المحاولات التي قامت بها الدول العربية سواء على المستوى الثنائي أو الجماعي في إطار الجامعة العربية أو خارجها، لم تأت ثمارها المرجوة في تحقيق التكامل بين اقتصادات هذه الدول. ومضى خمس وخمسون سنة ونيف على قيام الجامعة العربية في 22 آذار مارس 1945، ودعا ميثاقها الدول الاعضاء الى العمل معاً من أجل تقوية الروابط الاخوية وتنمية وتطوير العلاقات. واذ اكتفى الميثاق بإجمال ذلك في ديباجته ومادته الثانية، ولم يخض في التفاصيل، غير أن الاتفاقات التي أبرمت بين الدول العربية في إطار الجامعة منذ مطلع الخمسينات من القرن الماضي، حددت أهداف التعاون الاقتصادي العربي وضرورته الفائقة كما فصلت وسائل تحقيق ذلك. ففي سنة 1950، وافق مجلس الجامعة العربية على معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي التي اصبحت نافذة المفعول في سنة 1952، بموجب المادة الثامنة من المعاهدة، ثم إنشاء المجلس الاقتصادي الذي اكتسب الصفة الذاتية في سنة 1959. ووقّع اتفاق الوحدة الاقتصادية العربية في سنة 1957، ثم وقّع اتفاق السوق العربية المشترك في سنة 1964، وبعد ذلك تم التوصل الى اتفاق اقامة منطقة التجارة العربية الحرة في سنة 1997، تطبيقاً لقرار مؤتمر القمة العربي الذي عقد في شهر حزيران يونيو 1996. وأصبح هذا الاتفاق نافذ المفعول بالنسبة الى الدول الاعضاء فيها في سنة 1999. ولو قُدّر لهذه الاتفاقات وغيرها في مجال العمل العربي المشترك، أن تجد سبيلها الى التطبيق العملي الصحيح والمخلص منذ ذلك الحين، لبلغت الجامعة العربية التطور الذي وصلت إليه دول الاتحاد الأوروبي التي بدأت عملها الاقتصادي المشترك في المرحلة التاريخة نفسها التي بدأ فيها العمل العربي. وغني عن القول إن ما يجمع بين الدول العربية وشعوبها أكثر بكثير مما يجمع بين دول الاتحاد الاوروبي التي توجد بين شعوبها اختلافات كثيرة في اللغة والثقافة والطابع القومي والاتجاهات السياسية، ولكن مع ذلك تجمعها مصالح سياسية واقتصادية مشتركة وتوحد بينها التحديات الجدية التي تواجهها على الصعيد العالمي في ظل "هيمنة ظاهرة العولمة". وكانت الأقطار العربية جديرة بأن تصل الى ما وصلت إليه دول الاتحاد الاوروبي، لكنها اخفقت اكثر من مرة في ترجمة ما نصت عليه الاتفاقات السابقة الى واقع ملموس يشعر به المواطن العربي العادي، وينعكس على تقدمها الاقتصادي العلاقات كافة في ما بينها، ومن ابرز أسباب هذا الفشل: الخلافات والمنازعات السياسية" عدم فاعلية المؤسسات التنظيمية" غياب المؤسسة القضائية التي تملك صلاحية فض المنازعات" الاختلافات الكثيرة بين القوانين التي تنظم النشاط الاقتصادي" عدم انتهاج الدول العربية أسلوب الحوار في حل مشكلات العلاقات" اختلاف السياسات الاقتصادية. وأثبتت التجارب التي خاضتها غالبية الدول العربية عدم نجاح سياسات التنمية الشاملة، الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، ويرجع ذلك الى ان قدرات كل دولة وإمكاناتها لا تمكنها من تحمل اعباء هذه التنمية، خصوصاً في الجانب الاقتصادي وهو الأهم لأنه يمثل حجر الأساس الذي تقوم عليه التنمية في المجالات الأخرى. وأدى ذلك الى تخلف اقتصادات هذه البلاد في الماضي، وهي تواجه في الوقت الحاضر، تحديات لعصر العولمة والتقدم التكنولوجي، وثورة المعلومات، وتكوين المنظمات الاقتصادية الاقليمية والقارية في مختلف انحاء العالم. واذا ظل التعاون الاقتصادي العربي جامداً وعلى ما هو عليه، فمن المحتمل ان تصبح البلاد العربية واقتصادها جزءاً من المنظمات الاقتصادية الكبرى في اوروبا وآسيا، وربما اميركا، عندئذ تفقد القدرة على الاستقلال الاقتصادي، ويصبح استقلالها السياسي محل شُبهة. * كاتب فلسطيني.