بدء التداول غير الرسمي بأبرز العناوين التي سيتضمنها قانون الانتخاب الجديد على رغم اصرار كبار المسؤولين على الاحتفاظ برأيهم من التقسيمات الانتخابية الى ان توضع مناقشته على نار حامية، افسح في المجال امام سجال يدور في الدرجة الاولى على المصير الانتخابي لبيروت. واستباقاً لما يحضر لبيروت في سياق قانون الانتخاب، بادر رئيس الحكومة سليم الحص بإعلام المحيطين به بأنه لا يوافق، اياً تكن الاعتبارات، على تقسيم العاصمة دوائر انتخابية، بذريعة ان التقسيم الذي يشمل بقية المحافظات لا بد من ان يسري عليها. ونقل مقربون عن رئيس الحكومة ان "تقسيم بيروت يعتبر من سابع المستحيلات ولن أؤيده" مؤكداً ان "العاصمة يجب ان تبقى موحدة ولا يجوز الانجرار وراء الدعوات الى تقسيمها خشية ان يؤثر ذلك في الانصهار الوطني". وإذ يلتقي الرئيس الحص على هذا الصعيد مع رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، يكشف الاخير امام زواره عن الحوار الذي دار اخيراً بينه وبين رئيس الجمهورية إميل لحود رغبة منه في قطع الطريق على ما يتردد من حين الى آخر، انه لا يمانع اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة او تقسيم جبل لبنان دائرتين، في حال تقرر صرف النظر عن الدائرة الواحدة لكل لبنان، آخذاً على عاتقه اقناع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط بالقبول بواحد من الاقتراحين. وأكد الحريري ان قانون الانتخاب عرض في عمومياته مع لحود عندما سأله عن رأيه، نافياً ان يكون الحديث بينهما تناول تقسيم الدوائر الانتخابية. وأضاف ان "البحث مع لحود في قانون الانتخاب جاء في استعراض التداول في الاوضاع الراهنة، وانه اجاب ان لا مشكلة لديه في اي قانون شرط ان يراعي ما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني المنبثقة من اجتماع النواب اللبنانيين في مدينة الطائف السعودية". وتابع "قلت للرئيس لحود ما معناه انني لن اتقدم بتصور لقانون الانتخاب ما دمت انت تتحدث عن ضرورة التوصل الى قانون متوازن يؤمن المساواة بين المناطق واللبنانيين على السواء ويحفظ صحة التمثيل". وبالنسبة الى تقسيم بيروت، قال الحريري ان "العاصمة يجب الا تقسم لأن ذلك يعني العودة الى الدوائر وهذا ما يتعارض مع وثيقة الوفاق التي نصت على اعتماد المحافظة بعد اعادة النظر في التقسيم الاداري في اطار وحدة الارض والشعب والمؤسسات". وسأل "لو افترضنا ان البعض يطالب بتقسيم بيروت، بحجة ان كل المحافظات ستقسم اكثر من دائرة انتخابية. فهل هذا يعني ان العاصمة ستقسم الى محافظتين او اكثر، فضلاً عن انه يخالف روحية الطائف ويطلق العنان امام تسويق الخطاب الطائفي كبديل من الخطاب الوطني الشامل". حتى ان الحريري لا يؤيد التأهيل على اساس القضاء، ما دامت التقسيمات الانتخابية ستتجاوزه الى الدوائر المتوسطة، معتبراً ان "في الامكان اعتماد التأهيل في حال تم التوافق على المحافظات بحدودها الراهنة دوائر انتخابية". واللافت ان الحريري لا يخفي ضمناً رغبته في مراعاة رئيس المجلس النيابي نبيه بري والنائب جنبلاط في تقسيم الدوائر الانتخابية. وفي المقابل، لا يبدي بري، بحسب اوساطه، حماسة لخفض سن الاقتراع الى 18 عاماً، في موازاة تأييده الشديد لاعتماد المحافظة بحدودها الحالية دائرة انتخابية، من دون ان يمانع التأهيل في القضاء، وفي حال لم يؤخذ بهذا الاقتراح يصر على تعليق التقسيم الانتخابي في الجنوب الى حين زوال الاحتلال الاسرائيلي. وعلى خط آخر تمتنع دمشق عن ابداء رأيها في المشاريع الانتخابية التي اودعها الاطراف السياسيون، اللجنة الوزارية برئاسة نائب رئىس الحكومة وزير الداخلية ميشال المر المكلفة صوغ مشروع القانون. ويبقى الكلام المنقول عن كبار المسؤولين السوريين محصوراً في استبعاد القضاء دائرة انتخابية بناء على رغبة الغالبية الساحقة من اللبنانيين مع عدم حماستهم لتقسيم بيروت. لذلك، فإن الحوار الذي بدأ بين جنبلاط والمر لم يدخل حتى الساعة في صميم التقسيمات الانتخابية، وان كانا ركزا على الافكار المتداولة لتقسيم الجبل على امل ان تستكمل في وقت لاحق، ليعقب ذلك تطبيع للعلاقة بين الرئيس لحود وقيادة الحزب التقدمي. وباشرت الاخيرة ابداء حسن النيات رغبة منها في تحضير الاجواء استجابة للرغبة السورية. وبالنسبة الى "حزب الله"، يظهر انه يحبذ اعتماد الدوائر المتوسطة من دون ان يبدي استعداده لخوض معركة مع بري، ان في شأن التقسيمات وإن في خفض سن الاقتراع. وهذا ما يفسر احجامه عن ان يكون رأس حربة في التصدي للذين يعارضونه. وعزت مصادر الحزب السبب الى ان دعمه الدوائر المتوسطة، وان كان يمكن ان يرفع من حصته في المجلس النيابي، لا يعني رغبته في "استفزاز" بري ما دام الطرفان ومهما اشتدت بينهما المنافسة سيضطران في نهاية المطاف الى التوافق، اي انهما سيجدان نفسيهما محكومين بسقف التحالف الذي تحرص عليه دمشق. وهذا ما ثبت في دورتي الانتخابات السابقتين. في ضوء ذلك، يعيش الاطراف السياسيون حال ترقب، ويتعاطون ببرودة اعصاب مع المشاريع المقترحة باعتبارها بالونات اختبار لتقطيع الوقت الضائع، في انتظار البحث الجدي في القانون، خصوصاً ان الحكومة لم تقل كلمتها فيه بعد.