أطلق ستانلي كوبريك فيلمه المثير للجدل "البرتقالة الآلية" عام 1971 وهو يحمل مقداراً كبيراً من العنف، وبدأت الشبيبة في عموم أوروبا آنذاك تستوحي منه الكثير من جرائمها، حتى اطلقت الصحافة الايطالية على أعمال العنف المشابهة التي تجري في الوسط الايطالي بين الحين والآخر تسمية العنف الآلي. وقبل سنوات طويلة تمتد الى منتصف خمسينات القرن الماضي تحطمت سيارة من نوع بورش كان يقودها النجم السينمائي الأميركي جيمس دين، 1932-1955 في كاليفورنيا، ولم يكن خبر موت جيمس دين، الذي كان لا يزال رمزاً للشباب الطائش، فاجعة في الوسط الفني في هوليوود فحسب، وانما شمل جيلاً من الشبان الذين يقلدونه في تسريحة شعره، ولبسه، وحتى مشيته، وقيادته للسيارة وسلوكه المتمرد على العلاقات والتقاليد العائلية والاجتماعية. ومع ان تجربة جيمس دين السينمائية لم تتجاوز سبعة أفلام، الا ان صعود نجمه الى القمة كان سريعاً، وقد ذاعت شهرته في فيلمه الشهير شبابٍ يحترق الذي يحمل مشاهد لنوع من العنف السينمائي الخاص والذي اصبح عنفاً مجانياً لا يزال يقود للموت في أيامنا الراهنة الكثير من الشباب الأوروبي. انه لعبة يشترك فيها المتفرج والفيلم معاً، تقود الشباب للموت وتتمثل في اجراء سباق السيارات الخاصة ليلاً بعيداً عن الأنظار. ويصحو الكثير من مدن الشمال الايطالي الثرية، وخصوصاً مدينة بولونيا العاصمة الاقليمية لمقاطعة اميليا رومانيا بين وقت وآخر، على اخبار موت شبابها في رهانات سرية لسباق السيارات التي تتم عادة بواسطة سياراتهم الشخصية أو سيارات ابائهم، لاستعراض القوة الطائشة على طريقة جيمس دين الذي امتلأت صوره من جديد في محلات بيع البوسترات الشبابية في جميع المدن، لتنتصب على جدران غرف نوم الشباب كرمز للتمرد ولرفض سلطة العائلة التي تتميز في ايطاليا بالتماسك اكثر من غيرها من العوائل الأوروبية. وعادة ما تكون هذه الرهانات التي يقوم بها شباب يكونون تحت تأثير تعاطي المخدرات أو الكحول، ما بين عمر 16 و22 سنة، للفوز بقلب شابة أو لتعزيز مواقع القوة والسطوة وزعامة تجمعات الشبيبة في المناطق السكنية، وأحياناً من اجل كسب رهان مادي، وفي أغلب الاحيان يقودهم عامل الضجر وحده. وسط ظلام الليل، بعد الخروج من المراقص في الساعات المتأخرة من ايام السبت، تحدد الأماكن البعيدة النائية للتجمع لينطلق الجميع اليها، ثم تحدد المسافات لينطلق الشباب بسياراتهم وسط ظلمة الليل ليحل الجنون، وتتأثر السيارات ومعها الصرخات يميناً ويساراً، وعادة ما تكون النتيجة جرحى وموتى وحضور للشرطة وسيارات الاسعاف والأهالي ورجال الصحافة. وقد استجدت خلال الأيام الأخيرة ظاهرة جديدة تتمثل بسباق الدراجات النارية والتي نتج عنها الكثير من الحوادث. أستاذ علم الاجتماع الايطالي بيير كالسالي، من جامعة فلورنسا يقول حول هذه الظاهرة بأن ايطاليا "تعودت على الحروب فترات طويلة من تاريخها، وأن الأجيال الجديدة، لم يشهد أبناؤها حروباً فيلجأون الى العنف كرد فعل لحالة الفقدان تلك". ويضيف كالسالي: "لقد أصبح هول العنف الغربي الذي نستشعره بوضوح في وقتنا الحاضر متزامناً مع العنف السينمائي، فلقد عاد الشباب الايطالي الى تلك الأفلام القديمة ليقلدوا أبطالها أمثال جيمس دين، وبروس لي، ورامبو، وارنولد شوارسنجر... الخ. لقد تخرج على يد قنوات التلفزيون والسينما شباب صغار يمارسون القتل ضد الغير وضد أنفسهم باستخدام كل ما هو متاح لهم، فالأسر الأوروبية عادة تشعر بالتهيب حين يدق ناقوس مرحلة المراهقة وكأن خطراً قادماً لا محال يتهدد ابناءها وبناتها، لذا تتهيأ باستعدادات مبالغ فيها لمواجهة الأخطار القادمة، فيواجه المراهق جداراً من المواقع والنواهي والرفض ما يولد الاكتئاب والحزن والتوتر وأعراض الملل والميل نحو العنف تجاه النفس وتجاه الآخرين. أساتذة الاجتماع والتربية الايطاليون في تقصيهم لهذه الظاهرة ودواعيها لربما يغفلون قصداً الأزمات السياسية والاقتصادية والأخلاقية التي تشكل أحد البواعث الأساسية للعنف الذي اخذ يصبح احد مظاهر الحياة في بلدان أوروبا الغربية.