كان يراد، أميركياً وإسرائيلياً، أن تكون قمة عمّان "قمة وقف العنف". وكان يمكن للأميركيين والإسرائيليين أن يحصلوا على مرادهم لكنهم نسوا أن ارييل شارون هو رئيس الوزراء في إسرائيل، وأنه جاء إلى المنصب من دون مشروع لاستئناف التفاوض، وصولاً إلى سلام. ليس عند شارون سوى هذا القصف على رام الله وغزة، وهو ليس سوى بداية. وها هو يحصل على تأييد واضح من جورج دبليو بوش، إذاً فهو سيمضي في المهمة إلى أقصاها. في بضعة أسابيع سقط "التوازن" الذي ادعت إدارة بوش أنها تنوي التزامه في التعاطي مع ملف الشرق الأوسط. وفي أي حال لم يكن هذا "التوازن" سوى كذبة أميركية أخرى تبحث عمن يشتريها، ومن المفيد أنها انكشفت باكراً جداً لئلا يبني عليها بعض العرب أحلاماً أو أوهاماً. ف"التوازن" لا يمكن أن يكون بإعطاء شارون الضوء الأخضر للتحرك، ولا يكون بتبني وجهة نظر شاؤول موفاز وتقاريره عن "تورط" السلطة الفلسطينية في مقاومة الاحتلال. فإذا لم تكن هذه السلطة معنية بإزالة الاحتلال فبماذا تكون معنية؟ وإذا لم يكن هدف التفاوض انهاء الاحتلال فهل يكون ابقاء هذا الاحتلال؟ ليس لأميركا "أصدقاء" عند العرب وإنما هناك منضوون تحت سياستها. وهذه السياسة أصبحت معروفة، أياً تكن الإدارة، فهي لا تعترف إلا بصديق وحليف واحد في المنطقة هو إسرائيل. والمطلوب من "الأصدقاء" العرب أن يتنافسوا على حماية إسرائيل ورعايتها لينالوا الرضا الأميركي. واشنطن تريد العرب "معتدلين" خارجياً، أي قابلين بالاحتلال الإسرائيلي، وتريدهم في الوقت نفسه "متطرفين" داخلياً، أي قساة في معاملة شعوبهم، خصوصاً بعدما اكتشفت ما كانت تعرفه ولا تعترف به وهو أن في العالم العربي شارعاً لا يستحق أن تسميه رأياً عاماً لأن رأيه لا ينسجم مع انحيازها لإسرائيل. ما الذي طلبه الفلسطينيون من مجلس الأمن؟ إنهم شعب يطلب حماية من أبشع سلطة احتلال. فإذا لم يطلبها من مجلس الأمن فممن يطلبها، من سلطة الاحتلال نفسها؟ وبالتالي ماذا يمكن أن يعني "الفيتو" الأميركي عملياً، هل يمكن أن يعني شيئاً آخر غير اعطاء شارون ترخيصاً للقتل؟ وهل يمكن بعدئذ أن تتوقع واشنطن تصفيقاً من العرب لهذا "الفيتو" الاجرامي؟ العرب أعربوا عن الاستياء، لكنهم في الواقع غاضبون ومشمئزون. ولكن ليست واشنطن من يحترم هذا الغضب، لذا كُلف موظف أميركي أن يرد على الاستياء العربي باستهزاء ووقاحة. هذه هي الإدارة التي قيل إنها "مختلفة" عن الإدارة السابقة، وانها تتميز عنها بعدم وجود صهاينة متعصبين فيها، وانها ستفرمل التطرف الإسرائيلي. ولكن ما العمل إذا كانت السياسة الأميركية نتاجاً صهيونياً بحتاً؟ طلبت واشنطن اعطاء شارون فرصة، وبدا واضحاً في قمة عمّان أن أحداً من العرب مستعد لتبني هذه النصيحة الخبيثة. ولم يكذب شارون الشكوك بل أكدها. وتبدو مرحلة الثنائي بوش - شارون مرشحة لأن تكون الأسوأ في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي. وهو صراع بات حرباً من جانب واحد، فالعرب مدعوون الآن فقط إلى التفرج على ذبح الشعب الفلسطيني وقضيته، وعلى تدمير ما أمكن بناؤه تحت راية "أوسلو"، من دون أن يكون العرب قادرين على التحرك. إذا كانت رسالة العرب في قمة عمّان أنهم يدعمون الشعب الفلسطيني في انتفاضته، فإن الدعم يتطلب أكثر من المال ومن الجدل السقيم حول صرف هذا المال. إنه يتطلب جدية حاسمة. فإذا لم تكن الحرب ممكنة، فإن المقاومة متاحة. أما انتظار تغيير في واشنطن باتجاه الحياد والانصاف، فهذا من المستحيلات.