خلال حرب تحرير الكويت نجحت أميركا في تحييد إسرائيل، وضمان عدم دخولها مواجهة مع العراق. وساعدت تلك الخطوة دول التحالف العربية على الاستمرار في مهمتها، وجنّبت الحرب إشكالات سياسية في غاية التعقيد. ولكن يبدو أن واشنطن عاجزة هذه المرة، أو غير راغبة، في إبعاد إسرائيل عن معركتها على الإرهاب، وغير مكترثة برفض معظم الدول العربية الانضمام إلى الائتلاف الدولي ضد الإرهاب، إذا كانت إسرائيل فيه. شارون لم يكتفِ بوضع إسرائيل ضمن الائتلاف الدولي لمحاربة الإرهاب، وإنما جعل رده على العمليات الفلسطينية في إطار الحرب العسكرية على الإرهاب، واستثمر الدعم الأميركي للرد على عمليات القدس وحيفا لخلق انطباع بأن معركته ضد السلطة الفلسطينية جزء من معركة أميركا ضد حركة "طالبان" وتنظيم "القاعدة". واستعار عبارات الرئيس جورج بوش وكأنه يخوض حرباً موازية للحرب الدائرة في أفغانستان، واستطاع أن يوظف الموقف الأميركي الداعم للغارات الإسرائيلية الوحشية على غزة وبيت لحم وجنين لوضع ما يجرى في الأراضي الفلسطينية ضمن أحداث 11 أيلول سبتمبر. العمليات الفلسطينية الأخيرة في القدس وحيفا ليست الأولى، والتصريحات الأميركية الداعمة لإسرائيل ليست جديدة. لذلك يصعب تفسير ربط ما يجري في أفغانستان بالأحداث الجارية في الأراضي الفلسطينية بأنه مصادفة، فضلاً عن أن شارون يعلم أن منظمات المقاومة الإسلامية الفلسطينية تعتبر أحد أهم أهداف الحملة الأميركية على "الإرهاب"، ولن يفوّت فرصة تصفية المقاومة الفلسطينية، وربما تصفية الرئيس عرفات إذا كانت واشنطن اقتنعت بالفعل بأنه لم يعد مهماً في العملية السلمية. ربما تنجح إسرائيل هذه المرة في وقف نشاط منظمات المقاومة الفلسطينية، وتصفية قادتها، لكن هذا النجاح الموقت سيكون على حساب مهمة الولاياتالمتحدة في أفغانستان ومصالحها في العالم الإسلامي، وعلاقتها بأصدقائها في العالم العربي الذين سيجدون أنفسهم في حل من دعم إجراءاتها ضد الإرهاب، إذا كانت تصب في مصلحة الإرهاب الإسرائيلي وتسوّغ الاحتلال.