أثار عزل القاضي مختار يحياوي أول من أمس ردود فعل قوية في الأوساط القانونية. وجددت نقابة المحامين "التزامها المطلق والدائم الدفاع عن استقلال القضاء" وانتقدت الظروف التي مثل القاضي يحياوي في ظلها امام مجلس التأديب السبت الماضي، خصوصاً "رفض طلب تأجيل المداولة في القضية". واكدت النقابة في بيان وقع عليه النقيب بشير الصيد "أسفها لصدور قرار الرفض من أعلى سلطة قضائية يفترض ان تكون الأحرص على ضمان حقوق الدفاع". وكان رئيس محكمة التعقيب وقضاة كبار شكلوا مجلس التأديب الذي قرر عزل يحياوي من منصبه على رأس الدائرة الخامسة في محكمة الدرجة الأولى في العاصمة تونس، ودانه بارتكاب جريمتي "الإخلال بواجبات المهنة" و"المس بسمعة القضاء". وكان يحياوي وجه رسالة مفتوحة الى الرئيس زين العابدين بن علي الربيع الماضي بواسطة "الانترنت" مطالباً ب"تحرير القضاء من سيطرة السلطة التنفيذية". واتخذ وزير العدل بشير التكاري قرار بفصله من العمل اعتباراً من أول تموز يوليو الماضي واحالته على مجلس التأديب في الثاني من آب اغسطس، الا ان المجلس أرجئ الى تاريخ غير محدد بعد انطلاق حملة تضامن واسعة مع القاضي. وفي اعقاب مفاوضات بين السلطات ويحياوي عاود الأخير مباشرة عمله في الخريف، وبدا ان القضية وضعت على سكة الحل، لكن مشاركة شخصيات جامعية وقانونية في تشكيل "مركز تونس لاستقلال القضاء والمحاماة" الذي ما زال ينتظر الترخيص القانوني واختيار يحياوي رئيساً له بالاجماع أعاد الصراع مع السلطة الى نقطة البدء، فدعي مجلس التأديب مجدداً للانعقاد السبت، وحض نائب رئيس المركز المحامي هاشمي جغام في بيان أرسل الى "الحياة" امس على "ضرورة الانكباب بجدية على قضية استقلال القضاء" وعبر عن "اعتزازه بالوقفة الحازمة للسادة المحامين وهيئاتهم دفاعاً عن الحق". وحض "كل منظمات المجتمع المدني على حمل السلطات على احترام القانون والدستور والوقوف الى جانب القاضي يحياوي". ورأى رئيس لجنة الدفاع عن يحياوي المحامي عبدالرزاق كيلاني ان سرعة بت القضية ورفض طلب الارجاء للاطلاع على الملف "شكلا انتهاكاً لحقوق الدفاع ... وجسدا الوصاية المفروضة على القضاء"، فيما دان رئيس جمعية المحامين التونسيين شوقي طبيب "قرار مجلس التأديب" واعتبره "نيلاً من حقوق الدفاع والمحاماة" وجدد المطالبة "باستقلال القضاء وحياده". ورأى مراقبون امس ان ملاحقة يحياوي امام مجلس تأديب مؤلف من أعلى السلطات القضائية عمدته بطلاً لاستقلال القضاء، فيما عكست ميل السلطة التنفيذية الى تضييق فسحة المناورة المتاحة أمامها بفصله من السلك القضائي. ويشار الى ان زملاء يحياوي عبروا عن تضامنهم معه بعد فترة من التردد على رغم الحذر التقليدي لدى القضاة من فتح معارك تؤدي الى مجابهة مباشرة مع السلطة التنفيذية. وكانت "زلة لسان" من الأمين العام ل"التجمع الدستوري الديموقراطي" الحاكم علي الشاوش في ملف بثه التلفزيون الصيف الماضي أثارت الأسرة القضائية وشجعت جمعية القضاة على مؤازرة يحياوي علناً بعدما اتهمت الشاوش "بالتعدي على سمعة القضاة".