مرة أخرى يعود كل من الصحافي الشاب البلجيكي الأصل تان تان وكلبه الوفي ميلو وزميله العجوز الكابتن هادوك، الى واجهة الاهتمامات الاجتماعية بعد ان أثارت شخصية ذلك الشاب الذي لا يتقدم به العمر اهتمام الكثير من أصحاب الألوان الايديولوجية الذين يحاولون استخدامه للدعاية السياسية. منهم من يدعي ان شخصية تان تان دعاية للفاشية الجديدة، وهناك من يقول انه انتقل الى الامبريالي ومن ثم الى الشيوعي الثوري الفوضوي. كل تلك الاتهامات لم تخلق الكثير من الخلافات السياسية، لا بل انها اضافت الى شخصية ذلك الشاب الذي لا يشيب ولا يتعب المزيد من التنوع الذي دعم نقاشات تصل الى صالونات الكبار من سياسيي العالم. ولكن اتهام الشاب تان تان بأنه لوطي شيء لم تتحمله السلطات البلجيكية ولا القصر الملكي البلجيكي، خصوصاً بعد ان قامت الشرطة البلجيكية أخيراً بمصادرة 650 مجلداً لقصص "تان تان" مزيفة تحت اسم "تان تان في تايلاند" وتحكي عن الشاب تان تان اللواطي الذي ينتقل من بار الى بار ليشبع شذوذه الجنسي مع شبان من عمره. الكلب مثلي ايضاً ولم تقتصر هذه الحال على تان تان وحده بل امتدت الى كلبه الذكي الذي يظهر في تلك المجلات وهو يمارس اللواط مع قط، كذلك الحال بالنسبة الى الكابتن هادوك والبروفسور كالكيول اللذين لا يتوقفان عن الانتقال من بار لرقص العراة الى آخر. وبعد التحقيقات التي أجرتها الشرطة البلجيكية تبين ان المجلدات طبعت في "تايلاند" واعتقل على اثر المداهمات ثلاثة أشخاص يعتقد انهم أدخلوا تلك المجلدات تهريباً الى الأسواق البلجيكية ووصل سعر المجلد الواحد الى حدود 25 دولاراً اميركياً. كما تعتقد السلطات البلجيكية ان هناك الآلاف من النسخات المزورة موجودة في "تايلاند" وتهرب الى دول العالم، لذا تسعى أجهزة الأمن الى تعميم الحال على معظم أجهزة الشرطة في العالم من أجل ملاحقة المخالفين ووقف بيع تلك المجلدات التي أثارت استياء وزارة الخارجية البلجيكية. وكانت قضية تان تان اللوطي أثيرت عندما كان الأمير البلجيكي فيليب وزوجته متاتيلد في زيارة رسمية الى تايلاند، إذ قامت احدى أكبر الصحف التايلاندية "بانكوك بوست" التي تصدر بالانكليزية، بنشر جزء من حلقات تان تان اللوطي. ولم يتأخر رد فعل الشارع السياسي البلجيكي على ذلك. فقد قال المساعد في وزارة الخارجية انيمي نيوتس ايوتبروك "نحن لا نقبل استغلال أهم شخصية من قصصنا المصورة بهذه الطريقة البشعة التي لا تليق". ولكن السلطات البلجيكية لا يحق لها ملاحقة الفاعلين، فالأمر يعود الآن الى "جمعية تان تان" في بروكسل التي ورثت حق النشر عن مؤسس شخصية تان تان جورج رمي 1907 - 1983. ويأتي إلصاق تهمة الشذوذ الجنسي بتان تان ورفاقه ليخرق النقطة الوحيدة التي كان يتفق حولها ساسة العالم وهي ان "تان تان" لا يشرب الكحول وليس من نوع الأبطال أصحاب العلاقات الغرامية المتعددة وبالطبع ليس لوطياً. اختلفت الآراء حول "تان تان" من أقصى اليمين الى أقصى اليسار. فاليمينيون يدّعون ان تان تان ينتمي الى أقصى اليمين وانه معادٍ للشيوعية واثباتهم في ذلك رواية تان تان في الاتحاد السوفياتي - 1929 حيث يظهر انه من انصار الديموقراطية الغربية وتتنافى مبادئه مع مبادئ ماركس ولينين. وبعد زيارته الى الاتحاد السوفياتي قام بالسفر الى جمهورية الكونغو الافريقية تان تان في الكونغو ليخوض مغامرات جديدة. وهناك قام بالتفوه بعبارات مهينة للشعب الافريقي ما جعل اليمين الأوروبي المتطرف يدعي ان تان تان نازي متطرف، ولكن "تان تان في تايلاند" يمارس الشذوذ الجنسي كانت واقعة لم يتحملها الوسط البلجيكي. ولكن ما هو لون تان تان الحقيقي؟ مخترع الشخصية من المحتمل ان تان تان كان ينتمي الى الجبهة اليمينية خصوصاً ان مؤلفه جورج ريمي المعروف ب"هر غي"، كانت له علاقات كثيرة مع القادة الألمان ابان ظهور النازية في أوروبا، كما انه اعتقل على أيدي الحلفاء بعد انهزام هتلر واندحار الجيش الالماني عن بروكسل سنة 1944 بتهمة خدمة النظام النازي من خلال نشر قصص تان تان في جريدة لو سوار في بلجيكا، واطلق سراحه بعد اسقاط التهمة عنه، ولكن الاشاعات أو بالأحرى الحقائق لم تتركه ولاحقته طوال فترة حياته. مع مرور الزمن تغير خط تان تان السياسي ليتجه يساراً خصوصاً بعد أن قام بزيارة أميركا الجنوبية تان تان وبيكارو في فترة السبعينات حيث خرج بمظهر الثوري المدافع عن حقوق شعوب العالم الثالث. في العيد الخمسين لميلاد "تان تان" سنة 1979 أرسل الحزب الشيوعي الفرنسي احتجاجاً الى المؤلف "هر غي"، بعد انتقال تان تان الى الجبهة اليسارية ووصف الحزب تان تان بفضيحة سياسية. ولكن الحزب أعاد نظرته وأعلن أخيراً انه سيسامحه وسيعتبره شخصية ثقافية وليست سياسية. على رغم ان قصص تان تان التي باعت أكثر من 200 مليون نسخة منذ ولادتها في القارة الأوروبية، خلقت نقاشات سياسية بين اليمين واليسار وشكلت جبهات مع وأخرى ضد، وعلى رغم ألاعيب تان تان السياسية، اذ انه ينتقل من اليمين الى اليسار ومن النازية الى الثورية تكيفاً مع الأجواء، إلا انه يبقى ذلك الصحافي النشيط الذي استطاع أن يستمر بشبابه وقوته واندفاعه مصدراً للغة فرنسية جميلة استعان بها الكثير من الطلاب. ولا يزال هناك الملايين من طلاب اللغة الفرنسية الذين يلجأون الى قصص تان تان من أجل تقوية لغتهم الفرنسية. ولكن في تحويله الى لواي يكون تان تان قد نجح مجدداً في خلق جدل اجتماعي لا يتفق عليه الكثيرون، خصوصاً أن زمن الخلافات الايديولوجية قد خف بعض الشيء وأصابه شلل موقت، لذا فإن إلصاق تهمة جديدة بتان تان سيكون على الأرجح منبعاً لخلاف اجتماعي ليبرالي وراديكالي لا يتفق عليه الكثيرون وخصوصاً أهل بلجيكا.