يمّة نَتَلني الاوتي صوجي لعبت بوايره اويْ، اويْ. لا خطأ مطبعياً في ما سبق فهو غناء عراقي سمعته وأنا اتنقل بين محطات التلفزيون العربية قبل أيام. وعندما سألت زملاء عراقيين عن معناه استغربوا جهلي، وقالوا ان الغناء، وكان ضمن مسرحية خفيفة، يعني: يا امي كهربتني المكواة/ وهو ذنبي لأنني لعبت بالشريط. "صوجي" أنني سألت عن المعنى. وكان احد الزملاء العراقيين تفتحت شهيته على الطرب بعد سؤالي، وسمعته يدندن: طيارة طارت فوق/ بيها مدامة وقعت على الدكتور/ كسرت عظامه وما سبق من نوع المقامات العراقية، وأين منه شيء ممجوج مرذول من نوع رباعيات الخيام أو تي إس اليوت، أو الاندلس حيث "برّح الشوق بنا في الغلس"، ففي بغداد "برح السوط بنا في الغلس"... والغسق أيضاً. كنت اعتقد أن الطرب من نوع غناء أم كلثوم: ازاي أوصف لك يا حبيبي ازاي/ قبل ما حبك كنت ازاي كنت ولا مبارح فاكراه/ ولا عندي بكره استناه ولا حتى يومي عايشاه خدتني في الحب بغمضة عين ورِّيتني حلاوة الايام فين... على كل حال بعد تجربتي مع الطرب العراقي حضرت حفلة في لندن تضمنت غناء بدأ بداية معقولة، ثم دبت الحماسة في المغني فصرخ: شعللها شعللها/ ولّعها ولّعها واعادني فوراً الى الستينات وهتاف مشهور: نار حديد دم، فلا ذاك طرب ولا هذا ثورة، وانما شاورما. المغني قال أيضاً: وراك وراك/ مطرح ما تروح وراك/ تروح الشام وراك... وقمت لأسأله هل يذهب "وراه" الى بغداد أيضاً؟ ابقى مع الطرب في لندن والمغني يقول: تحت الشباك لمحتك يا جدع/ بعدها واياك/ ما تقولي يا جدع... واللحن جيد الا ان المغني الرجل يخاطب رجلاً لا امرأة، ما ينفي أسباب الانشراح. المغني قال من لحن جميل: علّي جرى من مراسيلك علّي جرى/ بس لما تيجي وانا احكيلك/ علّي جرى/ وأمسح دموعي بمنديلك/ علّي جرى. وفترت مع نهاية المقطع، فهو لا يحمل ورقة "كلينكس" وينتظر ان يأتي المحبوب و"يشخط" في منديله. مثل ذلك: فرحان فرحة قلب تهنى/ كله جديد في جديد/ حبك خلاّ الكون في عينيا/ أجمل عالم دول حواليا... وهذا جميل، غير ان المغني أكمل يقول: آه لو تعرف بس يا غالي/ انت بقيت ايه بالنسبة لي. وشعرت هذه المرة بأن هناك تجارة، ومباهاة بارتفاع الأسعار. واذا صبر القارئ حتى نهاية المقطع التالي فسنعود الى الغلاء، ومعدلات التضخم والمغني يقول: حلوين من يومنا والله وقلوبنا كويسة/ ونقدم أحلى فرحة ومعاها مية مسا/ يا ليل طوّل شوية/ عالصحبة الحلوة دية/ الغالي علينا غالي ولا عمره يتنسى... كم دفع ثمن العشاء، فلم يستطع بعد ان ينسى ثمن الفاتورة؟ المغني انتقل بعد تسديد الحساب الى أغنية تقول: لاكتب عاوراق الشجر/ سافر حبيبي وهجر/ يا حبيبي دخلك عود/ بيكفي غياب/ وسفر... ولو كنت الحبيب لما عدت، فالحب هنا موسمي لأن أوراق الشجر لا بد ان تتساقط، ثم انه يبدو كمن يريد عودة الحبيب لأنه يعتقد ان هذا سعيد بغيابه ويمضي وقته في السفر. أتوقف لأقول انني لا اعترض على كل غناء اسمعه، وقد سمعت المغني يرفع عقيرته، أو ما يرفعون هذه الأيام، ويصدح: شربتك المي بجفوفي كفوفي السمرا/ سامحتك هواي سامح ولو مرة/ شو تريد أقول أكثر/ غلطان واتعذر/ وحلّفك يا روح لا تضيع العشرة... والبيت الأخير جميل يعوض عن غيره. وسمعت اغنية ذات لحن ظريف هي: سيدي منصور يا بابا/ وسلام عليك يا بابا/ ونجيك نزور يا بابا/ اشهد بالله يا بابا/ ما عشقت سواك يا بابا... ومثل ذلك اغنية عمرو دياب: تمللي معاك ولو حتى بعيد عنك في قلبي هواك/ تمللي في بالي وفي قلبي وأنا بنساك/ تمللي واحشني ولو حتى أكون وياك... والشرح الوحيد هنا هو ان "تمللي" بالعامية المصرية تعني دائماً، فاقتضى التنويه، مع تقديري ان القارئ قد يعرف ذلك من دون مساعدة، كما في شرح الغناء العراقي، وكيف ان "نتلني" هي "كهربني" وان "صوجي" هي "ذنبي" و"بوايره" هي "بالشريط"، وارجح انها من "واير" الانكليزية. أعتقد انني افسدت على القارئ طربه فاختتم ببيت من الشعر خاطب به احمد شوقي أم كلثوم: يا جارة الايك ايام الهوى ذهبت كالحلم آهاً لأيام الهوى آها.