ليس سهلاً على أي شخصية فلسطينية سياسية أو اكاديمية رفض دعوة توجه اليه للمشاركة في ندوة سياسية أو ورشة عمل تتعلق بالوضع الفلسطيني تنظم في جامعة بيرزيت برام الله، خصوصاً اذا كانت هذه الدعوة من قبل الكتل الطالبية في الجامعة. فقد لعبت جامعة بيرزيت طوال تاريخ الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين دوراً مميزاً سواءً على الصعيد السياسي أو الاجتماعي، علماً أن عدداً كبيراً من قادة العمل السياسي الفلسطيني تخرجوا من الجامعة وكان معظمهم في يوم من الايام طلاباً فيها أو اساتذة. وطوال انتفاضة الحرم المندلعة منذ اواخر ايلول سبتمبر من العام الماضي حرص معظم قادة العمل السياسي على المشاركة في ندوات سياسية تناولت واقع المجتمع الفلسطيني في ظل الانتفاضة وافاق المستقبل. وتقع جامعة بيرزيت الى الشمال الغربي من مدينة رام الله، وتضم هذا العام 5 آلاف طالب وطالبة قدموا من مختلف الاراضي الفلسطينية، ومن ضمنها قطاع غزة حيث يقضي غالبية طلاب غزة طوال سنوات الدراسة الأربع في سكن الجامعة الداخلي بسبب عدم قدرتهم على العودة الى غزة نتيجة الحصار الاسرائيلي السابق والحالي. وتمثل الدراسة في جامعة بيرزيت حلم كل شاب وشابة ينظر الى مواصلة تحصيله العلمي، وهذا ما يؤكده التحاق طلاب من مختلف المدن في الجامعة على رغم وجود جامعات في مدنهم، فالطلاب يأتون من مدينة نابلس حيث جامعة النجاح الوطنية، ومن بيت لحم حيث جامعة بيت لحم، ومن مدينة الخليل أيضاً حيث جامعة الخليل. ويقول الطالب رائد نصار الذي قدم من بلدة دورا في الخليل: "ان الدراسة في جامعة بيرزيت تعتبر طموحاً لأي طالب أو طالبة". وبسبب تهافت الطلاب من مختلف المناطق الفلسطينية ومن بيئات اجتماعية مختلفة أيضاً على الدراسة في جامعة بيرزيت، اصبحت الجامعة مسرحاً لاختلاط البيئات الاجتماعية المختلفة، الأمر الذي تطلب من ادارة الجامعة والقائمين عليها العمل بجهد اكبر لاذابة أي فروق اجتماعية من الممكن ظهورها في الحياة الجامعية اليومية. فالطالب نصار المتخصص في ادارة الاعمال يعمل بعد الدوام في احدى الشركات من اجل الاستمرار في دراسته، في حين يمكن ملاحظة طلاب يأتون الى الجامعة بسيارات حديثة لا يملك المحاضرون مثلها. ويؤكد الطالب ايهم ابو غوش - سنة رابعة صحافة - ان الفروقات الاجتماعية تظهر جلية بين الطلبة موضحاً ان هناك اماكن داخل الحرم الجامعي يرتادها طلاب ذوو دخل عالٍ في حين هناك اماكن يرتادها ذوو الدخل المحدود . ويقول ابو غوش: "الا ان هذه الفروقات لا تظهر حينما يتعلق الامر بالوضع السياسي، حيث تذوب الفروقات الطبقية لصالح الانتماء الحزبي للطالب". ويضيف: "فعلاً العمل السياسي داخل الجامعة اذاب الفروقات الاجتماعية خصوصاً عند انتخابات مجلس الطلبة". وطبقت جامعة بيرزيت نظام التمثيل النسبي في انتخابات مجلس الطلبة، وهي المؤسسة الوحيدة التي تتم فيها الانتخابات بهذه الطريقة حيث تلقي انتخابات الجامعة التي تتم في بداية نيسان ابريل من كل عام بظلالها ليس على الجامعة وحدها بل على حياة الفصائل الفلسطينية المختلفة. ووصف احد الطلاب يوم انتخابات مجلس الطلبة في الجامعة بانه "عرس ديموقراطي". وتختلف الفئة العمرية لطلاب جامعة بيرزيت في فترة التسعينات عن السنوات السابقة، إذ كانت غالبية الطلاب يمضون سنواتٍ طوالاً في الجامعة للحصول على درجة البكالوريوس بسبب الاغلاق الاسرائيلي المتواصل للجامعة أو بسبب الاعتقالات التي كان يتعرض لها عدد كبير من الطلبة. ويمثل الطلاب الذين التحقوا في الجامعة منذ العام 9719 أكبر فئة عمرية اليوم في الجامعة، ومن المتوقع تخرجهم نهاية هذا الفصل. ومن الملاحظ ان الهم الأكاديمي والعلمي بدأ منذ سنوات قليلة بالطغيان على الهموم السياسية، الأمر الذي قد يؤدي الى بروز اشكاليات التفاوت الطبقي من جديد. وبرأي الطالبة هبة الطحان، ان الدور السياسي لطلاب جامعة بيرزيت تراجع عمّا كانوا يلعبونه في الماضي، الامر الذي أدى الى بروز نوع من الفروقات الطبقية. وقالت: "نعم اشعر بالفروقات الطبقية بين الطلبة منذ ان دخلت الجامعة، وفي اعتقادي ان سبب بروز هذا التفاوت الطبقي هو تراجع الدور السياسي للطلبة عما كانت عليه الحال ابان انتفاضة ال8719 مثلاً". الا ان طلبة جامعة بيرزيت كان لهم الدور الأبرز في انتفاضة النفق في العام 9619 وانتفاضة الاسرى بداية العام 2000، وفي هذا الموضوع يقول الطالب رائد نصار: "المشاركة في المواجهات باسم طلبة جامعة بيرزيت يتم اليوم من قبل مجموعة من الطلاب قد لا يتجاوز عددها 100 طالب، وهذا العدد من أصل 5 آلاف يعتبر لا شيء، فالحياة الاكاديمية اصبحت السمة الاساسية للدراسة في الجامعة". ويقول الطالب ايهم ابوغوش ان التفاوت الطبقي بين الطلاب بدأ يبرز في السنتين الماضيتين، مشيراً الى ان ادارة الجامعة تتحمل مسؤولية في هذا السياق سببه ابتكار مفهوم التعليم الموازي، وهو السماح لطلبة بالالتحاق في الجامعة على رغم ان معدلاتهم في الدراسة الثانوية لا تؤهلهم للدراسة فيها، وذلك بعد ان يدفع هؤلاء الطلاب ضعف الاقساط العادية. ويجيب مدير العلاقات العامة في الجامعة البرت اغازريان على هذه القضية بالقول: "هذه الحالات لا تتعدى اصابع اليد، وسبب استخدام التعليم الموازي هي اسباب ادارية مادية بحتة!". ويضيف: "لكن قاعدتنا الاساسية في الجامعة انه لن يكون العنصر المادي عائقاً امام قبول أي طالب مؤهل للالتحاق في الجامعة". واعتبر اغازريان ان مظاهر التفاوت الطبقي داخل الحياة الجامعية هو امر طبيعي يعبر عن حقيقة ما يدور في المجتمع الفلسطيني بشكل عام، مشيراً الى ان ادارة الجامعة في الوقت ذاته تحرص كل الحرص على عدم بروز هذا التفاوت وتطوره. وفي هذا السياق، أشار اغازريان الى الانظمة والقوانين التي تتعامل بها ادارة الجامعة، كنظام الانتخابات مثلاً، موضحاً انها تعمل على اذابة الفروقات والتفاوت الطبقي. وقال: "ما يحدث في جامعة بيرزيت هو نظام مدني مصغر لدولة مستقبلية مثلى". وفاخر اغازريان بنظام انتخاب مجلس الطلبة، وقال: "نحدد موعد الدعاية الانتخابية ونتفق على آخر يوم للدعاية ومن ثم المناظرة الانتخابية بين المرشحين للانتخابات، ويحضر ممثلون عن مختلف الكتل الطالبية المرشحة للانتخابات، كل هذا يتم في أجواء ديموقراطية بحتة". ومن ضمن الانظمة التي تشكل مصدر قلق لإدارة الجامعة منذ امد بعيد حتى اليوم، ولم تجد لها الحل الشافي ما وصف ب"مظاهر العسكرة داخل الحرم الجامعي"، ويقول اغازريان: "نحاول الابقاء على الحرم الجامعي مثالاً للمجتمع المدني بعيداً من أي مظاهر عسكرية، وتتفق معنا جميع الكتل الطالبية، الا انه ما زالت هذه القضية تعتبر اشكالية". ففي ذكرى انطلاقة حركة فتح هذا العام نظم انصار حركة الشبيبة في الجامعة مسيرة داخل حرم الجامعة، حمل المشاركون فيها الخناجر والسكاكين وهم ملثمون الامر الذي ادى الى استنفار ادارة الجامعة وعقدت اجتماعات مع ممثلي كافة الكتل الطالبية وخرجت في النهاية ببيان تؤكد فيه على رفض هذه المظاهر. وقال اغازريان: "في احدى احتفالات الكتلة الاسلامية صنع الطلبة نموذجاً لدبابة مجنزرة داخل الجامعة، من الكرتون الأمر الذي رفضناه أيضاًً". وأضاف: "نحن نريد حياة اكاديمية مدنية داخل الحرم الجامعي، وسط اجواء ديموقراطية هادئة يحترم فيها الطالب زميله سواء على الصعيد الفردي أو الجماعي". وتابع: "ونحرص أيضاً على الانفتاح على الحضارات الاخرى، حيث انشأنا برنامجاً خاصاً للطلبة الاجانب في الدول الاجنبية".