وراء ابتسامة الشهرة ووهج الأضواء، وخلف نشوة الانتصار ولذَّة النجاح ونعمة الرخاء المالي، قد تختبئ معاناة إنسان... معاناة من الوحدة والفراغ، معاناة مع المصير، مع الوجود أو اللاوجود... والخيار بين الحياة أو الموت. الانتحار موضوع تهافت الفلاسفة وعلماء النفس والأدباء على الكتابة عنه أو تفسيره بالعبثية حيناً أو بالمرض أحياناً. ومهما كثرت هذه التفسيرات يبقى الانتحار قراراً شخصياً تحاول من خلاله الضحية لفت الأنظار اليها أو التعبير عن صرخة أَلمٍ داخلي وحالة يأس مزمنة لم تستطع تخطيها. فكرة الموت انتحاراً ليست بعيدة عن مخيلة الانسان وهي تراوده منذ صغره فنراه طفلاً، مثلاً، يهدد والدته بقتل نفسه أو رمي نفسه من الشرفة أو ما أشبه وهو أسلوب يستعمله لابتزازها والحصول على ما يريد. وتنمو فكرة الانتحار عند المراهق خصوصاً من لا يحاط في شكل واعٍ أو من لا يلاقي أجوبة على أسئلته، فنرى بعضاً من هذه الحالات الناتجة من صراع بين جسد هذا المراهق وتحولاته الفيزيولوجية، وصراع آخر بين أفكاره واختلافها والضغوطات النفسية والعائلية المتمثلة بالأهل. في مجتمعاتنا غالباً نسمع أو نشاهد على شاشات التلفزيون أو نعلم عبر قراءة الصحف بحادث انتحار فنان مشهور أو رجل أعمال ثري. مسلسل الدراما هذا شهدناه يتكرر عبر التاريخ متنقلاً من بلد الى آخر من مارلين مونرو الى داليدا الى رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق بيار بيرغوفوا، الى مطرب الروّك الشهير جيمي هندركس. دهش العالم بأسره لدى سماع نبأ انتحار الممثلة الأميركية مارلين مونرو عام 1962 هي التي كانت تتلقى خمسة الآف رسالة حب أسبوعياً من معجبيها وتسحر الملايين من الرجال بوهجها الفني واثارتها الأنثوية. الا انها كانت تعاني صعوبات في حياتها المهنية والعاطفية. وكانت دمعاً تقول "أودُ لقاء شخص يعاملني على ما أشعر به وليس على شهرتي"، معتبرة ان الشهرة مجرد تجربة وليست حياتها. وقد اختارت مونرو وضع حدٍ لحياتها عن عمر 36 عاماً فتناولت كمية كبيرة من الحبوب المهدئة. وذرفَ العالم دموعاً حارة عندما علم بانتحار المغنية الشهيرة الفنانة داليدا عن عمر أربعة وخمسين عاماً عام 1987 يأس داليدا عبَّرت عنه بهذه الجملة التي كتبتها قبل تنفيذ حكم الاعدام بنفسها "لم أعد أطيق الحياة، سامحوني"... وعلى رغم نجوميتها العالمية في مجال الأغنية وفي مجال السينما عانت داليدا من الوحدة الى حد لم تستطع معه ان تجد السعادة في حياتها. وأَسِفَ العالم لدى انتحار رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق بيار بيرغوفوا عام 1993 لمجرد اتهامه باستعمال أموال عامة لشراء شقة خاصة به. كما لفَّ الغموض ظروف أو أسباب موت الملياردير الكبير مارك هيوز عن 44 عاماً في أيار مايو عام 2000 الافراط في تناول المهدئات وهو مؤسس امبراطورية هيربالايف الشركة العالمية لبيع آليات ومنتجات غذائية لخسارة الوزن. وقد حققت شركته في العام 1999 أرباحاً قدرت ب2.956 مليون دولار. أمثلة كثيرة من عالم الفن أو الأعمال والشهرة طالتهم هذه الآفة على اختلاف مسبباتها من حالة الى أخرى. مقارنة وإذا اجرينا مقارنة صغيرة في نسب الانتحار بين مشاهير البلدان العربية والغربية لوجدنا أنَّ هذه النسب تقل في عالمنا العربي. وإذا، علمنا خصوصاً ان ارفع نسبة انتحار مسجلة في العالم هي في السويد البلد الأرقى تحضراً من حيث النظام السياسي والاجتماعي حيث العناصر الأساسية للحياة المرفهة لجميع المواطنين. ويؤكد علماء النفس مدى ارتباط موضوع الانتحار بفقدان العائلة. فنلاحظ ان الفنانين العرب أو اللبنانيين مثلاً يسعون دائماً الى الاستقرار النفسي والعاطفي والى تكوين عائلة. وشعور الانسان الفنان بأنه محاط وبأن استمراريته مؤمنة من خلال الأولاد أو العائلة يجعله يتعلق بالحياة. على عكس ما يحدث مع مشاهير أوروبا وأميركا حيث تفتقد مجتمعاتهم الى العائلة العامل الأساس لتوازن الانسان وشعوره بالأمان. كما ان الحديث عن الانتحار أصبح أمراً عادياً ومن واقع الحياة الغربية، ومتداولاً على كل لسان وحتى معلناً. فشاهد مثلاً في محطات الميترو إعلانات لمواجهة خطر الانتحار ما يدل على ارتفاع نسبه، فيما يقل الحديث عنه في مجتمعاتنا الشرقية. ويرى بعض علماء النفس في ذلك خيراً للحدَّ من تفشيه. بسكال خازن ترى الدكتورة بسكال خازن وهي أخصائية في علم النفس العيادي والمرضي، انه "في حال انحسار شعور المشهور بالنعمة أو بالاحاطة العاطفية عند المرض أو التقدم في السن أو الاعتزال تنتفض نرجسيته ويشعر بأنه وحيد وبأن وهجَه قد زال ويلجأ الى الانتحار. ويمكننا لمس مستوى المعاناة التي يعيشها الفنان كما كانت الحال بالنسبة الى داليدا التي عانت القلق والوحدة وفقدان العائلة وعدم الأمان والخوف من الغد بعد فقدان الشريك. ومع مارلين مونرو التي حاولت مرات عدة الانتحار للفت الأنظار اليها واحاطتها عاطفياً". وتتابع خازن قائلة "نرى بعض الأثرياء ينتحرون. اذ يجد الانسان الثري نفسه غير قادر على الحصول على عامل العاطفة أو الحنان أو الحب حتى من خلال ماله الفاحش فيشعر بالفراغ أو بالنقص ويلجأ الى الانتحار. وقد يصل الانسان الى مرحلة من الاكتفاء الذاتي بعدما اشبع كل حاجاته النفسية والعاطفية والجسدية فيشعر وكأنه لم يعد لديه أي هدف في الحياة ولا معنى بالتالي لوجوده فيصاب باليأس الذي يقوده الى الانتحار". وتؤكد خازن اشباع الرغبات كاملة "بشكل خاص لدى الأثرياء يؤدي الى الشعور بالطمع أو التخمة أو الملل وعدم رؤية أي جديد وغالباً نشاهد حالات انتحار عند مراهقين من عائلات ثرية، كما حدث لابنة المليونير أوناسيس. وهنا ينصح علم النفس الأهل بعدم التمادي في اشباع رغبات أطفالهم حتى ولو سمحت لهم امكاناتهم المادية. ومن الضروري القول ان الثري الشرقي يجدُ منفذاً لشعوره بالتخمة جراء ثروته الطائلة عبر لذة في العطاء والكرم والبذخ على الآخرين. فتنحسر لديه حالات اليأس وبالتالي تنخفض لديه نسب الانتحار. فيما ترتفع هذه النسب عند الثري الأوروبي الذي هو بطبيعته أناني غير محبٍ للعطاء. ويعلق الفنان اللبناني إحسان صادق نقيب الفنانين سابقاً على موضوع الانتحار، فيقول: "ان هذا الموضوع ليس خاصاً بالفنانين فقط إنما الذي يتمتع بشهرة واسعة تبقى الأضواء مسلطة عليه أكثر من غيره. وهناك نجوم في أوروبا وأميركا عاشوا سنوات طويلة في حالة توهج وشهرة ولكن شهرتهم وأعمالهم انحسرت في مرحلة من المراحل ولم يعودوا يملكون الوهج نفسه ففقدوا السيطرة على أنفسهم. انما المنطق يقول انه لا يمكن الاستمرار بالشهرة الى ما لا نهاية. وعلى الفنان المتقدم في السن ان يقبل بقوانين اللعبة الفنية التي تقول ببروز فنان جديد تلو الآخر وعليه ان يقتنع انه حقق انتصارات معينة وترك بصمات مهمة في عالم الفن انما سنة الحياة تفرض عليه القناعة". ويؤكد صادق انَّ الفنان يستطيع ان يبدع عبر تجدده وتأقلمه مع الحياة فيتحول من ممثل أو مغنٍ الى حاضن لفنانين طالعين مثلاً تأميناً لاستمراريته. وهل يطبق صادق هذا الشيء في حياته الفنية يجيب: "أنا ما زلت موجوداً أحقق ذاتي من خلال اعمالٍ تمثيلية تتناسب مع عمري ومظهري وأقدم ألحاناً وكتابات درامية كما اشجع المواهب الجديدة من خلال رعايتي لهم في نقابة الفنانين وعلاقاتي الشخصية. والسبب في ذلك انني تقبلت الأمور كما هي ووجدت دوراً جديداً لي في اللعبة الفنية".