اخفقت الحكومة الصربية في اعتقال الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوشيفيتش، بسبب اعاقة وحدة الجيش التي تحرسه للعملية. وفيما يسود بلغراد الاضطراب، احاط المئات من انصار الرئيس السابق بمنزله لحمايته. اعترف وزير الداخلية الصربي دوشان ميخائيلوفيتش ان وحدة للشرطة الخاصة التي كان على وجوه افرادها اقنعة، فشلت صباح أمس الباكر في تنفيذ امر اعتقال الرئيس السابق سلوبودان ميلوشيفيتش، لأن "الجيش أصغى الى أوامر أشخاص غير مؤهلين يعملون لحساب ميلوشيفيتش، ومجهزين بمختلف أنواع الأسلحة". وأعلن الوزير، خلال مؤتمر صحافي عقده في بلغراد أمس، ان ميلوشيفيتش رفض "الامتثال" الى طلب الشرطة، مؤكداً انه "لن يستسلم حياً". ووصف أمر اعتقاله بأنه "ليس صربياً وانما صادر عن حلف شمال الأطلسي ولا يعترف به" على رغم ان ملاحقته تتعلق بتهم "سوء استخدام السلطة وتهريب أموال الدولة الى الخارج والتورط في اغتيالات سياسية وخرق القانون الجزائي"، خلال مدة حكمه التي استمرت أكثر من عشر سنوات. وقال الوزير الصربي: "سنقوم بعملنا، وسيمثل ميلوشيفيتش بنفسه امام القضاء للتحقيق معه، أو سنعمد الى توقيفه، سواء كان ذلك بالقوة أو بالطرق السلمية". وأوضح ميخائيلوفيتش ان وزارة الداخلية "لن توقف" الرئيس اليوغوسلافي السابق بهدف "تسليمه" الى محكمة الجزاء الدولية في لاهاي التي اتهمته بارتكاب جرائم حرب. وفي الاطار نفسه أكد رئيس الحكومة الصربية زوران جينجيتش ان وزيري العدل فلادان باتيتش والداخلية ميخائيلوفيتش عملا بموجب القوانين الصربية "من دون ضغوط خارجية". وأعلن جينجيتش الذي بدا عليه الارتباك أثناء حديثه الى الصحافيين، الى حد تشتت الأفكار والخلط بين الاسماء ان ميلوشيفيتش "سيستجوب خلال ساعات". وأعرب عن عدم ارتياحه الى موقف رئيس اركان الجيش اليوغوسلافي الجنرال نيبويشا بافكوفيتش "الذي يعارض اعتقال ميلوشيفيتش". وكان بافكوفيتش منع اعتقال ميلوشيفيتش، واعتبر المراقبون انه "لم يتخذ هذا القرار بمفرده". ومعلوم ان القائد الأعلى للقوات المسلحة اليوغوسلافية هو الرئيس فويسلاف كوشتونيتسا وان نائب رئيس الحكومة الصربية لشؤون الثقافة جاركو كوراتش وهو رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي الاجتماعي المناوئ لميلوشيفيتش هو الذي أعلن الليل قبل الماضي، ان "السلطات اعتقلت ميلوشيفيتش ونقلته الى محكمة بلغراد". واتضح لاحقاً ان ذلك لم يحدث. وتجمع في هذا الوقت المئات من انصار ميلوشيفيتش امام منزله واحاطو به لمنع اعتقاله. وكان قرار اعتقال ميلوشيفيتش الصادر عن الحكومة الصربية أُوكل الى وحدة شرطة خاصة، تصدى لها حرس ميلوشيفيتش المكون من عناصر الجيش، ومنعها من دخول المنزل، ما أدي الى تبادل النار بين الطرفين، نحو 15 دقيقة، وأسفر عن عدد من الاصابات بجروح. واضطرت وحدة الشرطة الى الانسحاب. ودان "الحزب الاشتراكي الصربي" الذي يتزعمه ميلوشيفيتش، اجراءات اعتقاله. وقال نائب رئيس الحزب ايفيتسا داتشيتش "ان ميلوشيفيتش لا يمكن ان يعتقل ما دام يوجد صرب وصربيا، واذا تجرأ احد على اعتقاله، فتسيل الدماء حتى الرُكب". وعقدت قيادة "الحزب الاشتراكي الصربي" اجتماعاً طارئاً أمس دعت بعده الحكومة الى التزام سبيل "التعقل" والكف عن "تنفيذ أوامر الأجانب". وأشارت الى استعدادها للحوار مع الحكومة في شأن "حل سلمي". يذكر ان محكمة جرائم الحرب في لاهاي، طلبت تسليم ميلوشيفيتش اليها لمحاكمته بتهم ارتكاب جرائم ضد الانسانية. وحددت الادارة الأميركية أمس السبت موعداً أخيراً لاعتقاله أو مواجهة عواقب عدم تقديم مساعدات اقتصادية. ويشير المراقبون الى وجود ارتباط بين الموعد النهائي للانذار الأميركي وعملية الاعتقال خصوصاً ان رئيس الحكومة الصربية زوران جينجيتش كان زار واشنطن الأسبوع الماضي وبحث قضية ميلوشيفيتش. وأمضى ميلوشيفيتش يوم أمس في منزله في ضاحية ديدنيا، وكان معه زوجته ميرا ماركوفيتش وابنتهما ماريا وعدد من قادة الحزب الاشتراكي وأصدقائه المقربين. وقال الحارس فوتشينيتش ان "كل من في البيت مستعد للموت من اجل منع اعتقاله". ويسود في بلغراد، اعتقاد بأن المفاوضات التي تواصلت بين قادة "الحزب الاشتراكي الصربي" ومسؤولين في الحكومة الصربية، من اجل ايجاد نهاية سليمة لمشكلة اعتقال ميلوشيفيتش، تركزت على حل وسط يقضي باعتقاله داخل منزله من الناحية الرسمية، على ان يسمح للمحققين باستجوابه هناك، في تهم الفساد المنسوبة اليه أثناء حكمه، ومن دون ان يتطرق التحقيق الى قضايا جرائم الحرب أو تسليمه الى محكمة لاهاي. وتؤكد مصادر مطلعة مختلفة في بلغراد، وجود انقسام بين السلطات الحاكمة في شأن التعامل مع ميلوشيفيتش، اذ تريد حكومة جينجيتش تنفيذ الاعتقال في أسرع وقت في حين ان الرئيس كوشتونيتسا ومعه قادة الجيش يرفضون ذلك خشية ان يؤدي الى اضطرابات وصدامات بين الفئات السياسية المختلفة في صربيا.