التعاون يواصل التعثر في «دوري روشن» بالتعادل مع الخلود    موسم للتشجير الوطني بنجران    المملكة تعرب عن قلقها إزاء تصاعد العنف بالسودان    30 جهة تشارك في المنتدى الحضري العالمي بالقاهرة    أودية ومتنزهات برية    مخالفو الإقامة الأكثر في قائمة المضبوطين    بالإجماع.. إعادة انتخاب عبدالله كامل رئيساً لإدارة مجلس «عكاظ» ل 5 سنوات    ميقاتي يتابع قضية اختطاف مواطن لبناني    حين تصبح الثقافة إنساناً    جدة: القبض على 5 لترويجهم 77,080 قرص «أمفيتامين» و9,100 قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    "فيفا" ينهي تقييمه لملف ترشح المملكة لإستضافة مونديال 2034    فرع الصحة بجازان ينظم مبادرة "مجتمع صحي واعي" في صبيا    وزير الإعلام يرعى ملتقى المسؤولية المجتمعية الثاني في 20 نوفمبر    في الجوف: صالون أدب يعزف على زخات المطر    بلدية محافظة البكيرية تنفذ فرضية ارتفاع منسوب المياه وتجمعات سطحية    المملكة تُعلن عن اكتشاف أكبر موقع تعشيش للسلاحف البحرية في البحر الأحمر    فان نيستلروي: يجب أن نكون وحدة واحدة لنحقق الفوز على تشيلسي    257,789 طالبا وطالبة في اختبارات نهاية الفصل الدراسي الأول بتعليم جازان    الجوف تكتسي بالبياض إثر بردية كثيفة    الهلال يطوي صفحة الدوري مؤقتاً ويفتح ملف «نخبة آسيا»    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تعقد المؤتمر العالمي لطب الأعصاب    اكتشاف قرية أثرية من العصر البرونزي في واحة خيبر    الأردن: لن نسمح بمرور الصواريخ أو المسيرات عبر أجوائنا    رونالدو يعلق على تعادل النصر في ديربي الرياض    إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبد العزيز الملكية    وسم تختتم مشاركتها في أبحاث وعلاج التصلب المتعدد MENACTRIMS بجدة    حقيقة انتقال نيمار إلى إنتر ميامي    مرثية مشاري بن سعود بن ناصر بن فرحان آل سعود    مثقفون يناقشون "علمانيون وإسلاميون: جدالات في الثقافة العربية"    دبي.. رسالة «واتساب» تقود امرأة إلى المحاكمة    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    هيئة الهلال الاحمر بالقصيم ترفع جاهزيتها استعداداً للحالة المطرية    الكلية التقنية مع جامعة نجران تنظم ورشة عمل بعنوان "بوصلة البحث العلمي"    أمانة القصيم تقيم المعرض التوعوي بالأمن السيبراني لمنسوبيها    حدث بارز لعشاق السيارات وعالم المحركات، المعرض الدولي للسيارات    وقاء جازان ينفذ ورشة عمل عن تجربة المحاكاة في تفشي مرض حمى الوادي المتصدع    ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار سقف محطة قطار في صربيا إلى 14 قتيلاً    المذنب «A3» يودِّع سماء الحدود الشمالية في آخر ظهور له اليوم    الرياض تشهد انطلاق نهائيات رابطة محترفات التنس لأول مرةٍ في المملكة    تصعيد لفظي بين هاريس وترامب في الشوط الأخير من السباق للبيت الابيض    ماسك يتنبأ بفوز ترمب.. والاستطلاعات ترجح هاريس    الحمد ل«عكاظ»: مدران وديمبلي مفتاحا فوز الاتفاق    حائل: إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بوادي السلف    البدء في تنفيذ جسر «مرحباً ألف» بأبها    مبدعون «في مهب رياح التواصل»    أمير المدينة يرعى حفل تكريم الفائزين بجوائز التميز السنوية بجامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز    الطائرة الإغاثية السعودية السابعة عشرة تصل إلى لبنان    ما الأفضل للتحكم بالسكري    صيغة تواصل    الدبلة وخاتم بروميثيوس    أماكن خالدة.. المختبر الإقليمي بالرياض    «الرؤية السعودية» تسبق رؤية الأمم المتحدة بمستقبل المدن الحضرية    هوس التربية المثالية يقود الآباء للاحتراق النفسي    عمليات التجميل: دعوة للتأني والوعي    المرأة السعودية.. تشارك العالم قصة نجاحها    مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة نجران يزور مدير الشرطة    أمير منطقة تبوك ونائبه يزوران الشيخ أحمد الخريصي    لا تكذب ولا تتجمّل!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الترابي والأجندة النقيضة : سياسة القفز والتنقل للتخلص التدريجي من القيادات الإسلامية الموازية له
نشر في الحياة يوم 27 - 02 - 2001

كتب كثيرون عن الشيخ حسن الترابي مواليد 1932، فإذا استثنينا ما هو دعائي أو هجومي، فإن أفضل من كتب عنه في معرض تحليل فكره هو اللبناني أحمد الموصللي باللغة الانكليزية، حين حاول فك مغاليق الثنائيات في فكر الترابي ما بين تطلعاته التحديثية وتوجهاته الإسلامية وكيفية تركيب الترابي بينهما. واستند موصللي على بعض كتابات الترابي مثل "تجديد أصول الفقه الإسلامي"، و"أوليات التيار الإسلامي" وكذلك "قضايا الحرية والوحدة والشورى والديموقراطية"، الى جانب ما كتب عن الترابي ضمناً في سياق البحوث المتعلقة بمعالجات الصحوة الإسلامية. وركز الموصللي كثيراً على "جلسة الاستماع" التي استضاف فيها الكونغرس الإميركي في أيار مايو 1992 الشيخ الترابي لمناقشة الأصولية الإسلامية في أفريقيا وشمالها والسودان والعلاقات السودانية - الإيرانية، وحقوق الإنسان والأقليات.
أما أفضل من حلل شخصية الترابي ليستبطن من خلال نشأته وتكوينه دواعي مواقفه فهو السوداني عبدالله علي ابراهيم وقرأتها مطبوعة ومترجمة الى العربية على الآلة الكاتبة ولا أعرف مصدر نشرها بالانكليزية.
أما الترابي كقائد لحركة اسلامية وُضعت تحت المجهر الأميركي والغربي فتم تناوله بتوسع في التقرير الصادر عن ورشة عمل الجمهوريين في الكونغرس الأميركي حول عالمية الإسلام الجديدة، وهي ورشة تعالج قضايا الارهاب والصراعات غير التقليدية، وصدر التقرير في الأول من شباط فبراير 1993، وتم التركيز على "المؤتمر الشعبي العربي" الذي أسسه الشيخ الترابي في الخرطوم 25 - 28 نيسان / ابريل 1991 كمحور استقطاب وقيادة لكافة الحركات الإسلامية والكشف عن العلاقات الدولية الواسعة لهذا التنظيم وشبكة تعاملاته والمؤسسات المالية التي يديرها وأبرز عناصره الناشطة ودور ايران فيه.
ففكر الترابي لدى موصللي، وشخصية الترابي لدى عبدالله علي ابراهيم، ودور الترابي العالمي لدى تقرير الكونغرس، ولكني كسوداني عايش الترابي منذ ثورته في تشرين الأول أكتوبر 1964 ضد نظام نميري، وكإسلامي - ولكن من موقع معرفي ومنهجي يختلف مع الترابي وموروث الحركة الإسلامية في السودان - بقيت حريصاً على تفهم الشيخ الترابي مكتشفاً على الدوام انه مميز عن كل السودانيين، يسارهم ويمينهم ووسطهم، في آفاقه الفكرية وحراكه السياسي وفعاليته، إذ يملك روح التحدي والعناد ليصارع كل العقبات التي تقف في طريقه الى مستوى التحرر من كل الثوابت والقفز بوتائر متسارعة فوق أي صيغة تنظيمية أو سياسية أو فكرية لا تمكنه من تحقيق الهدف الذاتي الذي يستحكم بمخيلته ويشكل مفتاح شخصيته، حتى وجدت نفسي قادراً في معظم الحالات على استشراف ما يمكن ان يقوم عليه الشيخ الترابي.
وحصيلتي هذه ناتجة من متابعة عميقة ودؤوبة، إذ لم أمر مرور الكرام على كل ما كتبه، فكل فقرة كتبها تحمل ملمحاً عن شخصيته وتطلعاته، بداية من مؤلفه: "الإيمان وأثره في حياة الإنسان"، ومحاضرة "المسلم بين الوجدان والسلطان" - 1984، ومؤلفه "الحركة الإسلامية في السودان - التطور والكسب والمنهج"، ومحاضرته حول "منهجية الفقه والتشريع الإسلامي"، وكذلك محاضرته حول "الصحوة الإسلامية والدولة القطرية في الوطن العربي"، ومداخلاته في مؤتمر الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي، اضافة الى "تجديد أصول الفقه الإسلامي"، ومع متابعة حواراته في العديد من المجلات، وأهمها حواره مع مجلة "قراءات سياسية" الذي كان شاملاً جامعاً. ثم أشير الى ما صدر عام 1993 بعد تقرير الكونغرس ومناقشاته حول آليات الترابي في قيادة الحركة الإسلامية العالمية، وذلك في كتاب يوسف بودانسكي بعنوان "الغرب هو الهدف".
بهذه الخلفيات يجب النظر الى شخصية الترابي ومواقفه وتكتيكاته وآرائه، إذ ان مكوّنات عقله وسلوكه متعددة الأبعاد ومتنوعة الخصائص إذ يستطيع في كل موقف ان يستل من داخل ذاته بعداً من هذه الأبعاد وينصرف اليه على حساب أبعاد أخرى في مكوناته نفسه، إذ يستطيع ان يكون علمانياً وإسلامياً في الوقت ذاته، قومياً وأممياً في الآن ومن دون أن يشعر بالانفصام أو التناقض. أما البوصلة التي تحركه فهي "التركز على الذات" ونتج هذا التركز من استشعاره ذلك المستوى من التميز الذي لم يعد يخضعه لأي إطار تنظيمي أو عقائدي، فهو دوماً أكبر من التنظيم وأكبر من الثوابت، وكلاهما موضوعان له وليس هو موضوعاً لهما. لذلك قفز فوق تنظيم "الاخوان المسلمين" حين ضاق به تنظيماًَ وموروثاً تاريخياً وفكراً، فأسس "جبهة الميثاق الإسلامي" 1964 - 1969، وحين ضاق بها قفز فوقها فأسس "الجبهة القومية الإسلامية" 1985 - 1989، وحين دبر انقلاب الانقاذ في 30 حزيران يونيو 1989 وأودع نفسه السجن تمويهاً، خرج ليقفز فوق الجبهة القومية الإسلامية ليؤسس "المؤتمر الوطني" كإطار تنظيمي أوسع لنظام الانقاذ، وليؤسس أيضاً "المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي" 25 - 28 نيسان ابريل 1991، تحت قيادته بعد ان ضاق بالتنظيم العالمي لحركة الاخوان المسلمين.
وعبر قفزاته وتنقلاته هذه كلها كان يتخلص تدريجاً من القيادات الإسلامية الموازية له تنظيمياً وتاريخياً في الحركة الإسلامية، اضافة الى انه في كل قفزة يضعف المؤسسة فيما يشكل من تنظيمات جديدة ويركز القرار بيده راجع مقالنا في صحيفة "الحياة" - الشيخ بين مركزية القرار وطموح قيادة الحركة الشعبية - العدد 13544 - تاريخ 11 نيسان/ ابريل 2000.
ثم بعد ان هيمن الترابي على المرجعيتين من نظام الانقاذ "المرجعية الدستورية" في المجلس الوطني "برلمان النظام"، و"المرجعية السياسية" في المؤتمر الوطني"حزب النظام الحاكم" ومكن للانقاذ عبر عشر سنين، لم يتبق له سوى القفز نحو "الرئاسة" ولكن بعد اقصاء العسكريين الذين انتهت مرحلة توظيفهم بالنسبة له، والانطلاق ليأتي بالعقيد جون قرنق نائباً له وحاكماً للجنوب، وبالصادق المهدي رئيساً للوزراء، فكتب رسالة الى قرنق بهذا المعنى ولم يرد عليه، ثم مدّ الجسور الى الصادق المهدي والى ان التقيا في جنيف بتاريخ 2 أيار 1999، غير ان المهدي كان يراهن على الرئيس البشير الذي التقاه في جيبوتي 25 - 26 تشرين الثاني نوفمبر 1999 وليس على الترابي. فما بين الصادق والترابي ما أفسده الدهر ولا يصلحه العطار.
فالترابي كان يخطط للقفزة النهائية باتجاه الرئاسة وليمحور السودان كله من حول ذاته، فلما قضى النائب الأول لرئيس الجمهورية وهو الزبير محمد صالح نحبه في حادث طائرة الناصر بتاريخ 12 شباط 1998 سارع بطرح نفسه كخيار أول لتولي هذا المنصب وتلاه مرشحان هما الدكتور علي الحاج وعلي عثمان محمد طه. ولم يكن ترشيحه لنفسه إلاّ مقدمة لانهاء دور العسكر وترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة ليأتي بقرنق نائباً له وحاكماً للجنوب، ضمن أي صيغة دستورية يتقبلها قرنق، وليأتي بالصادق المهدي رئيساً للوزراء.
وتنبه قياديون اسلاميون لقفزات الشيخ، فتقدم عشرة منهم بمذكرة بتاريخ 10 كانون الأول ديسمبر 1998 كشفت عن خلل لازم تجربة الانقاذ منذ 1989، ووجهت الادانة بالطبع لنهج الترابي. ولُخّص الخلل في أربع نقاط: الافتقار الى الشورى، الافتقار الى فاعلية القيادة العليا، الافتقار الى المؤسسة كأسلوب للعمل، الافتقار الى الوحدة كسياج لحماية الحركة الإسلامية. وأدانت المذكرة بوضوح ازدواجية القرار وعدم وجود آلية شورية لصنع القرار واتخاذه وطغيان الفردية المستعلية والمستخفة بالآخرين. والمقصود بذلك كله الترابي.
كانت تلك المذكرة في نهاية 1998 هي "البلاغ رقم 1" من متغيرات رمضان في نهاية 1999 التي انهت مرجعية الترابي الدستورية بحل المجلس الوطني، وانهت مرجعيته السياسية بتعيين البروفسور ابراهيم أحمد عمر أميناً عارماً مكلفاً لحزب المؤتمر الوطني، ثم عقد المؤتمر الوطني الحاكم مؤتمره العام 28 جمادى الآخر - 2 رجب 1421ه الموافق 27 - 30 ايلول سبتمبر 2000 فيما انشق الترابي بحزبه الخاص "المؤتمر الوطني الشعبي" ثم اعتلى الرئيس البشير سدة الرئاسة الثانية في 12 شباط 2001.
أما المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي الذي كان يشكل الذراع العالمية للترابي والمؤسس في 25 - 28 نيسان 1991 فقد منعه وزير الداخلية السوداني من عقد دورته الرابعة. ولم يكن هذا المؤتمر عقد سوى ثلاث دورات في العامين 1993 و1996، ثم سحب منه المقر رسمياً بتاريخ 11 شباط 2000 وبعد متغيرات رمضان بشهرين فقط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.