} تضاربت الآراء في تفسير خلفية توافق رؤساء الجمهورية اميل لحود والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة رفيق الحريري على فكرة اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة، على أساس الترشح في القضاء والأخذ بالتمثيل النسبي. واذ اعتبر البعض ان لا شيء يمنعهم، باقتراحهم هذا، من اطلاق حوار مبكر في شأن قانون الانتخاب الجديد، رأى البعض الآخر ان الهدف نقل السجال الى مكان آخر، بدلاً من التركيز على البرنامج الاقتصادي للحكومة، بما يتيح لها التصرف بعيداً من الضغوط السياسية. يرفض رئيس الحكومة رفيق الحريري قول البعض إن الدعوة المبكرة الى فتح المعركة على قانون الانتخاب الجديد، باعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة، تهدف الى حَرف النظر عن التركيز على برنامج الحكومة الاقتصادي. ويؤكد ل"الحياة" ان "مثل هذا الكلام يحمل اتهاماً مباشراً للحكومة بأنها لا تود اشراك القوى السياسية، في ابداء رأيها في التدابير والاجراءات الاقتصادية التي تنفذها الحكومة". ويضيف: "ان اتهامنا بتغييب القوى السياسية وعدم اشراكها في مناقشة التدابير الاقتصادية، يسقط من تلقاء نفسه، بمجرد بدء المشاورات الواسعة التي سأقوم بها اعتباراً من غد اليوم الاثنين، لإبلاغ من يعنيهم الأمر أن الحكومة لا تتحرك في السر في معالجة المشكلة الاقتصادية، ولا تبقي افكارها تحت الطاولة، بل ارادت توسيع رقعة الحوار للاستماع الى القيادات والفاعليات السياسية والكتل النيابية والاطلاع على ما لديها من ملاحظات أو أفكار يمكن ان تسهم في بلورة ما تطمح الى تحقيقه. ويؤكد الحريري انه لقي تشجيعاً من لحود وبري على رغبته في اشراك الآخرين في مناقشة التدابير الاقتصادية". ويقول: "كنت آليت على نفسي، عندما كلفت تأليف الحكومة، العودة الى القيادات السياسية للتشاور معها في القضايا الوطنية". وبالنسبة الى قانون الانتخاب، يقول "إننا طرحنا اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة على بساط البحث، ومن حق الجميع ابداء الرأي في هذه الفكرة التي لا نعتبرها ملزمة لأحد، بمقدار ما انها تنم عن رغبتنا في التزام ما كنا وعدنا به، وهو ان من غير الجائز للحكومة ان تضع القانون على عجل وقبل اسابيع من موعد اجراء الانتخابات. وهذا ما أشار اليه الرئيس بري أيضاً في أكثر من مناسبة". وفي هذا السياق، لا يؤيد مصدر مقرب من الرؤساء الثلاثة الرأي القائل إن لتوقيت طرح فكرة اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة علاقة بالمواقف التي تصدر عن البطريرك الماروني الكاردينال نصرالله صفير في جولته على عدد من الولايات الأميركية، لجهة القيام بهجوم مضاد من باب الاعتراض عليها وصولاً الى الضغط على القوى المحلية الداعمة له". ويضيف: "إننا لسنا في وارد اشغال اللبنانيين بقانون الانتخاب لشد الانظار الى الداخل بدلاًَ من تسليط الأضواء على مواقف البطريرك صفير، وقد ارتأى الرؤساء تحريك هذا الملف اعتقاداً منهم انه يجب ان يبدأ من فكرة معينة للبدء بمناقشة جملة من الأفكار يجب ان يتضمنها القانون الانتخابي الجديد". وعلى هذا الصعيد، يبدو ان اقتراح الدائرة الواحدة يلقى معارضة جبلية عبر عنها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط اضافة الى الوزيرين الياس المر وجان لوي قرداحي، من دون تغييب معارضة الرابطة المارونية. ولا يجوز التعامل مع معارضة المر وقرداحي كأنهما يعبران بطريقة غير مباشرة عن موقف مبيت لرئيس الجمهورية، في ضوء تأكيد أوساط بري والحريري تأييده الدائرة الواحدة، بمقدار ما أنهما يعبران عن موقف مسيحي في الجبل يرضي الغالبية الساحقة، في مقابل تريث عدد من الوزراء في ابداء رأيهم، وبينهم نائب رئيس الحكومة عصام فارس الذي دعا الى اعطاء الأولوية في الوقت الحاضر للملف الاجتماعي. لذلك هناك من يعتقد ان طرح الدائرة الانتخابية الواحدة ستبقى مجرد فكرة تعبر عن رغبة قوى أساسية. فإلى الرؤساء الثلاثة، يؤيدها رئيس الحكومة السابق النائب عمر كرامي و"حزب الله" والحزبان السوري القومي الاجتماعي والبعث العربي الاشتراكي. أما لماذا ستبقى فكرة تجد صعوبة في من يعتمد تسويقها؟ يجيب قطب سياسي ان هناك عاملين يحولان دون تمرير الدائرة الواحدة: المعارضة الجبلية والتعاطي معها على انها مخالفة لوثيقة الوفاق الوطني التي نصت في الفقرة "ج" على "ان الانتخابات تجري وفقاً لقانون انتخاب جديد على أساس المحافظة يراعي القواعد التي تضمن العيش المشترك بين اللبنانيين وتؤمن صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب واجياله وفعالية تلك التمثيل، بعد اعادة النظر في التقسيم الاداري في اطار وحدة الأرض والشعب والمؤسسات". وعليه يعتقد ان اعتماد الدائرة الواحدة كحد أقصى لقانون الانتخاب سيلقى معارضة سياسية ما لم يتأمن لتسويقها "لوبي مسيحي" له وزنه في جبل لبنان وبالتالي فإن طرحها ربما يخفي العودة الى اعتماد المحافظات بعد ان يعاد النظر في التقسيم الاداري. ويؤكد ان الحل التوفيقي سيكون بتقسيم كل محافظة محافظتين مع ابقاء بيروت دائرة انتخابية واحدة، مستبعداً أي تسويق لقانون انتخاب ينطوي على استثناءات، ومعتبراً ان هناك صعوبة في الموافقة على قانون يكون بمثابة نسخة طبق الأصل عن الذي اعتمد في الانتخابات النيابية السابقة، وافتقد الى المساواة بين اللبنانيين. ويعتبر ان اعتماد الدائرة الواحدة بذريعة تحقيق الانصهار الوطني وتغليب الخطاب السياسي الشامل على الخطاب المناطقي والمذهبي لن يكون بحرق المرحلة الانتقالية التي تحتاج الى تحضير يتجاوز تجديد الحياة الحزبية الى حماية صحة التمثيل السياسي، بدلاً من اشعار فريق أو أكثر من اللبنانيين أن انضمامهم الى "التحالفات الكبرى" يؤمن لهم مقاعد نيابية بصرف النظر عن حجم تمثيلهم على مستوى القضاء أو المحافظة. الى ذلك، اكد الحريري ان التعيينات الإدارية لم تبحث بين الرؤساء الثلاثة. وقال ل"الحياة" إن "الجميع يفضلون البحث فيها بعد الانتهاء من مناقشة البرنامج الاقتصادي للحكومة". وعزت مصادر رسمية استبعاد طرح التعيينات الى "رغبة في تجنب حصول خلاف يمكن ان يؤثر سلباً في معالجة الأزمة الاقتصادية". وتوقعت تشكيل لجنة للبحث في هذه المسألة.