رداً على القانون الفرنسي بصدد حصول ابادة ضد الأرمن في بدايات القرن الماضي تحاول تركيا ممارسة أقصى ما يمكنها فعله ضد المصالح الفرنسية، على رغم محدودية قدراتها في التأثير في فرنسا وايقاع خسائر مؤثرة باقتصادها من خلال مقاطعة الشركات والبضائع. يقول الصحافي التركي سميح ايديز "ما فعلته فرنسا ربما يشكل حجر الزاوية في عملية واسعة والمسألة الأرمنية ستتحول الى كرة ثلج تجول حول القارات". فالقضية قديمة وتداولتها بعض الدول الأوروبية في السابق، مثل ايطاليا، والتشريع الفرنسي سيشجع تلك الدول على السير بالاتجاه نفسه، ولكن الخوف التركي الكبير ينبع من الولاياتالمتحدة القطب الوحيد في العالم ومدى تأثيره دولياً. الموضوع كان مطروحاً على الكونغرس الأميركي، في العام الماضي، ومراراً أبلغ الرئيس السابق كلينتون الحكومة التركية انه لا يمكنه التدخل. ولكن بعد تفجير المدمرة الأميركية كول في اليمن وتصاعد العداء لسياسة أميركا المنحازة لاسرائيل بعد انطلاق انتفاضة الأقصى دعا الكونغرس للتوقف عن مناقشة الموضوع نظراً للمصالح الأمنية للبلاد في الحفاظ على علاقة جيدة مع تركيا. وكان رئيس الجمهوريين في الكونغرس قد صرح في حينه انه سيعيد طرح القضية مرة أخرى خلال شهر شباط فبراير الجاري. ومما يزيد مخاوف الأتراك ان الرئيس الجديد بوش يعتبر أضعف من كلينتون امام الكونغرس. وأخيراً في رده على رسالة التهنئة من رئيس الوزراء التركي بتسلمه منصبه لفتت المراقبين فقرة تشير الى امكان تعرض العلاقات بين البلدين الى عقبات فسرها الاعلام التركي وربطها بالقضية الأرمنية، كما توقعت بعض الصحف عاصفة تتكاثف غيومها على العلاقة مع واشنطن. اذا كانت الضغوط الاقتصادية على فرنسا تضر تركيا أولاً، 20 في المئة من أكبر 500 شركة هي استثمار مشترك تركي - فرنسي وفي مجال رؤوس الأموال الأجنبية في تركيا يأتي ترتيب فرنسا الرابع بعد هولندا وألمانيا والولاياتالمتحدة، فإنها تصبح نوعاً من فرض حصار على تركيا نفسها في مواجهة الدول السائرة على النهج الفرنسي. نجاح اللوبي الأرمني بتمرير تشريع أميركي مماثل للقانون الفرنسي سيكون "القشة التي ستقصم ظهر البعير" وستجد تركيا نفسها أمام موقف دولي اشبه بوضع المانيا بعد الحرب العالمية الثانية وستواجه مطالب أرمنية بدفع تعويضات تصل الى بلايين الدولارات. ويدعو الصحافي التركي المعروف محمد علي بيراند الى رؤية الواقع وعدم خداع الذات. "فالمستقبل قد لا يكون براقاً اذا لم نتحرك الآن". ويضيف ان الرأي العام العالمي والصحافة الدولية متعاطفان مع الأرمن ويعتقدان انهم على حق. ويشير الى خطورة وخطأ ان يقول البعض "الى الجحيم لكل هؤلاء". ويجب "ان نضع خطة طويلة وعقلانية وإلا سنجد أمامنا فاتورة كبيرة خلال 20 أو 30 عاماً". لا تزال الحكومة التركية تؤكد سعيها للعضوية الأوروبية لكن من الواضح ان القضية الأرمنية ستؤثر سلباً في ذلك كما سبق وقال رئيس الوزراء بولند أجاويد. وتوتر العلاقات مع واشنطن سيجعل من السهل وضع الغرب ككل في سلة واحدة كمعادٍ لتركيا وطموحاتها. * كاتب فلسطيني مقيم في أنقره.