يعكس اهتمام الأوساط المصرية بانتخابات نقابة المحامين الثقل الكبير الذي تتمتع به النقابة في الحياة السياسية. فمواقف الأطراف الفاعلة في الانتخابات وطبيعة التحالفات بينها والتناقضات التي أفرزتها المرحلة التي سبقت إجراء الجولة الأولى من الانتخابات السبت الماضي بين قوى سياسية، وحجم قوات الأمن التي أنيط بها تأمين الأماكن التي جرت فيها عمليات الاقتراع وحال الاستنفار الأمني اليوم السبت، موعد جولة الإعادة، والصراع القضائي الذي كان تفجر بين المحامين منذ فرض الحراسة على النقابة العام 1996، كل ذلك وضع النقابة خلال السنوات الأخيرة في بؤرة الضوء وجعل ما يجري فيها محط اهتمام الكثيرين. وتموج النقابة بتيارات سياسية عدة، وسيطرت جماعة "الإخوان المسلمين" على مجلسها منذ الانتخابات العام 1992، بنيلهم14 مقعداً في مجلسها في حين فاز المرحوم أحمد الخواجة من حزب "الوفد" بمقعد النقيب، فيما ضم المجلس عشرة أعضاء من تيارات سياسية مختلفة. وادت سيطرة "الإخوان" الى ان تبقى النقابة فوق بركان قابل للانفجار في أي لحظة، خصوصاً أن العام 1992 شهد بداية انفجار الصراع بين الحكومة والجماعات الدينية الراديكالية. ويوماً بعد يوم زاد الاقتناع بأن صدام الإسلاميين مع الحكومة على مسرح نقابة المحامين بات قريبا. وكان لافتاً أن قضايا العنف الديني التي نظرت فيها المحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة العليا تضمنت اسماء عدد من المحامين متهمين في قضايا عدة. وفي سجون مصر حالياً أكثر من 50 محامياً ما زالوا رهن الاعتقال، غالبيتهم من أعضاء الجماعات الدينية الراديكالية، لكن أبرزهم القيادي في "الاخوان" النائب السابق مختار نوح الذي كان يشغل موقع أمين الصندوق في مجلس النقابة السابق . وليس سراً أن "الاخوان" نجحوا منذ بداية الثمانينات في التحرك والتوغل من خلال الطرق والوسائل السلمية والدستورية للسيطرة على مجالس النقابات المهنية والاتحادات الطلابية ونوادي اعضاء هيئات التدريس، لضمان قاعدة لهم يمكن من خلالها التحرك والوصول الى مجلس الشعب البرلمان. وتمكنوا من خلال هذه الاستراتيجية من تحقيق نتائج جيدة على المستوى النقابي. وحاولت الحكومة وقف تصاعد نشاط الجماعة في النقابات. وقدمت الى مجلس الشعب القانون الرقم مئة لعام 1992 والذي ينص في مادته الثانية على انه "يشترط لصحة اجتماع الجمعية العمومية التي تنعقد لانتخاب النقيب واعضاء مجلس النقابة العامة أو الفرعية حضور 50 في المئة من اعضاء الجمعية العامة، وفي حالة عدم توافر هذا النصاب تدعى الجمعية الى اجتماع ثان خلال اسبوعين ويكون الحضور صحيحاً بنسبة حضور 40 في المئة، وفي حالة عدم توافر النصاب المنصوص عليه يتم تعيين مجلس موقت". ويبدو أن الحصار الذي عاناه "الإخوان" منذ فرض الحراسة على نقابة المحامين، ثم تجميد نشاط باقي النقابات لاحقاً وفشلهم في الوصول الى البرلمان العام 1995، اجبرهم على قبول ترشيح ثمانية فقط من عناصرهم لانتخابات المحامين والتخلي عن الرغبة في السيطرة على مجلس النقابة واتاحة الفرصة للقوى السياسية الأخرى بأن يكون لها دور في تسيير عمل النقابة. وجاءت النتائج التي حققوها في الانتخابات البرلمانية الاخيرة زادت قناعتهم بأن ساحة البرلمان أهم من ساحة النقابات، خصوصاً بعد ما تلاقت مصالح الإخوان مع مصلحة الحكومة. فالأخيرة طرحت السيد رجائي عطية مرشحاً لمقعد النقيب. وهو أراد تأمين أعداد كافية من الأصوات ليضمن الفوز بالمقعد، فأبرم تحالفاً مع "الاخوان" لضمان أصواتهم لمصلحته في حين ضمنت الجماعة عدم وضع عراقيل أمام ناخبيها كما حدث في الانتخابات البرلمانية، لكون كل صوت من ناخبيها سيصب في النهاية لمصلة مرشح الحكومة. ويبدو انقسام باقي القوى السياسية الأخرى كبيراً. فحزب الوفد الليبرالي لم يلتف حول مرشحه لمقعد النقيب احمد ناصر. بل أن اثنين من ابرز قادة الحزب، محمود السقا وحامد الأزهري، تحالفا مع المرشح الحكومي في مواجهة اليساريين والناصريين الذين يفوق انقسامهم في نقابة المحامين ما كان عليه في الانتخابات البرلمانية. لكن المهم أن كل القوى السياسية، حكومة واحزاباً ووتنظيمات غير شرعية، ترى في انتخابات المحامين مرآة عاكسة لقوتها المؤثرة في المجتمع ليس فقط لكونها أكبر النقابات او لارتباطها دائماً بوقائع واحداث سياسية، وانما ايضاً لأن صوت النقابة دائما ما يكون الأعلى والاكثر تأثيراً من بين كل الاحزاب والتنظيمات الاهلية والنقابية الأخرى.