لا يبدو حتى الآن ان احداً في الغرب او الشرق تعلّم شيئاً مفيداً من دروس 11 ايلول سبتمبر. فالكبت السياسي وقمع الحريات سيبقيان، الى حين، في حال تحالف مع الفقر والظلم لإفراز ظاهرة التطرف، إن لم تزدد الامور تدهوراً بمرور الوقت. إذ ليست هناك حكومات في الغرب او الشرق تريد ان تعترف بأن الإنسان الذي يتمتع بحياة كريمة، ويستطيع التعبير بحرية عن رأيه بالكلمة، لن يلجأ الى الاقدام على عمل يائس مثل الانتحار او تهديد حياته بهدف تقويض نظام حكم يقمعه او الانتقام من قوة دولية تدعم ذلك النظام. ولم يبق اليوم من يريد مجرد التحدث عن الديموقراطية التي اتاحت للناس في الدول المتقدمة فرصة الوصول الى السلطة بوسائل سلمية، بغض النظر عن مدى تطرف البرامج السياسية التي يحملها هذا الحزب او ذاك. وليس هناك من يريد ان يقول بصوت واضح ان النظام الديموقراطي يساعد في دفع الكثير من القوى السياسية المتطرفة الى الاعتدال بهدف اجتذاب اكبر عدد من المؤيدين. ولهذا فإن المتطرفين الذين افرزتهم المنطقة العربية سيستمرون في معاداة انظمة الحكم التي يتبعون لها كما يعادون الغرب المتهم بدعم تلك الانظمة بوسائل مباشرة او غير مباشرة. وبدلاً من ان تقود احداث نيويوركوواشنطن الى مراجعة للسياسات في الغرب والشرق في اتجاه القضاء على اسباب التطرف وجذوره، حدث العكس: اميركا و"العالم الحر" تراجعا عن جزء كبير من الديموقراطية بإسم مكافحة الارهاب، وشجعا الانظمة الدكتاتورية في العالم على ممارسة المزيد من القمع بحق شعوبها "المتطرفة"، وكأن التطرف شيء يولد مع الانسان في مناطق جغرافية محددة من العالم! وبهذا، لم يعد من الضروري وجود ادلة مقنعة لإعتقال واحتجاز آلاف "المشتبه بهم" في اميركا واوروبا، وتسفير بعضهم او إخضاعهم لمحاكمات شبه عسكرية، عدا عن استهداف مدنيين في افغانستان وقتل اسرى ومقاتلين قد يكونون مستعدين للإستسلام لو كان هناك من يريد ان يفاوضهم على ذلك! وبما ان اميركا وحلفائها لا يرون عيباً في ما يفعلونه في افغانستان، فليس عيباً إن ارتكبت اسرائيل الشيء ذاته او افظع منه في فلسطين، او إن اقدمت انظمة عربية واسلامية على سحق "الارهاب" المحلي دون محاكمة نيابة عن اميركا او تفاديا لإحتمال تدخلها عسكريا للقيام بالمهمة ذاتها. اما البحث عن اسباب التطرف والارهاب بهدف معالجتهما فهو امر اكثر تعقيدا وكلفة من ان تسعى اليه واشنطن او ان تقبل به الدول التي تنتج التطرف وتصدره الى العالم. فإزالة اسباب اليأس والتطرف يتطلب التحول الى الديموقراطية والى اقتصاد افضل، وكلاهما يحتاج الى تغيير جذري في شكل الانظمة وتركيبتها وسياساتها، وهو ما لن يخدم بالضرورة المصالح الاميركية والغربية الحيوية في المنطقة، فضلا عن انه لا يخدم الانظمة المقصودة بالتغيير، والتي لا تريد ان تتغير اصلا. النتيجة هي ان ظاهرة اليأس والتطرف تعالج اميركياً وعربياً اليوم بمزيد من القمع الذي انتج التطرف في الاساس. وهذا بالضبط هو ما سيضمن توفير المناخ المؤاتي لإتساع دائرة العنف والارهاب في العالم. قالت العرب إن درهم وقاية خير من قنطار علاج. إلا ان العالم يتصرف اليوم وكأنه يريد ان "يعالج" كل شيء حتى لا يبقى هناك شيء يحتاج الى وقاية! وكل ايلول وانتم بخير...