لم يكن الانتحار يوماً مجرد ظاهرة عابرة، بل كان منذ البدء حالة مرضية يرفض فيها الإنسان مواجهة مشكلة كبيرة ألمّت به، خصوصاً عند فقدان الأم لابنها أو الحبيب لحبيبته. وعند الكلام على الإنتحار، لا بد من التوقف عند حادثة تاريخية تعود الى القرن الرابع قبل الميلاد، والتي دفعت كل أبناء مدينة صيدا اللبنانية الى الانتحار من خلال إضرام النار في مدينتهم، رافضين الذلّ والعبودية والإستسلام للملك الفارسي أرتحششتا الذي زحف الى صيدا، وقد مات حينها حوالى أربعين ألف شخص. كما لا بد من التوقف عند أدولف هتلر الذي قرر الإنتحار أيضاً رافضاً الإستسلام. ولا يمكن لأحد أن ينسى أيضاً كبار المشاهير الذين أرادوا أن تضيء حياتهم بدءاً من الساعة الأولى التي قرروا فيها إنهاءها، من مارلين مونرو الى داليدا الفرنسية الى الراقصة اللبنانية داني بسترس. إذاً، أهداف الإنتحار متعددة ومتنوعة، فمنهم من يخطط له ومنهم من يضطر الى ذلك فجأة نسبة الى الظروف المفاجئة. والشباب هم أكثر من يقدم على هذه الخطوة المحرمة الحاسمة التي ربما تحل مشكلتهم او تبعدهم عنها. تقول الدكتورة كارول خوري "ان المشكلة التي يعاني منها الشباب تعود الى عقدة عانوا منها وهم في عمر الطفولة"، و"ان كل عقدة يعاني منها الطفل تتحول الى مشكلة في سن المراهقة، ويستحيل التخلص منها بنظرهم، فيفكرون بالإنتحار، وهنا تقع الخطورة، فمجرد مرور الفكرة يعني ان هناك خطراً كبيراً على حياتهم". وأضافت "ان نسبة الشباب الذين يقدمون على الإنتحار سنوياً هي نسبة عالية ومخيفة، خصوصاً في الدول الأوروبية حيث يكثر الإدمان على المخدرات والكحول وتكبر الهوة بين الناس والإيمان". وقالت "كل ذلك يسبّب مشاكل كثيرة، خصوصاً مع تفكّك المجتمعات وانحدار الأخلاق لتصبح العائلة أمراً مستحيلاً". إن كل هذه الأمور تولّد لدى الطفل مأساة، تكبر معه ليصبح من الصعب التخلص منها، ويكون الملجأ الوحيد هو الإنتحار... "الحل الأفضل والأضمن"! وتعيد الدكتورة خوري اسباب الانتحار لدى الشباب الى الأسباب التالية: - عدم النضوج النفسي خصوصاً بعد فشل علاقة حب. - عدم التوازن النفسي. - الإبتعاد عن الإيمان. - الإدمان على المخدرات والكحول التي غالباً ما ينتحر الشباب تحت تأثيرها. - تفكك المجتمع والعائلة وفقدان القيم. وتنقسم الآراء بين الناس حول المنتحر بحد ذاته، فمنهم من يصفه بالجبان ومنهم من يتحدث عن جرأته... وفي الحالين، يبقى الهدف هو الموت والهروب إلى أبعد الحدود... إلى الهدوء والسكينة. وتقول الدكتورة خوري ان بعض المثقفين يرفضون أحياناً مواجهة المشاكل، وهم ليسوا بمنأى عن اتخاذ هكذا قرار... فبعضهم يستسلم للموت والبعض الآخر يقرر أن ينهي حياته عندما يشاء... خصوصاً عندما تصبح الحياة لا تعني لهم شيئاً. ورسمت الدكتورة خوري صورة لحال الإنسان قبيل إقدامه على الإنتحار، إذ شرحت لنا ابرز الحالات التي يمر بها، وقالت "لا شك انه يمر في البداية بتعب كبير ليقوم في ما بعد بمجهود غير مناسب أو لا نتيجة له الى ان ينهار ويشعر عندها بنقص في طاقته، اضافة الى ضعف وتراجع امام كل الظروف خصوصاً القاسية منها، مع نقص في الإرادة ورفض القيام بأي مجهود جديد، شاعراً أن الكل يحتقرونه، ليفكر أخيراً في الإنتحار الذي يصبح ملجأه الوحيد". ونذكر على سبيل المثال الحال القاسية التي كانت تمر بها الأميرة الراحلة الليدي ديانا نتيجة خيانة زوجها لها وعدم استطاعتها مواجهة تلك المشكلة، اضافة الى "العاطفة التي كانت تنقصها دائماً". لكن كيف ينظر الدين الى هؤلاء؟ لا شك أن الدين له نظرة واضحة تجاه المنتحرين وهي أنهم كفرة تخطوا إرادة الله الذي له الحق وحده سبحانه تعالى في وهب الحياة وسلبها... لتبدأ حياة جديدة من نوع آخر. ومع اختلاف الأهداف التي يُنتحر من اجلها، يبقى القول انه لا بد من حلول ممكنة تساعده على مواجهة كل المشكلات قبل اتخاذ القرار. وإن أبرز ما يلجأ إليه أطباء النفس هو الراحة النفسية التي يجب ان يترعرع فيها كل طفل والذي من المفترض ايضاً ان يتلقى تربية هادئة، بعيدة من المشكلات والمآسي والظروف الصعبة. كما ينصح أطباء النفس جميع الأهالي بعدم التحدث عن مشكلاتهم امام اطفالهم، اضافة الى تأمين الحد الأدنى من العاطفة في جو عائلي بسيط، حيث يجمع هؤلاء على أن غالبية الأمراض النفسية تعود جذورها الى المحيط العائلي. فالتربية الصحيحة تكمن في المحافظة على الحب، الذي لا يمكن ان يوجد من دون انسجام في التوازن الداخلي على كل الأصعدة، تجنباً لأي خوف وأي قلق وأي انهيار. وأخيراً، يمكن القول ان الإيمان يبقى السلاح الأكبر الذي يبعد الناس عموماً والشباب خصوصاً عن اتخاذ قرارات خطيرة ومميتة "كالإنتحار".