حبر سري.. هويات مزيفة.. شفرات سرية، واعتقالات قامت بها واشنطن في الاونة الاخيرة لاشخاص تشتبه بأنهم جواسيس لروسيا مما ينذر بأن حرب الجواسيس السرية بين القوتين العالميتين لم تنته. ويعيد الجدل الاخير بين روسيا وأمريكا بشأن التجسس الاذهان للوهلة الاولى إلى الحرب الباردة التي كانت تتوالى أحداثها على خلفية هادئة بشكل مخادع من مقاه وسفارات وضواحي. وتدخلت تكنولوجيا عصر الانترنت في القرن الواحد والعشرين لتكون التفاصيل التي احتوت عليها أوراق القضية التي رفعت في نيويورك سلسلة من الالغاز حول المصادر والاهداف والاسماء تفوح منها رائحة فضائح التجسس في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. لكن وبغض النظر عن حقيقة الاشخاص الذين ألقت الولاياتالمتحدة القبض عليهم بتهمة التجسس لصالح روسيا فإن محللين يرون أن القضية تظهر حقيقة ثابتة عن العلاقات بين القوى العالمية؛ فسواء كانت هناك حرب باردة أو لا فإن صائدي الجواسيس أمامهم الكثير من العمل في عالم سري يعتمد على الخداع. ويرى مراقبون في الغرب أنه لن يكون هناك شك على الاطلاق بشأن الحالة المزاجية لقادة قادة المخابرات الروسية هذا الصباح بعد إعلان السلطات الامريكية اكتشافها شبكة تجسس كبيرة. وقال أوليج جورديفسكي وهو عميل بريطاني مزدوج سابق وعقيد سابق في وكالة المخابرات الروسية (كيه.جي. بي) "سيكونون غاضبين في موسكو." وقال روبرت أيرز وهو ضابط سابق في المخابرات الامريكية "حجم المعلومات التي حصلنا عليها واختلقها مكتب التحقيقات الاتحادي .. سيكون هذا هو ما يفكرون فيه في وسط موسكو." وذكرت السلطات الامريكية أن شبكة التجسس المشتبه بها جندت مصادر سياسية وجمعت معلومات لصالح الحكومة الروسية ووجهت اتهامات لأحد عشر شخصا بالقيام بأعمال في الخفاء لمعرفة معلومات عن السياسة الاقتصادية والخارجية الامريكية وسوق الذهب العالمية. ووصف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف المزاعم الامريكية بأن لا أساس لها وقال إن من المؤسف أنها تأتي بعد دعوة واشنطن "لاعادة ضبط" العلاقات بين الدولتين المتنافستين أيام الحرب الباردة. وقال أيرز إن ما كشفت عنه الولاياتالمتحدة أدى إلى قيام قيادة التجسس في موسكو بتقدير عميق للاضرار. وأضاف أن قادة التجسس الروس سيسألون أنفسهم أيضا "إذا كانت هذه الشبكة قد تمكنت بالفعل من الحصول على معلومات سرية.. هل سيقرر مكتب التحقيقات الاتحادي الامريكي الكشف عن هذا أمام محكمة مفتوحة؟" وتشير أوراق المحكمة إلى أن الشبكة كانت تحت المراقبة منذ سنوات. وأفادت أوراق للمحكمة نشرت على الانترنت بأن أحد المشتبه بهم قال في اجتماع بمقهى في نيويورك مع ضابط في مكتب التحقيقات الاتحادي ادعى أنه روسي "هل انت متأكد أنه لا يوجد من يراقبنا؟" وتقول وثائق وزارة العدل الامريكية إن الشبكة تلقت أوامر بالعيش لسنوات في الولاياتالمتحدة لاقامة خلفيات ذات مصداقية وقضاء الوقت في محاولة معرفة مصادر جيدة للمعلومات. ووفقا للاوراق فإن رسالة روسية عبر الشفرة أفادت بأن الهدف الرئيسي لافراد المجموعة هو أن "يصبحوا أمريكيين بما يكفي ليجعلهم قادرين على جمع معلومات عن الولاياتالمتحدة لصالح روسيا والنجاح في تجنيد مصادر إما في دوائر صنع السياسة في أمريكا أو تكون قادرة على اختراقها." وتصف السلطات الامريكية أفراد الشبكة بأنهم "خارجون على القانون" ينفذون أوامر وكالة (اس.في.ار) الروسية وهو وصف خاص بالمخابرات للجواسيس الذي يعيشون بهويات مزيفة على عكس الضباط الذين يستخدمون صفة دبلوماسية أو غطاء شرعيا. وقال جورديفسكي إن روسيا "لها عشرات وعشرات" الجواسيس غير الرسميين الذين يعملون في الولاياتالمتحدة. وقال إنه وبمضي السنين أصبحت موسكو تؤمن بأن هؤلاء الجواسيس لن يكتشف أمرهم وظلت لسنوات ترسل أعدادا كبيرة منهم ليس فقط إلى الولاياتالمتحدة ولكن إلى قوى غربية أخرى ايضا مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا. وأضاف "هذه قضية تقول فيها الولاياتالمتحدةلروسيا ببساطة إننا تحملنا نشاطاتكم في بلدنا لمدة عشرين عاما ونحن نقول الان إننا نراقبكم وسنتحرك ما لم تتوقفوا." وذكر أيرز أن من المرجح أن يركز بعض الانتباه على المصادر التي حاول الجواسيس الوصول إليها. وقال "إنه أمر يتعين مراقبته لان مثل هؤلاء الاشخاص يتكلمون عن الوقت الذي قضوه في الخدمة. "لا يوجد من يمكنه المبالغة أكثر من المسؤول السابق. إنهم مزهوون بأنفسهم كثيرا." والجدل الذي سببته الاعتقالات بين الولاياتالمتحدةوروسيا هو الاحدث في سلسلة طويلة ومن غير المرجح أن يصبح الاخير. وكان بوريس سولوماتين أحد أنجح مسؤولي المخابرات في الاتحاد السوفيتي السابق قال ذات مرة في مقابلة نادرة معه إن التجسس بين الولاياتالمتحدةوروسيا لن ينتهي أبدا لكنه قال إنه يجب أن يصبح أقل "همجية" في فترة ما بعد الحرب الباردة وقد يصبح كذلك. وأضاف سولوماتين الذي أشرف على تجنيد جون ووكر أخصائي الاتصالات البحرية الذي كان يبيع الاسرار الامريكية مقابل المال في السبعينيات والثمانينيات "لن يتوقف نشاط وكالتي المخابرات في البلدين أبدا." وقال للصحفي بيت إيرلي "نجعل ممن يساعدوننا أبطالا ونمنحهم الاوسمة ونلعن من يخوننا."