بدء العمل في إنشاء قاعدة تصنيع جديدة في الرياض    ارتفاع الرقم القياسي للإنتاج الصناعي بنسبة 2.1 % خلال ديسمبر 2024    مستشفى دله النخيل بالرياض ينقذ مريضة من ورم في الرقبة ممتد للقفص الصدري    المنتدى السعودي للإعلام 2025.. منصة عالمية تستشرف المستقبل والتحولات المقبلة    رئيس "سدايا" بجلسة مصاحبة لقمة باريس : المملكة قدّمت أنموذجًا رائدًا في تعزيز الحوكمة الشاملة للذكاء الاصطناعي على المستويين الإقليمي والعالمي    الصحة العالمية: الصرع لا يزال محاطًا بالوصمة الاجتماعية    رياح وأمطار خفيفة على بعض المناطق    السماح بإقامة الأكشاك في مواقف المجمعات التجارية    المملكة.. مواقف تاريخيّة لدعم فلسطين    عبدالعزيز بن سعد يواسي أُسر المايز والتميمي والجميلي في وفاة فقيدتهم    العيسى يلتقي رئيس وزراء غينيا بيساو ويقف على برنامج جراحات العيون    الهلال الأحمر يعيد النبض لمعتمرة إندونيسية    تسجيل 1383 حالة ضبط في المنافذ    تخريج الدورة التأهيلية للفرد الأساسي للمجندات الدفعة السابعة بمعهد التدريب النسوي    دورات لتعزيز مهارات منسوبي الحرس الملكي    حل الدولتين ثمنه باهظ.. لكن فلسطين تستحق هذا الثمن    سباق تدّمير العقول    تواصل أمريكي – روسي لإنهاء الحرب الأوكرانية    السودان.. إعلان خارطة طريق لما بعد الحرب    سيادة المملكة «خط أحمر»    السفير الإيراني ل «عكاظ»: لا رجعة عن مسار التواصل والتفاعل بين السعودية وإيران    ولي العهد يستقبل رئيس اللجنة الأولمبية الدولية    استعرض العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون مع البلدين.. وزير الخارجية يبحث مع نظيريه الأرجنتيني والأوكراني المستجدات الدولية    في الجولة ال(21) من دوري يلو.. قمة تجمع الحزم والطائي.. ونيوم والنجمة يواجهان العين والصفا    القادسية والعروبة يصعدان لأولى اليد    بونو: أكبر خصم للهلال هو الهلال    «المناورات» تجهّز الأهلي والنصر ل«قمة الإنماء»    الجوير ينافس 4 أجانب على صناعة اللعب في«روشن»    ولادة أول صغار المها بمحمية عروق بني معارض    مصر تستضيف قمة عربية طارئة حول تطورات القضية الفلسطينية    موجز اقتصادي    «السياحة» تكثف الرقابة في مكة والمدينة استعداداً لرمضان        غيبوبة على الطريق.. تنتهي بحفل تكريم «اليامي» !    شاهد.. الإطاحة ب 3 شبكات إجرامية تمتهن تهريب المخدرات والاتجار بها في 3 مناطق    عزّت مفتي إلى رحمة الله    وزير الصحة يزور جناح وزارة الداخلية في «ليب 2025»    «هيئة الأدب» تنظم «جازان للكتاب» وتبرز إرث المكان    وزارة الثقافة تشارك في مؤتمر «ليب 2025»    «الدارة» تصدر كتاباً حول القطع الفخارية المكتشفة بتيماء    الأوركسترا والكورال الوطني.. روعة الإبداع في شتى الصور    %75 نسبة تفوق الحرفيات على الذكور    إرث الصحراء    ضمك.. جبل ونادٍ    شعبان.. محطة إيمانية للاستعداد لرمضان    حسن التعامل    مناطق الجنوب الأقل ممارسة للسباحة    لكمة السرعوف تعادل رصاصة عيار 22    كيف يتكيف الدماغ بسرعة مع التغيير    ميكروبيوم معوي متنوع للنباتيين    مفتاح كوري لعلاج السرطان    الاتحاد السعودي لكرة القدم يقيم ورشة العمل الإعلامية الرابعة    أمير الشمالية يتسلّم تقرير الإحصاء    القيادة تعزّي رئيس ناميبيا في وفاة الرئيس المؤسس للجمهورية    وفاة الممثلة السورية إنجي مراد    من أعلام جازان.. الشيخ العلامة الدكتور محمد بن هادي المدخلي    الحجاج في القرآن    مفوض الإفتاء موجهًا رؤساء الجمعيات اللحمة الوطنية من القيم الأساسية التي تعزز من تماسك المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سورية نحو استعادة الوعي
نشر في الحياة يوم 10 - 02 - 2001

يبدو ان الثورات والانقلابات والحكام يريدون، دائماً، أن "يجبُّوا" ما قبلهم، وأن يعفّوا على آثار من يأتي بعدهم، كريح تأتي على آثار خطى قافلة في الصحراء.
يتناسى اللاحقون، أكثر الأحيان، أنهم تكونوا في رحم العهد السابق، وأحياناً كثيرة كانوا مشاركين فيه، بل وقد يسيرون أحياناً كثيرة على خطاه، بينما هم يكيلون له كل التهم.
في البلاد العربية، وخصوصاً بعد مرحلة الخمسينات "مرحلة الثورات" والانقلابات العسكرية، والأحزاب والشخصيات "الواحدية"، حصل شيء مشابه. فكل عهد كان يصف العهد الذي سبقه بشتى التهم، ثم يأتي عهد ثالث، وبعدها رابع، ليتهم العهود السابقة كلها، أي "ليجبَّها". في مصر، مثلاً، وصف عهد الملكية، وسياسيوه، بأسوأ النعوت، وفي العراق وصف بالعهد البائد، وفي سورية، ومنذ عام 1949 بدأت عملية "جبِّ" العهود السابقة، بمراحلها وشخصياتها، واتخذ هذا "الجبُّ" صيغته الأخيرة بعد الستينات من القرن العشرين.
لا نتحدث هنا عن الناحية السياسية، فقط، من الموضوع، وبالطبع لا ندافع عن الأنظمة وتراكم التجربة السياسية - التاريخية، وعن الناحية الفكرية والثقافية أيضاً، وان تداخلتا كثيراً مع البعد، أو الناحية السياسية، فهذا "قدر الثقافة" في البلدان النامية، أو المتخلفة، ومنها سورية والبلدان العربية: أن تتداخل الثقافة والسياسة، وأن يكون للمشروع الثقافي بُعد سياسي، وللمشروع السياسي بعد ثقافي اجتماعي.
لا أحد يستطيع مثلاً، حتى بعد عام 1952، نسيان الانجازات الفكرية لمرحلة ما بين الحربين في مصر، بدءاً من بناء المدارس والجامعات، والصحافة، وانتهاء بدور المفكرين والسياسيين المعروفين في تلك الحقبة، من سعد زغلول الى طلعت حرب، الى النحاس، الى طه حسين، الى محمد مندور، والعقاد... الخ
في سورية، حصل أمر مشابه، لكن النسيان المتعمد كان أقسى، وأكثر قصدية، فثمة شخصيات فكرية وسياسية سورية قدمت الكثير لبلادها، وان كان هذا من وجهة نظرها، وبحسب اجتهادها، بالطبع، فمن يستطيع أن يعمل، أو أن يفكر إلا من وجهة نظره، هذا ان كان مفكراً، أو سياسياً أصيلاً؟!
نتحدث هنا عن أسماء تاريخية لسياسيين ومثقفين، ومفكرين سياسيين، ارتبط اسمهم بأكثر الأحداث أهمية، وأحياناً بأكثر الانجازات تأسيسية، لكنهم يكادون يكونون غائبين في التواريخ المدرسية، والصحافة، بل وفي المنشورات التي تصدر في سورية، وأحياناً تكاد أسماؤهم أن تكون أقرب الى المحرمات، مع العلم انهم لم يفعلوا شيئاً مشيناً يمكن أن يدانوا عليه، إلا السير مع أفكارهم وقناعاتهم، حتى النهاية، بما فيها السجن والتشريد والتهميش، وربما أتى مَنْ بعدهم فطبق أفكارهم، وهو يكيل لهم التهم، وأحياناً الشتائم.
نبدأ بالكتلة الوطنية وسياسييها، وعلى رأسهم شكري القوتلي، وقبله السياسي والمفكر المستقل عبدالرحمن الشهبندر. ثم نتذكر الأسماء اللامعة أمثال فارس الخوري ورشدي الكيخيا وصبري العلي ومصطفى السباعي، وبعدها نتذكر قادة ومؤسسي "الأحزاب التقدمية" أمثال: ميشيل عفلق وصلاح البيطار وخالد بكداش وأكرم الحوراني، وجمال الأتاسي، فهذه اسماء قليلاً ما تتداول، إلا شفوياً في سورية، وقد مضى عهد كان ورودها في مقالة يؤدي، مع أسماء أخرى، الى عدم نشر المقالة.
ثم هناك سياسي كبير الأهمية، والذي خطط لكل البنى والمشاريع التحتية في سورية، أعني خالد العظم، وهو مثال لما يمكن ان يسمى بالرأسمالي والسياسي الوطني، وربما كان شبيهاً بطلعت حرب في مصر. والذين قرأوا مذكراته يعرفون أية خدمات قدم هذا السياسي الوطني لسورية، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، وأي "جحود" قوبل به. وإذا كان قد وصف هو وعهده ب"الانفصالية" فأعتقد ان الذين أتوا بعده لم يحققوا الوحدة التي رفعوا شعاراتها ومطلبها. على كلٍ تلك مسألة تاريخ وظروف، وقل القول نفسه عن أكرم الحوراني الذي يدين له الحكم، أو الوضع الحالي، عبر صيغة تحالف "الفلاحين" والعسكر وأبناء الأحياء المدينية الفقيرة، وقد كان أول من أسس لها ومارسها.
هذه أسماء سياسية، ومن الأسماء الثقافية، قليلاً ما يتداول في سورية وصحافتها وكتبها، وقليل ما تذكر جهود وأسماء مثقفين كانوا يشكلون عصب الحياة الثقافية السورية خلال الثلاثينات والأربعينات والخمسينات، وحتى الستينات، أمثال: كامل عياد، جميل صليبا، سامي الدروبي، شاكر مصطفى، أمجد الطرابلسي، عادل العوا، بل وعمر أبو ريشة وبدوي الجبل ومحمد كرد علي.
ليس ما أقوله حنيناً نوستالجياً الى عهد، أنا شخصياً، لم أعشه، وربما كنت بعيداً عن أفكاره، انما هو محاولة لرأب صدع تاريخي ووطني ودعوة للتخلي عن عادة "الجبّ" لما قبل، ووضع كل شخصية وفكرة في اطارها وسياقها التاريخيين، وتقدير ما قدمت هذه الشخصيات والأفكار لبلدها، وما أخفقت في تقديمه، من دون الاكتفاء بتناسيها وتجاهلها، أو نعتها بأبشع الألقاب، أو "التعتيم" عليها. انها دعوة لاعادة الاعتبار، ليس لبضعة شخصيات ذهبت، أو لمرحلة سبقت، أو تاريخ مضى، بل هي دعوة لاعادة الاعتبار للتاريخ ذاته، ولمفهوم التراكم في التجربة البشرية، والتجربة السياسية - الوطنية معاً، فكما هناك تراكم في الاقتصاد، فثمة تراكم في الخبرة والتاريخ السياسي لأي بلد، هو بحد ذاته رأسمالي وطني متراكم.
فهل يشهد النقاش السياسي والفكري الجاري في سورية، حرية فكر ومناقشة أسماء، بل وتقويم أفعال، الأسماء السابقة وأمثالها، من فارس الخوري، ووصولاً الى حافظ الأسد، مروراً بالشهبندر وحسني الزعيم وشكري القوتلي وناظم القدسي وأديب الشيشكلي، بل وجمال عبدالناصر، وأكرم الحوراني وعصام العطار ومصطفى السباعي وميشيل عفلق وزكي الأرسوزي وصلاح البيطار وصلاح جديد ونور الدين الأتاسي ومحمد عمران، وخالد بكداش ومعروف الدواليبي ومأمون الكزبري وغيرهم، وغيرهم كثر...؟
هل تستعيد سورية تاريخها ووعيها ورأسمالها الوطني - التاريخي المتراكم؟!
* كاتب سوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.