"بالأمس أطلق طالب في كلية الطب رصاص مسدسه على استاذه، لينهي حياة تريد أن تهب له الحياة، إن دل هذا الحادث على شيء فإنما يدل على أن أخلاق هذا الجيل من الشباب الجامعيين لا تبشر بالخير". مع أنه قد مضى على نشر هذا الخبر أكثر من 50 عاماً - وهو مقال للاستاذ أحمد حسن الزيات نشر في مجلة الرسالة - إلا أن صفحات الصحف السعودية تحمل بين الحين والآخر أخباراً مماثلة، كطالب يطلق النار على الآخر، أو طعن طالب لزميله، أو اعتداء ولي أمر طالب على معلم، أو طالب ثانوية يطلق النار على طالبين. ويشير استطلاع اجرته مجلة المعرفة السعودية التي تصدرها وزارة المعارف إلى أن هناك 76 في المئة من الطلاب شاهدوا أعمال عنف، ورغب 26 في المئة في ممارسة بعض جوانب العنف التي يستطيعون القيام بها بعد مشاهدة برامج العنف، وانجذاب 46 في المئة من الطلاب نحو برامج العنف. وفي الاستطلاع نفسه الذي شمل ايضاً عينة من المعلمين أكد 84 في المئة من المعلمين مشاهدتهم للعنف في المدارس السعودية، واعترف 76 في المئة منهم أن العنف أصبح ظاهرة اجتماعية، وعزا 50 في المئة من العينة نفسها العنف المدرسي للإعلام المثير، ولفت 22 في المئة من المعلمين الى أن الأسرة هي السبب في ظهور أو اختفاء العنف، ووجه اتهام مماثل للبيئة المدرسية. وفي زيارة ميدانية الى احدى المدارس السعودية في مدينة الرياض، اوضح مدير المدرسة عبدالرحمن سعيد القحطاني ان حالات العنف موجودة في المراحل المتوسطة والثانوية لوجود علاقة بين عمر الطالب وظاهرة العنف، وحب الاختلاف والاستقلال والتي تتميز بخصائص انفعالية مثل الغضب وحدة الطبع والإثارة من خلال الامور التي تسبب له انسان في تلك السنوات، أما في المرحلة الابتدائية ان النسبة مخفوضة وربما معدومة. ويقول المرشد الطالبي في المدرسة فهد بن عسل الغيث أن المجتمع السعودي يتكون من شرائح عدة مختلفة في البيئة والتركيبة الاجتماعية، لذا ينبغي مراعاة الفروق بين التراكيب الاجتماعية ومراعاة الفروق الفردية وبالتالي فإن حالات العنف المدرسي نسبية وتتعلق بعوامل عدة خارجة عن البيئة المدرسية لذا لا بد من مراعاة الظروف بين المراحل الدراسية والطبقات داخل المجتمع. وأضاف: "عندما كنت مرشداً طالبياً في إحدى المدارس سابقاً، وفي حي النسيم بالتحديد شرق مدينة الرياض شاهدت طالباً تكاد الجروح أن تخفي وجهه نتيجة الاعتداء عليه من قبل زميل له بمشرط آلة حادة وهو في الصف الخامس الابتدائي، ومثل هذه الحالات موجودة في المجتمعات ذات التعليم الأدنى". وعن دور المدرسة في مثل هذه القضية الهامة أوضح القحطاني أن "مهمة المدرسة تربوية قبل ان تكون تعليمية، لأن عملية تنظيم الطلاب داخل الصف، والقاء السلام من المعلم على الطلاب وغيرها من الأمور هي تربية في حد ذاتها، وأياً كان تخصص المعلم فإن تربية الطفل واكسابه الاخلاق والقيم الفاضلة هي من اولوياته، واعتقد ان عدم السماع او الاستماع للطالب هي حال مرفوضة من المعلم، كون العلاقة بين الطالب والمعلم هي علاقة حوارية نقاشية اكسابية، وبالتالي فإن عدم الاستماع للطالب يسبب كبتاً نفسياً يؤدي في بعض الحالات الى كره المعلم والمادة". اعتداء المعلمين وأضاف الغيث: "بعد أن انتهى الضرب من المدارس أو كاد، ما زال هناك بعض المعلمين الذين يقذفون بعض الطلاب بكلام جارح أو يحرجونهم أمام زملائهم عن قصد أو غير قصد، وهم بذلك يحثون الطالب في شكل أو بآخر على الانتقام منه لعدم مراعاتهم لكرامته. وأشار الى "أن الفرصة الوحيدة لرد الاعتبار هو بعد نهاية الامتحان، لذا نلحظ كثرة عملية تهشيم زجاج سيارات المعلمين أثناء الامتحانات وبعدها، من هنا ينبغي على المعلم أن يزن عباراته الموجهة للطالب قبل أن يقولها، حرصاً على عدم جرح الطالب أو احراجه، حتى لا يتسبب في حدوث عنف مستقبلي". ويشير الى ان هناك جيلاً من المعلمين الحاليين غير مؤهلين التأهيل المناسب الذي يسمح لهم بالتعامل مع الطالب من ناحية تربوية وسلوكية خاصة، والدليل على ذلك هي الحالات التي نطالعها في الصحف، والاعتداءات المتكررة نوعاً ما من المعلمين على الطلاب. ويجب النظر الى حالات اعتداء الطالب على المعلم بصورة متوازنة وعدم إلقاء اللائمة على الطالب، ومن ذلك ما حصل لمعلم كان يقف بسيارته عند إحدى الإشارات المرور، وصادف أن كان هناك مجموعة من الطلاب إلى جانب الطريق، ما أدى إلى تهشيم زجاج سيارة المعلم، بسبب حقد متراكم على المعلم نفسه ، وتطورت المشكلة ووصلت إلى المحكمة. وعن تكدس الطلاب بأعداد كبيرة داخل الفصل الواحد وما يسببه من ازدحام خانق قال القحطاني ان "ضخامة عدد الطلاب قد يكون سبباً فاعلاً بحكم ازدحام الفصل وبالتالي عدم استيعاب المعلومات من قبل الطالب، الذي قد يحدث رد فعل سلبياً تجعله يقوم بعمل طائش للتنفيس لا غير، الامر الذي يتسبب في الكثير من حالات العنف". ويرى الغيث أن تكدس الطلاب بأعداد كبيرة، بسبب ضيق مبنى المدرسة عامل مهم جداً في إبراز السلوكيات السلبية، وعامل مهم في حدوث الاحتكاكات، ولنتصور أن هناك فصلاً ضيقاً مساحته 16 متراً مربعاً ويوجد بداخله ثلاثون طالباً، فعند وجود الاحتكاكات بصورة دائمة، قد تولد شرارة بسيطة لخلاف يتطور خارج المدرسة، الى مشادات كلامية واشتباك بالأيادي في أقل الأحوال. دور الأسرة وعن دور الأسرة ممثلة في أولياء الأمور يرى القحطاني "أنه ما زال يعيش بيننا الى هذه اللحظة اولياء امور يحرضون ابناءهم على اعمال العنف، بقولهم المشهور خذ حقك بيدك ولا تشتك على احد، ويقال دائماً ان لكل قاعدة شواذ، ولكن المشكلة هنا ان القاعدة والاصل هي عدم مبالاة اولياء الأمور بالحضور الى المدرسة والسؤال عن الابناء، الا في حالات الرسوب او الإخطار بضرورة الحضور او رجوع الطالب محملاً بشكوى ضد المدرسة، عندها فقط يبدأ ولي امر الطالب بالحضور فقط لحل الازمة، ومن دون السؤال عن دوافعها ومسبباتها، فإذا كانت الأسرة تنبذ العنف في محيطها فسوف ينبذ الطالب العنف خارجها، ولكن هناك مفاهيم خاطئة عند بعض الطلاب، تتشكل معظمها من الأسرة، يتمثل "بأخذ الحق باليد" من دون إخطار البيت أو المدرسة. ويقول الغيث ان "الأسرة هي النواة الأولى للتنشئة الاجتماعية للفرد وكان دورها في الماضي كبيراً ومؤثراً، أما الآن فقد أصبح الإعلام هو النواة الأساسية للتنشئة وخصوصاً التلفزيون، فمن النادر أن تشاهد طفلاً أو مراهقاً ينشغل عن أفلام الرسوم المتحركة "الكارتون" أو الأفلام المثيرة المستوردة بثقافة وهوية غريبة ومسمومة ، وإذا احتاج إلى إشباع أكثر اتجه نحو الفيديو أو نحو القنوات الفضائية المتخصصة الموجهة للأطفال والشباب". ويتابع: "في هذه المدرسة يوجد لدي طلاب ينامون في الصف بسبب سهرهم في البيت، والخطير في الأمر أنهم في مراحل مبكرة جداً من الصفوف الأول والثاني والثالث الابتدائي، ونستشعر هنا أن رقابة الأهل هنا معدومة أو سيئة جداً، حول التحكم في ما يتعرض له الطفل من برامج تسلية وترفيه في نظر الوالدين، مع أنها بالنسبة الى الطفل هي برامج تشارك في تشكيل وبناء شخصيته وقيمه واتجاهاته". وعن وجود برامج أو لجان يندرج تحتها العنف المدرسي وتقوم على محاولة الحد منه، أجاب القحطاني ان "هناك لجنة الحالات السلوكية الطارئة، ويبدأ عملها في الحالات التي لا يستطيع المرشد الطالبي حلها والسيطرة عليها فتجتمع لجنة الحالات السلوكية الطارئة وتدرس هذه الحال واذا كان الحل هو الاجتماع بولي امر الطالب، يرسل في طلبه ثم نحاول التوصل الى علاج ناجح لهذه الحال". وأوضح الغيث أنه "توجد في كل مدرسة لجنة رعاية السلوك الطالبي ولكن تحتاج إلى تفعيل وتحفيز كبير خصوصاً بعد ظهور بعض السلوكيات الدخيلة من قصات غريبة للشعر أو ارتداء ملابس غريبة وبعض الألفاظ النابية أو دخول لعبة "البوكيمون" الخطيرة جداً وبعض الحركات التي يقوم بها الطلاب بعد تسجيلهم للأهداف في حصص الرياضة والتربية البدنية. كل هذه الأمور دخيلة على المجتمع عبر الاعلام المرئي والإعلان والمطبوع وبالتالي تقوم هذه اللجنة بمناقشة هذه الظواهر والسلوكيات ووضع الحلول المناسبة بحسب الامكانات المتاحة". كما يرى الغيث أن الاعلام يلعب دوراً فاعلاً، ولكن هناك بعض المؤسسات يجب أيضاً أن تلعب دوراً مهماً، كعملية متابعة تطور المشكلات خارج أسوار المدرسة وهو موجود في السعودية عند بعض المجمعات المدرسية خصوصاً الثانوية منها، اذ تتواجد بعض الدوريات الأمنية للإشراف على عملية خروج الطلاب بسلام ولضمان عدم وجود اشكالات، ولكن في المقابل فإن الجهات الأمنية مقصرة في التواصل الفكري والمعلوماتي مع المدارس، إلا إذا طلب منها وهذا قليل بل نادر جداً، لأنه لو زار احد رجال الأمن أي مدرسة وألقى محاضرة عن مسببات حالات العنف والحلول العملية، لكان وقعها أكبر وأشد في الطالب نفسه كون لرجل الامن صورة اخرى في اذهان الطلاب، وكما فرحنا بوجود بعض سيارات الأمن أمام المجمعات المدرسية، فإننا سنفرح كثيراً إذا كانت هناك زيارات ومحاضرات أمنية كل أسبوع أو كل شهر.