انهالت المكالمات الهاتفية على المحللين السياسيين المصريين وخبراء الشؤون الاسرائيلية والعالمين ببواطن الأمور لقضية الشرق الأوسط والصراع العربي - الصهيوني من جانب الصحافيين ومراسلي وسائل الاعلام، وكان السؤال دائماً، كيف تتعاطى مصر مع الحكومة الاسرائيلية الجديدة التي سيترأسها "الارهابي" ارييل شارون؟ فالأوساط المصرية الرسمية والشعبية تيقنت منذ أسبوع بأن شارون صار "قضاءً وقدراً" وأن إعلان فوزه رسمياً بمنصب رئيس الوزراء مجرد "مسألة وقت" وأن التعاطي معه "أمر واقع". وموضوع شارون على عكس ما جرى في آيار مايو 1999 حين ساد الاعتقاد، قبل الانتخابات، بأن ايهود باراك "رجل السلام" سيملك سدة الحكم في اسرائيل بينما الان هناك، حالة من الإحباط والشعور بالتشاؤم من ما يخبئه المستقبل. وعلى رغم ان العبارات الصادرة عن المسؤولين الرسميين خلال الساعات والأيام الماضية، وعلى رأسهم الرئيس حسني مبارك، اتسمت بالانضباط والتعقل وعكست رغبة في عدم الدخول في مهاترات الهجوم المسبق على شارون او الرد على تهديداته، إلا أن وسائل الاعلام الرسمية والصحف القومية لم تضع حواجز بروتوكولية ولم تلتزم القواعد الديبلوماسية وهي تتعاطى مع الأمر الذي تحول الى واقع، والمستقبل الذي صار مظلماً، فعكست من دون مواربة أو تجميل المشاعر الحقيقية للمصريين تجاه شارون. واذا كان طبيعياً أن يلجأ التلفزيون الرسمي الى المستشار السياسي للرئيس حسني مبارك اسامة الباز ليطرح على المواطنين توجهات السياسة المصرية في التعاطي مع "عهد شارون" فإن اللافت ظهور الباز على شاشة التلفزيون مساء أول من أمس ومعه استاذ في علم الفلسفة الدكتور قدري حفني، عضو الوفد المصري في مؤتمر مدريد للسلام، اذ تولى حفني تفسير اسباب فوز شارون المؤكد بأصوات الاسرائيليين الذين اختاروا في الانتخابات السابقة باراك وفضلوه على معسكر اليمين. وشدد حفني على ضرورة عدم الفصل بين اسرائيل كدولة دينية والحال الاصولية التي تسود العالم. وأوضح حفني ان الاسرائيليين "اصيبوا بهيستريا كان باراك السبب في اصابتهم بها لفشله في تحقيق الأمن لهم او الوصول الى مسيرة السلام الى نهايتها". وقال: "الشخصية الاسرائيلية منقسمة الى قسمين: الاول يقوم على التعالي والغطرسة والإحساس بالقوة، والقسم الآخر عكس ذلك تماماً يسوده الخوف والهلع إلى درجة الجبن. فحين كان الاسرائيليون يقصفون المدن الفلسطينية ويقتلون الاطفال كانت المدن التي تقع في اسرائيل تخلو من المارة في المساء في حال من الخوف الشديد والرعب الذي ساد قلوب الاسرائيليين". وأشار إلى أن الاسرائيليين "شعب يميل بطبيعته الى العنف لتعويض عقدة الماضي"، موضحاً أن الشعب الإسرائيلي "رأى أن باراك فاز في الانتخابات السابقة بأصوات العرب ولم يحقق شيئاً سلماً او عنفاً فاختاروا شارون الذي يمكن أن يحقق السلام من وجهة نظرهم بالعنف". الباز من جهته أكد مجدداً ان مصر "لا تتعامل مع اشخاص في اسرائيل وانما تتعامل مع مؤسسات وسياسات قائمة وان الذي ينوب عن اسرائيل هو حكومتها". وقال: "اذا اتبع شارون سياسات انتحارية وبقي على موقفه السابق فسوف يجني على شعبه والشعوب الاخرى وسيكون شعبه هو الخاسر الأكبر، وإذا أحسنت حكومة اسرائيل أحسنّا واذا أساءت فعلى الباغي تدور الدوائر". مؤكداً أن التهديدات الاسرائيلية بضرب السد العالي او أي مكان في مصر "لن تخيفنا ونحن جاهزون للرد ويجب علينا أن نأخذ هذا الكلام بكل جدية ولدينا الترتيبات الخاصة بذلك"، وان السد العالي "تحميه مظلة حمائية تكفل حمايته من أي اختراق على الاطلاق من اسرائيل او غيرها". وحذر من ان مغامرات شارون "ستحرم بلده من أي تعاطف دولي وحتى الجاليات اليهودية في العالم أجمع لا تتعاطف مع هذا الكلام". أما السفير المصري في تل ابيب محمد بسيوني، الذي سحبته مصر احتجاجاً على التصعيد الاسرائيلي ضد الفلسطينيين، فكان أكثر وضوحاً حين ظهر في برنامج التلفزيون وحذر من أن فوز مرشح معسكر اليمين الاسرائيلي في الانتخابات، "سيؤدي الى استمرار اعمال العنف وتصاعدها وتشكيل تهديد خطير لأمن واستقرار المنطقة"، مشيراً الى أن "الطرح الذي يطرحه شارون يقتصر على إعادة الارض فقط التي أعيدت الى الفلسطينيين ثم تستمر المحادثات مع تأجيل المواضيع الاساسية لفترات زمنية طويلة". ورأى أن فوز باراك "يجعل المنطقة تتجه الى استئناف محادثات السلام وستعاد العجلة مرة أخرى في الاتجاه الصحيح بالنسبة للمسيرة السلمية". واضاف "لا يهمنا ان يكون رئيس الوزراء الاسرائيلي شخصاً بعينه، ولكن المهم أن يكون رئيس الوزراء الذي سيقوم بتنفيذ الشرعية الدولية وقرارات مجلس الامن 242 و338 والقرار 194 الخاص بحق العودة ووضع الآلية اللازمة لتنفيذ هذه القرارات"، وتابع: "ان حزب العمل او حزب الليكود لا يمثلان لنا أهمية، بدليل ان اتفاقية السلام بين مصر واسرائيل وقعت مع مناحيم بيغن وهو يمثل أقصى اليمين وان ما يهمنا كعرب ان يأتي رئيس وزراء يكون قادراً ولديه الشجاعة الكافية لاتخاذ وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، مشيراً الى اننا لا نريد مزيداً من المحادثات وانما نريد قرارات شجاعة تنفذ الشرعية الدولية ووضع الآلية المناسبة لتنفيذ هذه القرارات". صحيفة "الأخبار" التي نشرت على صفحتها الأخيرة رسماً كاريكاتورياً لمصطفى حسين يصور باراك في صورة غانية تكاد لا ترتدي ثياباً تحت عنوان "باراك يفعل المستحيل من أجل النجاح" اعتبرت في افتتاحيتها أمس أن البرنامج الانتخابي لشارون "هو إعلان الحرب". وقالت: "يقول الشعب الإسرائيلي كلمته سواء للسلام أو لغير السلام! وأغلب الظن ستكون لغير السلام، حيث تشير كل استطلاعات الرأي أن الشعب الإسرائيلي سيقول "نعم" لأرييل شارون. وأظن أن تاريخه معروف في صبرا وشاتيلا. ومن الواضح، وشبه المؤكد هزيمة باراك وفوز شارون الساحق في الانتخابات، ونجد في إسرائيل في ما يشبه "السعار" الانتخابي تأييداً لشارون. مما يؤكد أن غالبية الشعب هناك لا تريد السلام! ونجد أصحاب القبعات والملابس السوداء، وهم المتشددون من الأحزاب الدينية يتحدثون بعصبية شديدة ويقولون في ما يشبه الهتاف: شارون... شارون... شارون. وخلاصة القول: إن المفاوضات في مهب الريح، وهي منذ فترة في مهب الريح منذ نتانياهو، وباراك بعد مصرع رابين! وهذه الانتخابات يطلق البعض على نتيجتها بأنها لن تكون فوزاً لشارون ولكنها هزيمة لباراك!". ودعت "الأهرام" إلى جهود دولية "لوقف شارون"، وقالت: إن "شارون سوف يأتي محملاً أكثر من باراك بكل تاريخه العدواني ومطامع وأوهام اليمين الإسرائيلي المتطرف التي تعبر في جوهرها عن المطامع والأوهام الأساسية التي قامت عليها الدولة العبرية. من هنا فإن تشاؤم جميع المراقبين والمهتمين بصراع الشرق الأوسط المعقد بما يمكن أن تتدهور إليه الأوضاع في تلك المنطقة الحساسة من العالم، يجد له أساساً حقيقياً في ما يحدث اليوم في إسرائيل". واضافت "إن المخاطر الكبرى التي يمكن أن تلحق بالشرق الأوسط والخليج وبالتالي العالم كله من جراء سياسات شارون المتوقعة في الحكم تدفع إلى مطالبة القوى الكبرى في ذلك العالم ومنظماته الدولية الى ضرورة التدخل الفوري والمباشر من أجل تطبيق قرارات الشرعية الدولية، والتوصل إلى حل نهائي وشامل وعادل لصراع الشرق الأوسط، بناء عليها، وأن ترك تلك المنطقة خلال المرحلة المقبلة لتفاعلات دولها المختلفة فقط يمكن له أن يؤدي إلى نتائج خطيرة على السلم والاستقرار الدوليين، وستكون سياسات شارون العدوانية هي المفجر الوحيد لها".