انتقلت خطة الادارة الاميركية الجديدة، بتهديد ومساومة العرب وهم على أبواب القمة المنتظرة في الأردن، من حيز الاتصالات الديبلوماسية الى حيز الاعلام العلني. جوهر التهديد الاميركي والمساومة الاميركية للعرب هو: اذا كنتم تريدون من الولاياتالمتحدة موقفاً يلجم رئيس الوزراء الاسرائيلي شارون، فعليكم ان تقبلوا الخطة الاميركية الجديدة لمواصلة فر ض العقوبات على العراق، حتى لو تضمنت قصفاً جديداً لأراضيه، وهي الخطة التي عرضها وزير الخارجية كولن باول على الزعماء العرب في جولته الأولى في المنطقة قبل مدة وجيزة، وسمع بصددها كلاماً رافضاً أو غاضباً أو مستنكراً أو مطالباً بسياسة اميركية جديدة تبدأ من منطلق إلغاء الحظر الاقتصادي ووقف الغارات التي لا مبرر لها، وكان باول قد اعترف علناً بمعارضة الزعماء العرب للموقف الاميركي المتعلق بالعقوبات والغارات، ووعد بخطة جديدة، واعرب عن أمله بأن تلقى تأييد الزعماء العرب. وبالأمس، انتقل باول الى موقع جديد في عملية التهديد والمساومة، معبراً علناً عن مواقف شديدة التأييد لاسرائيل، في القضايا التي يعتبرها العرب محرمة، مثل قضية القدس، وأرفق ذلك بتصريحات تعلن بصراحة، أو بوقاحة، انه ينتظر مواقف تأييد علنية من الزعماء العرب لخطة المقاطعة التي سيعرضها قريباً في الاممالمتحدة. الموقف الأول بشأن القدس عبر عنه باول امام لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس النواب الاميركي، وقال فيه ان الرئيس جورج بوش "لا يزال ملتزماً نقل السفارة الاميركية الى عاصمة اسرائيل وهي القدس". واضاف شارحاً "العملية تسير، لم نبدأ اي اجراءات بعد... وسنواصل بحث كيف ينبغي ان تبدأ هذه العملية". وعبر باول عن الموقف الثاني المتعلق بموقف الحكام العرب من خطته في شأن العراق، في مؤتمر صحافي عقده مع وزيرة خارجية السويد التي تترأس حالياً المجموعة الأوروبية، فبعدما اشار الصحافيون الى ان الزعماء العرب لم يعربوا عن تأييده بدرجة كبيرة، قال: "أعتقد ان التأييد سيصبح علنياً في الأيام والاسابيع المقبلة، عندما يبحثون كيف سيؤيدون المبادرات التي سنعرضها في الاممالمتحدة". ولا نعتقد ان هناك تهديداً أو مساومة اميركية للعرب أوضح من هذا التهديد أو هذه المساومة. التهديد بنقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس، والتهديد بإعلان اعتراف اميركي رسمي بأن القدس عاصمة لاسرائيل، واذا كان هذا لا يعجب الحكام العرب، فمن الممكن التفاهم، شرط دفع ثمن الاحجام الاميركي عن هذا الاعلان، بالموافقة على الخطة الاميركية ضد العراق وتأييدها. جاء هذا الموقف الاميركي بالصدفة؟ عشية نيل حكومة ارييل شارون ثقة الكنيست الاسرائيلية بها، وهي الثقة التي ترافقت مع اعلان شارون ان القدس عاصمة أبدية للشعب اليهودي، وبهذا يقدم الموقف الاميركي أكبر دعم لحكومة شارون، بل اكثر مما كان ينتظر شارون نفسه. لقد انفجرت الانتفاضة الفلسطينية يوم زار شارون القدس متحدياً الفلسطينيين والعرب والمسلمين، وها هي الإدارة الاميركية الجديدة تبدأ عهدها مع العرب بنبش قضية القدس وإثارتها ووضعها بصورة متحدية في وجه الفلسطينيين والعرب والمسلمين، وبخاصة بعد قرار واضح في هذا الشأن اتخذته القمة الاسلامية الأخيرة، وأوضحت فيه بالتحديد أنها ستقاطع كل من ينقل سفارة بلاده الى القدس. ولا شك بأن هذه ستصبح قضية جديدة تضاف الى جدول أعمال القمة العربية المنتظرة، وتحتاج معالجتها الى ارادة وشجاعة، وهما ارادة وشجاعة تراقبهما منذ الآن عيون الملايين.