عندما ترددت أصداء مفادها، ان عشرة تذاكر فقط لا تزال في متناول الجمهور الذي وفد لمشاهدة العرض المسرحي، سرت حال من القلق بين الواقفين في صف شباك التذاكر. "عشرة تذاكر فقط. ما العمل إذاً؟" عندها لم يتردد أحد المنتظرين في أخذ المبادرة والإعلان جهراً وأمام الملأ "على كل الأجانب الواقفين في الصف التراجع الى الخلف". انه مشهد سينمائي من فيلم "المودّة الاختيارية" الذي انتجه ثلاثة شبان من مدينة هانوفر والقرية المجاورة "فونسدورف". لا ينتج الغضب والاستياء دائماً مواقف سلبية أو محايدة بل انه يتحول أحياناً الى حال غضب تحفز على الإبداع. وهذا ما حصل لشابة نيكول لنغنر سمعت ذات يوم وهي تقف في صف احد المصارف، أحداً ما من المنتظرين وهو يهزأ باللغة الألمانية المتعثرة من أحد الأجانب، وكان وقف بدوره في الصفوف قصد اجراء عملية مصرفية. هذا الموقف ترك عند المعلمة البالغة من العمر 28 سنة، حالاً من الاستياء والغضب العارم. "دائماً ومن جديد يحيا الإنسان مواقف مشابهة. غير ان حال الاستياء والغضب هذه غالباً ما تنطفئ بسرعة". تقول نيكول. لكن جذوة هذه الحال الغاضبة ظلت متقدة في نفس المعلمة المناضلة وظلت تراود مشاعرها وتلزمها كقدر. فهي أدركت كما تقول نيكول "ان الواحد بمفرده لا يمكنه في كل الأحوال فعل شيء أمام المد اليميني". لذا اتخذت مع أصدقائها ميشائيلا فارلش والمخرج نيل لووف، قراراً بتصوير فيلم قصير ضد العنصرية. ولكن من أين البداية؟ خلال أسابيع قليلة، بعد اتخاذ القرار في شهر أيلول سبتمبر من السنة المنصرمة، استطاع الثلاثي انجاز المشروع الفني والمالي الكامل للفيلم. وقام ليفن الكسندر أحد أصدقاء المخرج لووف بكتابة السيناريو. كانت الخطوة الأولى التي قام بها الطاقم الثلاثي تقديم طلبات التبرع والمساعدات الى كل الجهات في المدينة الوزارات، الشركات، المصارف وحتى المطاعم غير ان خيبتهم من المتعهدين الكبار كانت كبيرة. "قوبل مشروعنا من المستثمرين الكبار بالرفض الفوري". يقول المخرج مضيفاً: وعلى العكس من صغار الشركات الذين أبدوا اعجابهم بالمشروع. فعلى سبيل المثال، تبرع محل للوجبات الخفيفة بمئة وخمسين وجبة لكل العاملين في الفيلم، ووضع أحد الفنادق الصغيرة في المدينة ولثلاثة أيام، غرفة بسرير واحد رهن اشارة طاقم الفيلم. من الناحية الفنية رحب طلبة في معهد هانوفر العالي للفنون والتخطيط، بفكرة الفيلم وانضموا الى طاقمه كتقنيين. وتم الى جانب ذلك كسب مصورين وتقنيين. ولم يتردد احد من الذين قبلوا الانضمام الى العمل في الفيلم، في التنازل عن مرتبه حتى يمكن انجاز مشروع الفيلم بموازنة زهيدة. أول مساعدة فعلية تلقاها المشروع كانت من وزارة الشؤون الاجتماعية، التي وافقت على تحمل نصف موازنة الفيلم وهي تبلغ "في ظروف عادية" يقول المخرج "000،140 مارك الماني لانجاز شريط من ستّ دقائق". فنظراً الى عدم تردد كل المنضمين الى المشروع، تمكن الطاقم الثلاثي من تخفيض موازنة الفيلم الى نحو سدسها، 000،24 مارك الماني. "وأعطت موافقة وزارة الشؤون الاجتماعية مشروعنا"، تقول ميشائيلا فارش احدى مبدعي المشروع، "دفعة معنوية الى جانب الدعم المالي إذ ساعدت على اقناع الجهات المختلفة، التي تلقت المشروع مرفقاً برسالة الوزارة وبقراءة السيناريو بكل سرعة". ومن ضمن المساعدين لهذا المشروع، شركة Kodak التي تبرعت بمادة الفيلم، المحطة التلفزيونية الالمانية الثالثة NDR التي وفرت أدوات التصوير وكذلك مجلة "شيدل شبالتير" التي جعلت اشارة طاقم الفيلم رهن احدى قاعات التحرير بغية اتمام عملية الكاستينغ تعيين ادوار الفيلم. وبعد اتمام مشروع موازنة الفيلم بدأ الاهتمام بالأدوار الرئيسية التي رافقتها تخوفات من تصاعد كلفة مشروع الفيلم الى أكثر مما كان مخططاً له، إذ لم يقتصر تعامل المخرج مع ممثلين هواة بل شمل ممثلين محترفين كذلك. غير ان مبدعي المشروع ما فتئت تخوفاتهم أن تبددت، حين تمت موافقة كل الممثلين وحتى المحترفين منهم على العمل في الفيلم بلا مقابل. ونظراً لعدم توافر طاقم فيلم "المودة الاختيارية"، على استوديو، فقام بتصوير الفيلم في مدخل احدى شركات المدينة، وكان عليه التوصل، في خلال يومين من نهاية الأسبوع وبمعدل أربعة عشرة ساعة في اليوم، الى اتمام تصوير الفيلم بكامله. ولعل هدف منتجي هذا الفيلم القصير ضد العنصرية "هو مخاطبة الشباب بالدرجة الأولى. وعلى رغم جدية الطروحات" يقول المخرج نيلس لووف "فإن الفيلم يتخذ صبغة هزلية. فالبطل الذي يريد ازاحة كل الأجانب عن شباك تذاكر المسرح، يكتشف من طريق امه وأمام الجميع، معلومات جديدة عن أصله".