يشهد اليمن بين حين وآخر مواجهات انتخابية بين الحكم والمعارضة في ضوء تجربة التعددية الحزبية والسياسية منذ العام 1990، لكن غياب التوازن الناتج عن ضعف أحزاب المعارضة أفقد هذه المواجهات التأثير في القرار السياسي والمشاركة الفاعلة التي يمكن ان تحد من قبضة الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام على زمام الدولة، ومن نفوذه في الانتخابات، تحديداً منذ الانتخابات النيابة عام 1997 التي خاضها امام "حليفه" التجمع اليمني للاصلاح منفرداً، بعد قرار الحزب الاشتراكي اليمني الذي يتزعم جبهة المعارضة بمقاطعة الانتخابات. وفي ايلول سبتمبر 1999 جرت أول انتخابات رئاسية مباشرة، في غياب المعارضة ايضاً، ما مكن الرئيس علي عبدالله صالح من الفوز بنحو 96 في المئة من أصوات الناخبين. والملفت في الانتخابات المحلية التي جرت للمرة الأولى في اليمن في 20 شباط فبراير الماضي، هو تبدل المواقف. اذ شاركت احزاب المعارضة واستطاعت ان تحصل مع "تجمع الاصلاح" على نحو 35 في المئة من مقاعد المجالس المحلية. لكن تفوق الحزب الحاكم بنحو 70 في المئة لم يغير في الحال شيئاً، اذ ان الرئيس علي عبدالله صالح أعلن نيته تشكيل حكومة جديدة ينفرد بها الحزب الحاكم بعيداً عن صيغ الائتلافات. وعلى رغم ان مهمة هذه الحكومة هي "تحقيق التوازن" و"النهوض التنموي" في كل المحافظات والمديريات، فإن "المشاركة" مستبعدة مع أي طرف في المعارضة، ما يعني ان مبدأ "المشاركة الشعبية" الذي اجريت الانتخابات المحلية تحت لوائه ظل شعاراً انتخابياً. ومعلوم ان المجالس المحلية غير معنية بالمشاركة في صنع القرار السياسي وانما بإدارة الشأن المحلي في اطار سياسة التوزيع العادل للمشروعات الانمائية، بالإضافة الى دور محدود في مراقبة اجهزة السلطة التنفيذية المحلية. وهذا تقليد جديد قد يزيد التنافر بين الحزب الحاكم واحزاب المعارضة بسبب السيطرة شبه المطلقة ل"المؤتمر الشعبي" على السلطة التنفيذية. ولعل جديد "التجربة الديموقراطية" في اليمن ظهور اصطفاف يصل الى مستوى التحالف بين احزاب المعارضة الموصوفة بأنها حليف تقليدي للحزب الحاكم وفي مقدمها "تجمع الاصلاح"، واحزاب المعارضة المناوئة مجلس التنسيق الأعلى التي يتزعمها الحزب الاشتراكي والتنظيم الوحدوي الناصري لمواجهة نفوذ "المؤتمر". ولكن غياب الهدف المشترك وطغيان المصالح الذاتية اعاقا دائماً تشكيل جبهة معارضة متماسكة ومؤثرة. لذلك غلبت الصفة الآنية على التحالفات، وبالتالي أتاح هذا النوع من التحالفات الهشة مساحة كبيرة امام الحزب الحاكم لاحراز مكاسب انتخابية، وامام الرئيس علي عبدالله صالح للعب بأوراق المصالح المتبادلة والمتعارضة لاحزاب المعارضة. ويجمع المراقبون على تأكيد ضعف احزاب المعارضة، وفي مقدمها الاشتراكي وحلفاؤه، في التأثير الشعبي وعجزها عن حشد رأي عام عبر خطاب يستند الى برامج انتخابية وسياسية مقنعة، واعتمادها على خطاب المناكفة في مواجهة الحكم وعدم امتلاكها المبادرة أو تقديمها البدائل واقتصارها على المطالبة بحلول سحرية تتوخى منها التأثير في اتجاه القرار السياسي. وهذا المنهج الذي تتبعه عادة احزاب المعارضة في اليمن، اليسارية تحديداً، ربما يجعل التجمع اليمني للاصلاح الاسلامي مضطراً خلال الانتخابات المحلية للدفاع عن مصالحه التي حققها من خلال سنوات تحالفه التقليدي مع الحكم من الحكم نفسه، وذلك بفتح قنوات اتصال موقتة مع خصومه المعارضة اليسارية منطلقاً من رؤية "برغماتية" هي التي دفعت قيادته الى تهدئة المواجهة مع "المؤتمر" عبر العلاقة القوية بين علي صالح والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر. وقد كان لهذه العلاقة دور مباشر في استمرار نجاح علي صالح في احتواء الحركة الاسلامية في اليمن لأكثر من عقدين. وقبل ان ينتهي المشهد الانتخابي الساخن وما شهده من اشتباكات دامية بين العناصر الاسلامية المتشددة في "تجمع الاصلاح" وقوات الأمن والجيش في مناطق عدة، نجحت قيادة "التجمع" في عقد مصالحة على اساس المصارحة مع الرئيس صالح مهدت لإنهاء خطاب المواجهة مع "المؤتمر" وفتح صفحة تحالف جديدة مع الرئيس أولاً ومع "المؤتمر" ثانياً، الأمر الذي ولد لدى الاشتراكي واحزاب المعارضة شعوراً بأن الرهان على وجود طلاق نهائي بين الحليفين التقليديين يبدو ضرباً من المستحيل، خصوصاً ان كلاهما حقق ما كان يصبو اليه في الانتخابات المحلية. اذ حاز الحزب الحاكم على غالبية تجعل مسألة التغيير في يده خلال العامين المقبلين على الأقل، وحتى موعد الاستحقاق الانتخابي المقبل، في حين حقق "التجمع" نسبة معقولة من مقاعد المجالس المحلية، واثبت وجوداً ملحوظاً على الساحة، فيما نجحت التعديلات الدستورية بتمديد الفترة الرئاسية من 5 الى 7 سنوات والنيابية من 4 الى 5 سنوات، كذلك استطاع "التجمع" تجاوز التحالف "الموقت" مع احزاب المعارضة ليعود الى صيغة التحالف "الاستراتيجي" مع "المؤتمر" ومع الرئيس صالح، فيما بقي الاشتراكي والاحزاب الأخرى خارج اطار اللعبة.