إذا صحت التقديرات والاستطلاعات، يتجه اليمين الفرنسي نحو هزيمة في الانتخابات البلدية المقررة في 11 آذار مارس المقبل، ويتوقع ان يفقد السيطرة على بلدية باريس، التي تعد معقلاً تاريخياً له منذ 54 سنة. وأسباب هذه الهزيمة متعددة، وقد يكون أبرزها إقبال اليمين على الانتخابات بمرشحين متنافسين على رئاسة بلدية باريس هما رئيس مجلس النواب السابق فيليب سيغان ورئيس البلدية الحالي جان تيبيري. ويحظى سيغان بتأييد حزبه "التجمع من أجل الجمهورية" لترشيحه، في حين ان تيبيري كان فصل من الحزب بسبب تمسكه بإعادة ترشيح نفسه، وسعيه لفرض ذلك أمراً واقعاً على الحزب. والمحاولات المختلفة التي بذلت لحمل تيبيري على عدم الترشيح، لم تجد نفعاً، مثلما لم تجد نفعاً المحاولات التي بذلها رئيس البلدية الحالي لإقناع حزبه بدعم ترشيحه. ويعتبر تيبيري بناء على أدائه الجيد منذ خلف الرئيس جاك شيراك في رئاسة بلدية باريس سنة 1995، أنه الأجدر على منافسة المرشح الاشتراكي برتران ديلانويه على هذا المنصب في الانتخابات المقبلة. كما يعتبر ان رفض حزبه دعم ترشيحه ومن ثم فصله، يندرج في سياق سلوك جائز اعتمد بحقه وجعله يبدو بمثابة المسؤول الوحيد عن الممارسات غير الشرعية التي كانت معتمدة في إطار بلدية باريس، بدءاً بالرشاوى ووصولاً الى الوظائف الوهمية وسياسة المحسوبية التي حكمت التلزيمات العامة. وعلى رغم ورود اسمه واسم زوجته كزافيير في إطار فضائح مختلفة، إضافة الى ورود اسم ابنه وابنته بصفتهما مستفيدين من شقتين من الشقق التي توضع عادة بتصرف ذوي الدخل المحدود، اكد تيبيري تكراراً أنه ليس سوى مجرد وريث لأسلوب عمل يتبع من بلدية باريس منذ ما قبل ترؤسه لها. وفي ظل إصراره على المضي في ترشيحه حتى النهاية، اعتبر اليمين ان بالإمكان، تهميشه وإبطال الآثار السلبية على وجوده في السباق الانتخابي بوضعه وجهاً لوجه مع سيغان. لكن هذه المراهنة تبدو اليوم وقبل حوالى اسبوعين على الانتخابات شبه عقيمة. فصحيح ان اسم سيغان نظيف، كونه لم يتورط لا من قرب ولا من بعد بأي فضائح مالية، لكن ذلك ليس كافياً لجذب الناخبين من حوله ولا لمحو صورته لديهم باعتباره شخصية مزاجية وعصبية. كما ان الجميع يدرك غياب المودة والانسجام بينه وبين شيراك الذي يتردد دائماً قبل وضع ثقته به، وهو انطباع لا تبدده الصور التي وزعها الإعلام الفرنسي لزوجة الرئيس برناديت شيراك، اثناء مرافقتها لسيغان خلال جولة انتخابية. ومن هذا المنطلق، يشعر الناخبون الباريسيون انهم باختيارهم بين تيبيري وسيغان، يشاركون في عملية تصفية حسابات داخلية، لا شأن مباشراً لهم بها، وأنهم مدعوون للفصل بين مرشح منبوذ وآخر ملتبس. ويعود ذلك بالنفع على ديلانويه الذي تقدمه الاستطلاعات بأنه الأوفر حظاً للفوز برئاسة بلدية باريس. وديلانويه نائب سابق، تعرف إليه الباريسيون قبل اشهر معدودة، وقد خاض حملة اوحت لهم بأنه شخص حاذق ومنفتح. فأصر ديلانويه على أن تكون الشفافية هي المحور الأساس لحملته ومن هذا المنطلق فإنه أقر علناً بأنه من الشاذين، معتبراً ان "الاختلاف حق" وأن الحياة الخاصة للمسؤول السياسي لا علاقة لها بنشاطه العام. وتعهد في حال فوزه برئاسة البلدية، تكليف هيئة مستقلة القيام بجردة مفصلة لأوضاع البلدية، ليس بدافع الكشف عن اخطاء الماضي وإنما بهدف تحويلها الى أداة إدارة حديثة. كما قطع ديلانويه وعداً علنياً، بأنه سيضمن عدم تورطه في أي قضية فساد أو غيره وأن حافزه الوحيد في هذا المجال هو نظرة الباريسيين إليه ورأيهم به. وفيما يلتف الاشتراكيون بوضوح من حوله، بتأييد ومباركة رئيس الحكومة ليونيل جوسبان الذي تربطه به صداقة وثيقة، يرى البعض ان المعركة لم تحسم بعد لمصلحته وأن الرأي العام الفرنسي على درجة من التقلب التي لا تحول دون حدوث مفاجأة انتخابية.