ليس جديداً التناقض بين المثقف والحاكم في عالمنا العربي إذ طالما أدى الى اهدار دم بريء. وأساس التناقض جنوح الحاكم الى الواقعية الجافة أحياناً في مقابل ميل المثقف، خصوصاً الأديب، الى حساسية انسانية كثيراً ما تقارب الرومانسية. ويتعزز التناقض في مراحل الخطر والمفترقات السياسية الكبرى، وهذا ما يعيشه عالمنا العربي منذ انهيار السلطنة العثمانية مروراً بنضالات الاستقلاليين ووصولاً الى صراع مع اسرائيل لا يدري أحد أفقه. يتذرع الحاكم بالأمن السياسي والاجتماعي والاقتصادي والقومي في مقابل تمسك المثقف بأولوية حرية الانسان وكرامته في مختلف المراحل. لكن موقف المثقف مشوب بمصالح وعقائد سياسية معارضة وأحياناً "تآمرية"، لذلك ينبغي التفريق هنا بين المثقف والأديب، فالأول معنيّ بالصراع السياسي فيما الثاني يقارب السياسة من موقع الضاغط من أجل كرامة الانسان وليس كبديل للحاكم أو لنظامه. التناقضات العربية الأخيرة بين الأديب والحاكم حدثت وتحدث في مصر وسورية، ويلاحظ ان المؤسسات الثقافية النقابية في البلدين اصطفت مع الحاكم ضد الأديب المثقف، أو انها صمتت فلم تنصر الأديب في ضغطه من أجل الحرية، ما يعني ان هذه المؤسسات هي نتاج نظام الحكم أكثر مما هي نتاج مبادرات لاجتماع أدباء. والذريعة في مصر كما في سورية هي الأمن وصورة البلد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقومية والأخلاقية أيضاً، ذريعة يمكن أن تبقى مدى الدهر وفي مقابلها يبقى الضغط من أجل الانسان. ويتردد في أوساط الحاكمين، استناداً الى التفريق بين مثقف مسيّس وأديب غير مسيّس، انه يمكن للأدباء أن يبدعوا في إطار حرّ بعيداً من الشأن السياسي اليومي. هذه الحجة تحدّ من حساسية الأديب التي تنطق غالباً بحقيقة بريئة بسيطة يستعصى أحياناً على أهل الفكر النطق بها لغرقهم في التحليل والتنظير. وفي بريطانيا، مثلاً، تتنبه الصحافة هذه الأيام الى قيمة الحساسية الأدبية في الشأن السياسي، فترسل "الغارديان" الروائية المصرية - البريطانية أهداف سويف لتكتب انطباعاتها عن الفلسطينيين في الضفة والقطاع نشرت في وقت واحد مع "الحياة"، كما تستكتب الصحيفة نفسها الروائية ليندا غرانت عن يوميات عيش الفلسطينيين. وفي هذا التوجه تندرج كتابات المسرحيّ ديفيد هير عن فلسطين والمسرحيّ الآخر هارولد بينتر عن سجون نيجيريا والولايات المتحدة الاميركية. ولا تغيب عن الذاكرة رباعية طارق علي الروائية عن تاريخ الاسلام التي صدرت منها الى الآن ثلاث. الأديب غير المسيس يحق له الكتابة في الشأن السياسي، إذا أحسّ بضرورة ذلك. ونجد الأدباء الضحايا أكثر عدداً بين سائر المثقفين، لأنهم نطقوا ببساطة ... الانسان.