بدأت حكاية زياد سحاب مع العود بلحن "إليها" لمحمد عبدالوهاب الذي حمل اليه رغبة قوية، وهو ما يزال في السابعة من عمره، في تعلم العزف على العود. اليوم، هو في التاسعة عشر من عمره، ولا يجد نفسه الا في الموسيقى، أي كتابة الأغاني، والغناء، وفي شكل خاص، التلحين. تعلم العزف على العود في المنزل وأخضع نفسه لبرنامج المعهد الوطني للموسيقى، الكونسرفتوار، ولكن في شكلٍ مكثف، ولذلك، استطاع انهاء البرنامج في خمس سنوات بدل ثماني سنوات. بدأ العزف بشكلٍ علني في فرقة عمه سليم سحاب عندما كان في الثانية عشر الى أن شعر بالرغبة في التلحين، بعد سنتين. أول حفلة موسيقية لزياد كانت في "الفورم دو بيروت" بمناسبة عيد جريدة "السفير" الفضي. ويقول: "كنت أول مرة أغني أمام جمهور، وذلك بعد ان اتخذ صوتي ثباتاً معيناً". كان يغني لوحده في الفترة الأولى، في الحفلات Concerts أو في الحانات Pubs، إلى أن تكونت لديه اليوم فرقة كاملة من عازفين ومؤدين، كانت انطلاقتها الأولى في مسرح بيروت بمساعدة جمعية "شمس" لشباب المسرح والسينما، واتخذت لها اسم "شحادين يا بلدنا". تغيرت أمور كثيرة يقول زياد. ففي البداية، لم يكن للموسيقى بالنسبة له طابعاً جدياً كما هو الحال اليوم. "لم نكن نتمرّن كثيراً قبل الحفلات، أما اليوم فلم نعد نعتمد على زقفة الجمهور". الفرقة بالنسبة له ليست هدفاً بحد ذاتها بقدر ما هي وسيلة لخلق أداة بديلة للتعبير. "اليوم تغيب عن الساحة الشبابية الأغاني التي تعبر عنهم بحق". ولذلك يحاولون شيئاً فشيئاً أن يتوصلوا لتنظيم برنامج كامل من أغانيهم الخاصة، نصاً ولحناً. فهو يرى ان هنالك مواضيع طُرحت سابقاً وأخذت حقها غنائياً، أما اليوم، فهنالك نقصاً كبيراً في الأغاني النابعة من الحياة اليومية. "لا أحد يحاول أن ينظر حوله لكي يكتب، وهنا تكمن أهمية زياد الرحباني الذي يستوحي معظم أغانيه ومسرحياته من الشارع والناس". ويعتبر زياد سحاب انه على الموسيقي الملتزم الا يتعامل بفوقية مع محيطه، بل ان ينخرط فيه. وإطار الأغاني التي يكتبها زياد اليوم تنبع بشكلٍ أساسي من شارع الحمرا حيث يتواجد كثيراً وحيث يرى يومياً تناقضات كثيرة وأنواع مختلفة من البشر. "ففي شارع الحمرا بالتحديد، مختلف الطبقات والتيارات الفكرية أو السياسية، ستارباكس بعيدة مئة متر عن المودكا، ونوعية الناس في كل من هذين المقهيين مختلفة عن الأخرى كثيراً. اليوم، يستوحي زياد أفكاره وأغانيه من الشارع، ولكنه لم يكن كذلك في ما مضى، أي عندما بدأ الكتابة والتلحين. فقد كان يرى الأشياء بمنظار خاص جداً. "كنت دوماً انتظر تصرف ما من أحدهم لكي تخطر على بالي فكرة أغنية، أما اليوم، فاكتفي بأي منظر من الشارع لكي أكتب". لم يعد يغني أغانيه القديمة في حفلاته وسهراته لأنه يعتبرها اليوم خاصة به وحده. "من الممتع ان يكتب المرء أغنية الى صاحبته، ولكن يجب الا تكون مطابقة لها وحدها. "فإذا كتب زياد اليوم عن الحب، يحاول ألا تكون أغنية سردية كما كانت سابقاً. الجهد في هذا النوع من الأغاني غير ضروري، "لست في صدد تلحين ملحمة، فعندما أكتب الأغنية، يأتي اللحن مع الكتابة تلقائياً، وإلا تركتها وانصرفت لغيرها". فالجهد يصبح ضرورياً عند التوزيع مثلاً، أو التمرين ما قبل الحفلات، أما تأليف الموسيقى، فهو احساس وحدس أكثر من تفكير. "ولذلك أنا ضد دراسة تأليف الموسيقى". لم يدخل زياد الجامعة هذا العام، على رغم أنه انهى مرحلة المدرسة، ولكنه يدرس احتمالات التخصص لكي يتسجل العام المقبل في اختصاص يساعده أكثر من غيره في مجال الموسيقى. وبين علم النفس، وعلم الاجتماع والمسرح، يعتبر زياد ان المسرح قد يفيده أكثر من غيره في مجال الموسيقى، خصوصاً أنه يعمل على دراسة فكرة جديدة، هي عبارة عن عرض متنوع بين الأغاني و"الاسكتشات" المسرحية. "أنا سأهتم بالموسيقى، والأغلب أن مجدي أبو مطر سيهتم بالمسرح والإخراج". سيعملون على هذه الفكرة لكي تصبح جاهزة بعد انتهاء مهرجان شمس للموسيقى والمسرح والسينما، "لأن مسرح بيروت هو المسرح الوحيد الذي يشجع الشباب ولا يتطلب الكثير منهم". أما عن حفلاته في الحانات Pubs فهو لا يعتبرها حفلات موسيقية بقدر ما هي "حفلة" مع زبائن الحانة وهدفها الحصول على المال الذي يساعده على الاستمرار. "ليس للفرقة أي دعم مادي، فنحن نعطي التكاليف بأنفسنا، والحفلات المتباعدة لا يمكن ان تعيل فرقة من ثلاثة عشر شخصاً، جميعهم من الطلاب". ولذلك، فهو يغني "اضطرارياً" في الحانات والنوادي الليلية. "ليس أمراً جميلاً أن يغني المرء في حانة، فالناس لا تأتي إلى هذه الأمكنة لتسمع بقدر ما تأتي لتتسلّى". ولذلك فهو يغني هناك مع شخص آخر فقط، وتبقى الفرقة للحفلات الجدية. الأغاني ذاتها أينما كان، وهي مستوحاة من الشارع والناس في الشارع. فيها نوع من السخرية والمرارة، وكأغنية "دخيلك ما تعتل همّو" التي كتبها ولحنها زياد، ومنها مقطع يقول: "فجأة الزلمة بنص الأكلة بيطّلع على الرصيف شاف فقير غريب الشكل ما معو حق رغيف استنبت روح الثوار وأخذ أقوى قرار حط الهامبرغر عجنب ومسك الورقة وقلم البيك وبلش يكتبلو قصيدة بس تقراها بتبكيك". قد يخرج أحياناً من الشارع المباشر ويدخل في الاطار السياسي للبلد، فيقول في أغنية أخرى: "عصفورة رفيقي صارت طائفية وبسينة صاحبتي صارت عنصرية وكينغ الغابة بعدو عراس الغابة وهيي ويلاّ إجت الحرب الأهلية". ليست هذه الأغنية الأولى التي تحذر من تكرار "الحرب الأهلية" في لبنان، هي فكرة ترددت في أغنيات سابقة. فزياد يعتقد، كشاب يعيش في هذه البلد، ان "الحرب الأهلية" قادمة قريباً وأن بصيغ مختلفة"، ولكن الحرب توقفت في وقت ما كان يجب ان تتوقف فيه". فموضوع القتال لم ينتهِ، والمشكلة التي كانوا مختلفين حولها لم تُحلّ.