تخطى الجدل في شأن الإنترنت ووسائل المعلوماتية الأخرى إطار البحث في ضرورتها أو أهميتها إلى قراءات عن نتائجها الاجتماعية والسياسية والإقتصادية، وإلى النظر في المنظومة الجديدة التي أرستها على غير صعيد. لم يعد السؤال: هل نستخدم الإنترنت، أم لا؟ ولم يعد المجال مفتوحاً للبحث في ضرورة استخدام الكومبيوتر، أو انتفاء الحاجة إلى هذا الاستخدام. وهذا البحث مؤجل - في الوقت الراهن على الأقل - لأن التكنولوجيا فرضت نفسها على حياتنا لأسباب متنوعة منها السياسي بالطبع، وصار الالتحاق بعالمها ضرورة لا مفر منها، لئلا يبقى الأفراد والدول على هامش الحياة الجديدة. كيف تصير هذه "التكنولوجيا" أسلوب عيش؟ وكيف يفيد منها من لا يتجاوز دخله دولاراً في اليوم ؟ في موازاة الحديث عن احتكار الشركات الكبرى سوق المعلوماتية، ثمة محاولات تبذل لتغيير هذه الصورة، قد تندرج في خانة "تبرئة النفس"، وقد تكون سياسة جدية ليصير العالم كله مجتمعاً معلوماتياً، منها طرح شركة "سيسكو سيستم" ضرورة جعل المعلوماتية متوافرة مجاناً للجميع، وتحضير الطلاب لسوق العمل في ميدانها ليلبوا حاجاتها. ولتوضيح هذه الرؤية، التقت "الحياة" ممثل الشركة في الشرق الأوسط محمد عبدالملك الذي لفت إلى أن ما شجع "سيسكو" على الخوض في المشاريع الجديدة ذات الطابع الأكاديمي، هو الحاجة إليها وضرورة توفير بيئة معلوماتية في المجتمعات، وتحت شعار تحضير الطلاب لحياة القرن الحادي والعشرين. كانت البداية عام 1997 في الولاياتالمتحدة الأميركية، حيث أطلقت الشركة مشروعها الأكاديمي "برنامج سيسكو الأكاديمي للتشبيك"، ونظمت دورات ومناهج دراسية معلوماتية في عدد من المعاهد والكليات، لتهيئة الطلاب قبل تخرجهم، لظروف سوق العمل. فقد أظهرت استطلاعات الرأي الأميركية - منذ أربع سنوات - النقص الفادح الذي تعانيه سوق العمل، وحاجتها إلى عدد كبير من المتخصصين في المعلوماتية، من تقنيين ومهندسين وغيرهم . التدريس الالكتروني كمفهوم جديد وفي شرح للبرنامج، جاء في الكتيب الذي أعدته الشركة عنه، أن الإنترنت ظهرت كقوة ثورة جديدة في حياتنا، وأعادت تحديد أساليبنا في التواصل والعمل والتسوق وحتى اللعب. ولا يمكن نفي تأثيرها في وسائل التربية والتعليم، لأنها أسهمت في زيادة عدد المعلومات التي نستطيع الحصول عليها، وغيرت أيضاً أساليب توافرها لنا، في حين تعددت أنواع هذه المعلومات. ويرد في الكتيب أن البرنامج هو "أكثر من منهج دراسي ، هو نظام التدريس الجديد أو ما يسمى بالتدريس الإلكتروني"، وأن تعليم هذا المنهاج يتم بطرق مختلفة اعتماداً على وسائل إعلامية مختلفة سمعية وبصرية، إلى أفلام ورسوم بيانية. دراسة هذا المنهج تكون في سبعة فصول، ويتابعه المتابعون لاختصاصات في المعلوماتية، أو أخرى متعلقة بها . وأوضح عبدالملك ل"الحياة" أن هذا البرنامج امتد ليشمل أكثر من أربعين دولة، منها دول عربية هي مصر والإمارات العربية المتحدة ولبنان والمملكة العربية السعودية والأردن، يتابعه نحو 153 ألف طالب في 6500 مؤسسة أكاديمية من 89 بلداً. وأوضح أن هدف هذا البرنامج لا يلخص فقط بتأمين التدريب لسوق العمل وسد الحاجة إلى متخصصين في المعلوماتية، بل يرمي أيضاً إلى توفير البيئة المعلوماتية أو المجتمع المعلوماتي، لذا فهو ليس عملية أكاديمية بحتة بل يرتبط بالإقتصاد، وله بعد إجتماعي. كذلك لفت إلى أنها مبادرة مجانية تقدمها "سيسكو" إلى المعاهد والجامعات. وهي إلى تجهيزها إياها بالمعدات اللازمة لتطبيق البرنامج، تدرب المدرسين عليه ليعلموه للطلاب. فقد أرسل مثلاً أساتذة في الجامعات اللبنانية ليتدربوا على البرنامج في لندن. وشدد عبدالملك على أن الشركة لا تمانع إذا عقدت الجامعات أو المعاهد الكبرى اتفاقات مع المعاهد الصغرى لتدريسه. ورأى عبدالملك أن هذا البرنامج جاء تطبيقاً عملياً لرؤية تطرحها الشركة بضرورة أن يكون الوصول إلى المعلومات مجانياً، وانتقد بنى السياسة المعلوماتية في العالم . "فلتنمية أي قطاع يجب توفير المعلومات مجاناً للجميع ولا يجوز عدم معالجة الهوة الرقمية التي تعانيها دول المنطقة". وشدد على الدور الذي يجب أن تقوم به السلطات لحل هذه المشكلة، من خلال إقامة مراكز عامة للإنترنت والمعلوماتية في شكل عام، "فمن ليس متصلاً بالإنترنت، سيكون خارج منظومة الحياة" التي أخذت تسود. وشرح تفصيلاً مضار عدم الارتباط بعالم المعلوماتية، كأن تعاق مثلاً إمكانات تطور إنتاج الأفراد. وقاد الحديث عن ضرورة طرح المعلومات مجاناً إلى ضرورة الافادة من كل التقنيات لتوسيع رقعة انتشارها أكثر وأكثر. من هنا جاء تركيز "سيسكو" على تطوير تقنيات الإنترنت اللاسلكية، وأهمية هذه الخطوة مع التطور الهائل الذي يشهده الهاتف النقال. وقد وقعت إتفاقات مع شركات إنتاج الهواتف النقالة ك"نوكيا" و"موتورولا"، واتفاقين مع شركتي المعلوماتية والإنترنت "ايرونت" و"كلاريتي سيستمز". ويعود هذا الجهد إلى وعي الشركة لمستقبل الإنترنت اللاسلكية. فهو، على ما قال عبدالملك، يعطي إحساساً أكبر بالحرية، من خلال طرحه إمكانات استخدامه أينما وجد المرء، من دون الحاجة إلى أسلاك ومعدات لربط الكومبيوتر به أو مأخذ كهربائي أو ما إلى ذلك. [email protected]