المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    فرصة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «آثارنا حضارة تدلّ علينا»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أرصدة مشبوهة !    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    «المرأة السعودية».. كفاءة في العمل ومناصب قيادية عليا    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    فعل لا رد فعل    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    رسالة إنسانية    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



5 عوامل رئيسية وراء تعثر عملية التكامل الاقتصادي العربي خلال 50 عاماً
د. إلياس غنطوس الأمين العام لاتحاد غرف التجارة والزراعة والصناعة العربية ل اليوم :
نشر في اليوم يوم 13 - 09 - 2003

كشف د. الياس غنطوس الامين العام لاتحاد غرف التجارة والزراعة والصناعة للبلاد العربية عن استراتيجية شاملة للاتحاد خلال المرحلة المقبلة لتفعيل اليات جديدة ومتطورة لتعظيم الاستثمارات المشتركة بين البلدان العربية وتسريع حركة التجارة البينية بما يسهم في جعل السوق العربية المشتركة حقيقة واقعة وليس مجرد احلام على الورق.. وقال غنطوس في مقابلة مع "اليوم الاقتصادي" خلال مشاركته في اعمال الدورة ال 95 للاتحاد بمدينة الاسكندرية المصرية الذي عقد مؤخرا: ان اهداف اتحاد الغرف العربية منذ تأسيسه قبل نصف قرن ترمي في المقام الاول إلى تعظيم حركة المبادلات التجارية العربية العربية من خلال عدة محاور واجراءات تسهل عملية انسياب الصادرات والواردات بين الموانئ والمطارات العربية منها تحرير التجارة بتخفيف القيود الجمركية والادارية وربط شبكات الاستثمار والانتاج العربي بما يضمن تعزيز الكفاءة الاقتصادية والقدرة التفاوضية لها في الاسواق الدولية.
وشدد غنطوس في مقابلته على التحرك الفوري من قبل الحكومات والمستثمرين العرب لتأكيد التكتل الاقتصادي العربي والخروج من حلقة الركود الحثيثة التي تعانيها التجارة البينية العربية حالياً التي لا تتجاوز 8 بالمائة من حجم التجارة الخارجية للاقتصاديات العربية مع الاسواق الدولية وثمن حسن مناخ الاستثمار في المملكة العربية السعودية ودول عربية اخرى مثل الامارات ولبنان ومصر بدرجة اسهمت في زيادة الاستثمارات العربية والاجنبية بهذه الدول كما اكد على اهمية ربط حركة التعليم بالسوق والتوسع في تطبيق مفاهيم التجارة الالكترونية باعتبارها اقل تكلفة واكثر سرعة في انجاز الصفقات من التجارة التقليدية مشيراً إلى ان توظيف السوق الالكترونية يسهم بشكل اكبر في تفعيل السوق العربية المشتركة.
وفي دراسة قدمها د. غنطوس حول ظروف التكامل الاقتصادي العربي وكيفية الخروج منها قال: ان عملية التكامل الاقتصادي العربية منذ انطلاقتها الاولى في مطلع الخمسينيات تأثرت بجملة من العوامل الاقتصادية والفكرية وان كانت العلاقات السياسية قد دفعت احياناً نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية، الا انها غالباً ما عملت على تعطيلها او الحد منها.
واوضح انه جرت عدة محاولات جادة لاقامة تعاون في سبيل تجميع الموارد وتسهيل تبادل السلع وعناصر الانتاج من رأسمال وموارد بشرية خدمة للتنمية والتكامل وقد مرت عملية التكامل الاقتصادي العربية بكثير من المشاكل والعقبات نتيجة لعدم التنسيق والتعاون واختلاف النظم والمناهج الاقتصادية، وحصل ذلك بالرغم من ان الدول العربية تتميز في آن واحد برحابة مواردها وتنوعها وتكاملها فضلاً عن تكامل اسواقها.
وانتقد الامين العام لغرف التجارة والزراعة والصناعة للبلاد العربية ما يقال أن التكامل الاقتصادي العربي قد فشل ولم يؤد الغرض المطلوب منه، ويرى بأن العملية التكاملية لم تفشل كلية، حيث كانت هناك انجازات لا تنكر، من شأنها ان تشكل اساساً للتكامل في المستقبل، وعلى سبيل المثال منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التي ستكون محور اهتمامنا لاحقاً، وكذلك النجاح الذي حققه مجلس التعاون الخليجي في اقامة الاتحاد الجمركي الذي بدأ بتطبيقه مع مطلع العام الحالي، بحيث يتحقق التكامل الاقتصادي الخليجي الذي سيتوج بالوحدة النقدية المقررة في عام 2010 وهذه الانجازات ابقت الجذوة التي حافظت على مسيرة التكامل عامة، ولو بأدنى درجاتها، بالرغم من ان هذه المسيرة اتصفت عموماً بالبطء ولم تكن متناسبة مع الجهود التي بذلت من اجلها.
وقال د. غنطوس: بدلاً من الحديث عن الفشل الاقتصادي هناك سؤال يطرح نفسه وهو كيف يمكن اعادة اطلاق عملية التكامل الاقتصادي العربي في ظل متغيرات اساسية وظروف جديدة اخذت تتشكل نتيجة للانفتاح الذي يتميز به الوضع الاقتصادي في العالم، واصحبت العولمة بالنسبة للدول العربية امراً محتوماً؟ وقال: انه قبل الاجابة عن هذا السؤال، وكخلفية للاجابة عنه، لابد من العودة قليلاً إلى بداية الجهود التكاملية التي انبثقت بعد قيام جامعة الدول العربية في عام 1945 ولعل اول تعبير في هذا الاتجاه جاء مع تأسيس الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية في عام 1951 لقيادة قطاع رجال الاعمال العرب، انطلاقاً من الشعور العفوي والاخوي الذي يربط بين الشعوب العربية وذلك من اجل اقامة مؤسسة قومية تكون منبراً للقطاع الخاص وتلعب دوراً في بلورة توجهاته، وتوحيد نظرته إلى التنمية والتعاون، وتعزيز دور هذا القطاع عموماً في الحياة الاقتصادية العربية، فهذا الاتحاد وعلى مر السنين اصبح بمثابة رباط بين الشعوب العربية، تنبثق عنه صيغ عملية في شتى مجالات الحياة الاقتصادية، مما يتطلب ايجاد عمل مؤسساتي لتثبيت هذه الصيغ وتحويلها على مدى الايام إلى خير عميم يغذي طموح العرب نحو التعاون والتكامل الاقتصادي.
واشار د. غنطوس إلى ان الجهود التكاملية انطلقت من اعتبارات جوهرية ابرزها الشعور بالانتماء العربي والرغبة في التكاتف والاستفادة من الامكانات المتاحة قطرياً وعلى الصعيد القومي، الا ان الواقع اظهر ان ثمة تناقضات في بعض الاهداف الاقتصادية وبالتالي السياسات المتبعة بين الدول العربية حالت دون تحقيق الكثير من الامكانات التكاملية المتاحة، لا بل فوتت الكثير من الفرص التي كان من الممكن ان تحقق للامة العربية المزيد من الازدهار والتقدم.
واوضح انه لا يجب ان يغيب عن البال أن الحاجة إلى الامن القومي العربي وضرورة ايجاد تكتل اقتصادي لدعم الكيان والامن تجاه الضغوط والاخطار الخارجية، كان من بين العناصر الاساسية التي دفعت نحو تحقيق التكامل الاقتصادي العربي، وقد تجسد ذلك في ميثاق الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي الذي وقع عام 1953 في اطار جامعة الدول العربية وبموجب هذا الميثاق نشأ المجلس الاقتصادي للجامعة الذي يتكون من وزراء المال والاقتصاد العرب، وتم لاحقاً توسيع صلاحياته خارج النطاق الاقتصادي ليصبح المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وهذا المجلس كان ومازال المحور الرئيسي لرعاية العمل الاقتصادي العربي المشترك وقد اقيمت بموجب قرارات صادرة عنه سلسلة عريضة من المنظمات والمؤسسات الاقتصادية المتخصصة في قطاعات الانتاج والعمل والمال وغيرها.
واشار إلى ان المجلس الاقتصادي العربي وضع اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية في عام 1957 تعبيراً عن التطلع المشترك للدول العربية حينذاك لانشاء تكتل اقتصادي يوازي التكتل الاوروبي الذي انبثق عن اتفاقية روما الموقعة في نفس العام، الا ان اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية لم يبدأ تطبيقها الا في عام 1964 ولم تؤمن لها الظروف لتحقيق اهدافها.
وحول المؤثرات على عملية التكامل العربي قال د. غنطوس: ان عملية التكامل الاقتصادي العربي تأثرت بتطورات واتجاهات بارزة خلال العقود الثلاثة الاخيرة، ادت في الواقع إلى اضعافها، ويمكن ايجاز هذه التطورات بالنقاط التالية:
أولاً: اتجهت الدول العربية من خلال وضع خطط قصيرة ومتوسطة الاجل نحو التنمية القطرية على اساس السوق المحلية للاستفادة من الحماية الجمركية، تحقيقاً لاهداف اقتصادية واجتماعية ذاتية، ومما دفع إلى ذلك الرغبة في توفير فرص العمل للاعداد المتزايدة في السكان من ناحية وابراز عملية التنمية كانجاز قطري يخفف من الاعتماد على الخارج ويوفر فرصاً للاستثمار المحلي، فضلاً عن توفير النقد الاجنبي باستبدال الاستيراد بالانتاج المحلي.
إلى جانب ذلك يلاحظ أن الخطط والسياسات الاقتصادية القطرية خلال الستينيات وبداية السبعينيات لم تأخذ بعين الاعتبار البعد العربي في التنمية والاستفادة من الموارد والاسواق العربية، وبالتالي كان التوجه الانمائي توجهاً انغلاقياً بدرجة محلوظة.
ثانياً: مع ان الجهود العربية التكاملية تتابعت واتخذت اشكالاً مختلفة بدءاً باتفاقيات تنمية وتيسير التبادل التجاري ومن ثم المشروعات العربية المشتركة لكنها لم تنل اجماعاً عربياً والتزاماً بأحكام الاتفاقيات الخاصة بها، فقد اثر بعض الدول عدم الانضمام إلى بعض الاتفاقيات والمشاريع، او وافقت عليه بداية ومن ثم ابتعدت عنها او لم تف بالالتزامات المترتبة عليها.
ثالثاً: كانت عملية التكامل الاقتصادي العربي في الستينيات والسبعينيات ترتكز اساساً إلى القطاع العام دون ان يكون للقطاع الخاص دور ملحوظ، وعلى سبيل المثال فان قرار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية المتعلق بالسوق العربية المشتركة كان اكثر الترتيبات الجماعية طموحاً، لكن لم يكن هناك التزام كامل بالقرارات من جميع الاعضاء، كما ان غالبية الدول التي طبقت القرار آنذاك كانت تعتمد على القطاع العام، وبالتالي لم تكن عوامل السوق تلعب الدور المفترض في اتخاذ قرارات التصدير او الاستيراد.
رابعاً: مع ان التركيز في العمل الاقتصادي العربي المشترك انتقل ابان الفورة النفط - مالية في السبعينيات ومطلع الثمانينيات في المحور التجاري إلى المحور الاستثماري، وتمثل ذلك في اقامة عدد من المشروعات المشتركة والشركات القابضة، الا ان هذه المشروعات قامت برؤوس اموال عامة ولم يكن للقطاع الخاص العربي دور يذكر فيها، وهذا ادى في كثير من الاحيان إلى تعثرها بسبب عدم التزامها بقواعد المنافسة وتحقيق الكفاءة المرجوة.
وقد حصل اثناء الفورة النفط - مالية، انسياب لا يستهان به لرؤوس الاموال بين الدول العربية، على شكل مساعدات واعانات وقروض، الا ان ذلك كان بعيداً عن حاجات التنمية العربية المتكاملة، وفي كثير من الاحيان انفقت هذه الاموال في اغراض لا تمت بصلة مباشرة إلى عملية التكامل.
خامساً: ان المؤسسات والمنظمات الاقتصادية العربية التي انشئت نتيجة جهود مشتركة لم تمد بالتمويل اللازم لها لتستطيع ان تضع خططاً واستراتيجيات تكاملية تتناسب مع اهدافها، لا بل جاء قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي ب "ترشيد" هذه المنظمات والتخفيف من قدراتها المالية، من خلال تخفيض موازناتها، جاء ليقلل من اهميتها واحكام ربطها بعملية التكامل الاقتصادي.
وبعد ذكر هذه العوامل الخمسة استخلص نتائج هامة وهي ان الدول العربية لم تتمكن من وضع تصور عام لعملية تكاملها الاقتصادي، وبالتالي لم تكن المحاولات التي اتخذت من اجل هذا الهدف سواء على الصعيد التجاري ام الاستثماري ام القطاعي ام المشاريع المشتركة، وليدة تصور شمولي يمكن ان يكون اساساً لبناء تكتل اقتصادي عربي يؤمن للدول العربية التنمية المشتركة ويزيد قدراتها التفاوضية تجاه الخارج، فالتطورات التي حصلت في مختلف المحاور جاءت على شكل قفزات جزئية نتيجة مبادرات نابعة من اعتبارات ظرفية لا تأخذ بعين الاعتبار الامكانات التكاملية بالرغم من ان القمة الاقتصادية العربية التي عقدت عام 1980 اقرت استراتيجية للعمل الاقتصادي العربي المشترك لتكون بمثابة استكمال للجهود الانمائية القطرية وبحيث لا يقتصر العمل المشترك على مجرد اقامة مشروعات ذات تمويل مشترك، او احداث تدفقات مالية وبشرية بالرغم من جداوها في عملية التكامل، وانما ايجاد مزيد من الترابط العضوي بين الهياكل الانتاجية العربية هذا مع التأكيد بأن تعظيم القدرات الذاتية العربية من انتاجية وتكنولوجية لا يكون الا بالعمل المشترك وان الامن القومي بحاجة إلى قاعدة صلبة لا توفرها الا التنمية العربية الشاملة.
ويعترف الامين العام لاتحاد غرف التجارة والزراعة والصناعة للبلاد العربية بأن استراتيجية العمل الاقتصادي العربي بقيت في حالة جمود الا انه انبثقت عنها عام 1981 اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية، والاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس اموال في الدول العربية، وذلك بهدف ايجاد تشابك انتاجي وترابط عضوي بين الاقتصادات العربية وتحقيق استخدام امثل للموارد والاسواق المتاحة. الا ان التكامل الاقتصادي بقي يراوح مكانه حتى منتصف التسعينيات، حيث تضافرت عدة تطورات عملت على اعادة تحريكه وتوفير آفاق ونهج جديدة له من خلال وضع البرنامج التنفيذي لاتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية لعام 1981 وبموجب هذا البرنامج تم الشروع في مطلع عام 1998 بانشاء منطق التجارة الحرة العربية الكبرى التي تضم حالياً 14 دولة عربية يشكل مجموع التجارة فيما بينها حوالي 80% من اجمالي التجارة البينية العربية.
واضاف ان هذه الخطوة جاءت مع بروز تيار العولمة الذي اشتد ازره بقيام منظمة التجارة العالمية في مطلع عام 1995 بعد ان اقرت مبادئها في اعلان مراكش في ابريل 1994. وقد وجدت الدول العربية ان العولمة اصبحت امراً يجب اخذه في الحسبان، وهناك ضرورة للتجاوب مع المتغيرات الاقليمية والدولية والاتجاه نحو ايجاد تكتل عربي، يسمح بالاستفادة من ايجابيات العولمة ومحاولة تجنب سلبياتها وبموازاة ذلك جاء اعلان برشلونة ليعكس رغبة الاتحاد الاوروبي في اقامة شراكات تجارية مع بعض الدول العربية وصولاً إلى اقامة منطقة التجارة الحرة الاوروبية المتوسطية بنهاية عام 2010.
وهكذا عادت الدول العربية إلى التركيز على المحور التجاري كوسيلة لتكاملها الاقتصادي فمنظمة التجارة الحرة العربية الكبرى ولو انها تمثل ابسط اشكال التكامل الاقتصادي الا انها مرحلة لابد منها للانتقال إلى التكامل الانتاجي في اطار سوق مشتركة تقود بالنتيجة إلى الوحدة الاقتصادية.
وقال انه من المهم الاشارة إلى ان البدء بتنفيذ منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ترافق مع انحسار دور القطاع العام في النشاط الاقتصادي لمصلحة القطاع الخاص الذي يتمتع بامكانات مالية وفيرة وقدرات ادارية وعملية تؤهله للقيام بدور مركزي في التنمية والتكامل، الا ان ذلك لا يعني بتاتاً أن القطاع الخاص يمكن ان يحجب اهمية القطاع العام، فهذان القطاعان يجب ان يكونا دائماً جنباً إلى جنب ومتساندين ويغذي احدهما الآخر وما منطقة التجاة الحرة الا اطار للتعاون الجدي بين هذين القطاعين حيث ان الحكومات العربية هي التي تضع اسس تحرير التبادل التجاري العربي بازالة القيود الجمركية وغير الجمركية، ووضع السياسات التجارية والاقتصادية بينما يتولى القطاع الخاص عملية التبادل التجاري وتحقيق الامكانات التي تتيحها السوق الموسعة في مجالات الاستثمار والانتاج واستيعاب القدرة التكنولوجية التي اصبحت عنصراً اساسياً من العناصر اللازمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وفي نفس السياق لابد من الاشارة إلى ان الاتجاه نحو السوق في الدول العربية وانتهاج سياسات لاعادة الهيكلة وتشجيع القطاع الخاص من خلال سياسات الخصخصة، يشكل محوراً لدعم التكامل الاقتصادي ويوفر بيئة هيكلية وتشريعية تتناسب مع طموحات القطاع الخاص واحتياجاته ومن شأن كل ذلك ترشيد استخدام الموارد الاقتصادية وتعزيز القدرة التنافسية للانتاج العربي ووضعه على اسس يستطيع من خلالها تعزيز القدرات التصديرية عربيا والى الخارج، مشيراً إلى ان منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التي من المنتظر استكمالها في عام 2005 تشكل خياراً مستقبلياً واضح المعالم للدول العربية ولا يجب اعتبارها بمثابة رد فعل لما يدور في منظمة التجارة العالمية، او غيرها من الترتيبات الجمركية التي تقام في اطار مناطق التجارة الحرة الثنائية مع الخارج، فهذه المنطقة هي خطوة نحو تحقيق السوق العربية المشتركة المنشودة التي تشكل المرتكز الرئيسي لتجميع القدرات العربية واطلاقها نحو التنمية الحقيقية للامة العربية، ولابد من العمل الجاد من اجل تجاوز العقبات التي تواجه تطبيق هذه المنطقة، خصوصاً في ضوء المتطلبات والاستحقاقات التي تمليها منظمة التجارة العالمية واتفاقيات التجارة الاقليمية.
واختتم دراسته التي كانت محل نقاش الدورة 95 للاتحاد بأن مجموعة الدول العربية وان كانت البادئة بالدعوة إلى التكامل الاقتصادي الاقليمي في مطلع الخمسينيات الا انها تخلفت عن بقية المجموعات في العالم واولها التكتل الاوروبي الذي تدرج من سوق مشتركة إلى وحدة اقتصادية ومن ثم إلى وحدة نقدية. وقد افرزت التجربة الاوروبية مفهوماً عملياً يفرق بين الحدود السياسية للدول وحدودها الاقتصادية فالتعاون من اجل تحقيق اهداف اقتصادية مشتركة وصولاً إلى التكامل يمكن ان يتم عبر الحدود السياسية للدول دون المساس بهذه الحدود أي ان الحدود الاقتصادية لا يجب بالضرورة ان تكون متطابقة مع الحدود السياسية ومن هذا المنطلق يمكن ولوج باب العولمة والاستفادة من ايجابياتها والانفتاح اقتصادياً على العالم.
وان الموقع الذي ستحتله الدول العربية في المستقبل يعتمد على مدى الاستعداد لوضع استراتيجية عربية مشتركة تحقق مستوى معينا من العولمة باعتبار ان التكامل الاقتصادي في الظروف الراهنة لا بد ان يكون على درجة من الانفتاح للتفاعل مع التقدم الصناعي والتكنولوجي والعلمي في الخارج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.