إذا كان الرجال "صناديق مقفّلة" كما يقول الشاعر "وما مفاتيحها الا التجاريب" فإن عند الصديق يوسف الشيراوي صندوقاً كبيراً من المعرفة والتجربة، لا يبخل بمفتاحه على أحد. وقد تلقيت منه هذا الأسبوع رسالة زادت على مواضيع تناولتها اختار هنا بعضها لضيق المكان. تحدثت عن نظرية جديدة ضمها كتاب عن بناء الهرم، وقال يوسف الشيراوي ان الفكرة ليست جديدة أو معقدة، وزاد: "اراد المصريون القدماء تحديد الجهات الأصلية بدقة، فرفعوا رؤوسهم الى السماء لتحديد النجمة التي تحدد تلك الجهة اليوم نجمة القطب، ولكننا نعرف ان للأرض حركة لولبية ثالثة تشكل دورة في السماء كل 26 ألف سنة. وصادف في أثناء بناء الهرم ان كان القطب الشمالي يتجه الى "بنت النعش"، أسطع نجمة في الدب الأكبر. وصادف ذلك الوقت ان أقوى نجمة في الدب الأصغر تمر تحتها لتشكل خطاً عمودياً وهمياً يربط النجمتين الى الأفق الشمالي". والكاتب الصديق اتبع هذا الشرح برسم للنجوم، لا مكان له هنا، فأكمل بتعليقه على ما ذكرت عن "السماك" في النشيد الوطني الفلسطيني. هو كتب يقول ان "السماك واحد من نجمتين كما ذكرت في مقالك، احدهما السماك الأعزل، وهو منزلة من منازل القمر، وسمي "أعزل" لا بحسب ما رويت. والسماك الرامح هو النجم الشمالي، ونظراً لوجود نجم صغير قربه، اعتبر راية له فسمي السماك الرامح ابن قتيبة والبيروني. أما السماك الجنوبي فسمي بالأعزل لأن لا شيء بين يديه، والأعزل الرجل الذي لا سلاح معه ابن قتيبة. يطلع هذا النجم مع الشمس فجراً، حوالى 18 تشرين الأول أكتوبر، بعد ان يخف الحر في الصحراء، لذلك قال ساجع العرب: اذا طلع السماك ذهب العكاك أي الحر، وقَلَّ على الماء اللكاك أي الازدحام، لقلة شرب الإبل في ذلك الوقت. وكلمة سِماك تأتي من سَمَك، أي بنى ورفع، وهي تمر في جزيرة العرب بالأوج في منتصف السماء، فما شمالها يعتبر من النجوم الشامية الشمالية، وما جنوبها يعتبر من النجوم اليمانية الجنوبية". اعتقد ان أخانا يوسف الشيراوي ينظر الى السماء لأنه لا يريد ان يرى ما يجري على الأرض. وأكمل برسائل أخرى. القارئ العراقي فاروق عبدالرزاق، وقراء عراقيون آخرون، احتجوا على ما كتبت عن الأغنية العراقية في زاوية بدأتها بهذه الكلمات. يمّه نتلني الاوتي / صوجي لعبت بالوابره وقال القارئ: "لقد تعجبت عندما ادعيت أن كلام الاسفاف الذي جاء في احدى المسرحيات العراقية لغرض الفكاهة كان من الأغاني العراقية، فقد كان الأسلم ألا تعلق على موضوع انت جاهل فيه، فالأغنية التي ذكرت كانت في مسرحية فكاهية جاءت لاضحاك الناس الذين قاسوا كثيراً ونسوا الضحك من الأوجاع التي يعانونها، ويا ليت المرحومة أم كلثوم والمرحوم محمد عبدالوهاب على قيد الحياة لكانا شهدا على ارتفاع مستوى الغناء العراقي". انا أيضاً أشهد على ارتفاع مستوى الغناء العراقي، واسمع كاظم الساهر ككل العرب، وقد كتبت عنه. وكنت أعتقد ان القارئ فاروق عبدالرزاق لم يفهم ما كتبت، غير انني لا أعاند، فقد تلقيت أيضاً رسائل بالمعنى نفسه من "عراقي أصلي" و"بنت العراق" وأخرى غير موقعة، فلا بد من انه كان هناك خطأ اتحمل مسؤوليته. وهكذا فأنا في الزاوية نفسها اسحب كل ما اعترض عليه الاخوان العراقيون، والأخت، وان كنت أصر على ان الغناء العراقي حزين دائماً، حتى جاء الآن سبب حقيقي للحزن. القارئ لا ينسى ولا يغفر، وكذلك القارئة. وفي أواخر السنة الماضية، كتبت عن أهم الكتب الصادرة، فأرسلت اليَّ القارئة لينة مشتاق عجينة في منتصف الشهر الفائت رسالة وكتاباً تلقيتهما في منتصف هذا الشهر. القارئة قالت انني لم آت على ذكر "أحد الكتب المهمة التي صدرت تلك السنة"، وهو كتاب "الأوجاع والمسرّات" من تأليف فؤاد التكرلي الذي فاز بجائزة العويس السنة الماضية، كذلك لم أشر الى دار المدى للنشر "التي ساهمت في ثقافة القارئ العربي، ومقرها دمشق". وأهدتني القارئة الكتاب، وهي تختتم رسالتها بالقول: "عسى ان تكون المسرّات من نصيبك والأوجاع لهم...". لعل وعسى، وقد بدأت قراءة "الأوجاع والمسرّات"، الا انني اختتم اليوم بشيء عام، فأنا اتلقى باستمرار رسائل يثير أصحابها قضايا شخصية جداً. وأقول بصدق انني لست قادراً على ان أساعد قارئاً هربت زوجته الأجنبية، أو قارئاً بني متنفذ حكومي في أرض له. كذلك لا أستطيع انتزاع عفو لسجين في أي بلد. طبعاً أتمنى لو كان عندي مثل هذا النفوذ، الا انه ليس موجوداً، وكل ما أستطيع هو ان ارسل الرسالة الى الجهة المختصة، الا ان القارئ يستطيع ان يفعل ذلك مباشرة، من دون واسطتي.