تتكاثر على شاشات الفضائيات العربية وبشكل مطرد، اعلانات المسابقات الهاتفية، وتتقافز امام أعين المشاهدين العشرات من الأرقام، داعية إياهم الى المشاركة والاتصال، لعل احدهم يفوز بمليون ريال أو دولار، يحقق من خلالها أحلامه وأمانيه. وهكذا تطل عليك فتاة جميلة، حاملة في يدها سماعة الهاتف، وبصوتها المغناج، الذي يقتحم حصون النفس المتهالكة، تدعوك للاتصال سريعاً لئلا تفوتك الفرصة، لأنك "بتخسر اذا ما بتتصل". هذه المسابقات، والاعلانات الهاتفية على الفضائيات، تمارس في شكل واعٍ ومرسوم من جانب اصحاب الفضائيات ذاتهم، ويجلب في بعض الأحيان ممثلون أو ممثلات للترويج لها وتسويقها، أي ان العملية مقصودة وليست من باب الخطأ او السهو. والسؤال: كيف تتجرأ هذه القنوات على ممارسة الغش على الناس، وكيف تسمح لنفسها بأن تقيم امبراطورية مالية ضخمة، على انقاض الكادحين والمساكين، وبقايا البروليتاريا البائسين. إن حالاً من التدني الاقتصادي تعمّ الشعوب العربية، ومستويات الفقر في ارتفاع، بينما الطبقة الوسطى، من صغار البورجوازيين، يتساقط الكثير منها باتجاه البروليتاريا ليدخلوا في خانة الكادحين، ويقفز القليل منهم بفعل رأس المال وسياسة السوق المفتوحة الى مصاف الملاكين، وأرباب الأرصدة في المصارف. هذا التدني في المستوى المعيشي، ومحدودية فرص العمل، والبطالة التي تسود حتى في اوساط الحاصلين على مؤهلات علمية عالية، تجعل الناس يتوجهون نحو أسهل وأسرع وسيلة للربح السريع ومن دون عناء، فوجدوا في البرامج والمسابقات الفضائية، واليانصيب ضالتهم، بخاصة في المسابقات التي لا تتطلب سوى مجرد مكالمة هاتفية. وهناك الكثير ينفقون المبالغ الطائلة من رواتبهم المحدودة في الاتصال بهذه الأرقام، في الوقت الذي كان بإمكانهم الاستفادة من هذه الأموال لو احسنوا استثمارها. هكذا تربي مسابقات الهواتف الفضائية الانسان العربي على الكسل والتواكل، والاعتماد على الحظ، بدلاً من الجد والاجتهاد، والرجوع الى استخدام العقل والامكانات الذاتية. وهي بذلك تنمي روح الجشع وعدم القناعة في النفس الانسانية، التي تماهت مع المادة وانغمست فيها، من دون مراعاة للجوانب الاخلاقية والعملية للربح والكد. وبدلاً من ان يتسابق الناس لمرضاة الله في رمضان، تجدهم يتسابقون لكسب الملايين، التي لا تعدو كونها سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء. ان العاقل، بقدر ما يلوم غياب العقل والتقدير السليم للمتصلين المساكين، الا ان لومه، بل التهمة يجب ان توجه، لهذه الفضائيات التي تبني امجادها على دماء الفقراء، فهل تسعى الفضائيات ووزراء الاعلام العرب لوضع بنود تحد من هذا الاستراق المستمر لأموال الفقراء، ام ستظل الأمور على ما هي، وبخاصة ان المنتفعين كثر، وليمت الفقراء بجوعهم.