثناء ألمانيا. وسيتولى الاخراج سيمون أسمر، علماً أن العقد لا يتيح للمخرج الكثير من التدخل. أما مدة كل حلقة فهي 45 دقيقة، على أن يبث مرة في الأسبوع. وسيتحدد الموعد بالاتفاق مع الوفد الزائر الذي يرافقه أيضاً مندوبون من شركة التأمين التي ستتعاقد معها "أل بي سي" حول قيمة الجائزة الأولى، سعياً الى خفض نسبة المخاطر. وستحدد بموجب العقد عملة جائزة المليون، سواء كانت بالليرة اللبنانية أو الدولار أو الجنيه الاسترليني أو الريال السعودي. سيثير البرنامج الجديد حماسة الجمهور، وسيكون أيضاً مدخلاً ل"أل بي سي" لرد الاعتبار بعدما أدى "تزامن" عرض برنامج "من سيربح المليون" مع وقت عرض "يا ليل يا عين"، وهو أنجح برامج المحطة اللبنانية التي تراجع عدد مشاهديها. وفي مواجهة استعدادات "أل بي سي" يستعد برنامج "من سيربح المليون" للانتقال الى بلد أوروبي آخر غير بريطانيا، تمهيداً ربما لانتقاله الى لبنان. والسبب أنه بدأت منذ أول من أمس أشغال تجديد الاستوديو الذي يصور فيه عادة في ضاحية لندن، وتعود ملكيته الى شركة "سيلادور". وكانت "أم بي سي" التي واجهت صعوبات في الحصول على تأشيرات دخول للمتسابقين إلى بريطانيا، والتي أُبلغت سلفاً منذ رمضان الماضي بموعد أشغال الاستوديو سعت منذ خمسة شهور إلى البحث عن استوديوهات أرخص للتصوير، في بلدان يسهل الدخول اليها. وتقدر بمئة ألف جنيه كلفة تصوير كل حلقة من الحلقات الأربعين المتفق عليها للبرنامج، والتي انتهى تصويرها على أن تبث أسبوعياً حتى نهاية حزيران يونيو المقبل. وفي هذا الاطار جرت مفاوضات بين "أم بي سي" و"الشركة العربية للانتاج" في دبي لنقل التصوير إلى استوديوهات عجمان، انتهت بالاتفاق على مبلغ 25 ألف دولار للحلقة الواحدة. واستخدم هذا العرض المكتوب في اقناع قنوات تلفزيونية لبنانية بتقديم عرض مماثل بعدما مالت المحطة إلى تصوير البرنامج في لبنان بدلاً من دبي، ومن هذه القنوات "أم تي في". لكن المفاوضات مع هذه لم تنجح. وفي نهاية شباط فبراير الماضي وصل الى لندن كل من رئيس تلفزيون "المستقبل" نديم المنلا ومدير التلفزيون علي جابر في زيارة "سرية" للتفاوض مع "أم بي سي" على صيغة تعاون. ودار الحوار على أساس أن تبني "المستقبل" استوديوهات تستخدم مجاناً في تصوير البرنامج لبثه في الارسال الفضائي ل"أم بي سي"، وفي المقابل تبث هذه القناة اللبنانية البرنامج في نسخة أرضية يقدمها جورج قرداحي بنفسه، باعتبار أنه سيكون صعباً اعتماد مقدّم آخر مكانه. وإلى الآن لم يتفق على صيغة نهائية. وإذا أخفقت الصفقة المعروضة فإن البرنامج لن يذهب الى بيروت بل سيبقى في أوروبا. وضمنت "أم بي سي" عوائد من المعلنين والرعاة الرئيسيين بقيمة عشرة ملايين دولار للحلقات الأربعين. كما أنها تحقق دخلاً مقداره دولار عن كل اتصال يجريه مشاهد. وهذه الاتصالات تتجاوز المئة ألف في أيام بث الحلقات أو بعدها مباشرة، وتهبط الى متوسط لا يقل عن 20 ألفاً في الأيام الأخرى. وليس معروفاً كيف سيؤدي احتدام المنافسة الى تغير شكل برنامج "من سيربح المليون" أو برناج "طمع" الجديد. لكن الأكيد أن سخونة الحرب بين الفضائيات وانفاقها مبالغ كبيرة سيدفعانها إلى تقديم مزيد من التنازلات والجوائز للمشاهدين، لضمان احتفاظها بمعدل عالٍ من الجمهور.