الكتاب: "مباحث فلسفية" - أفكار، الجزء الخامس المؤلف: هنري حاماتي الناشر: بيروت 2001، خاص ضمن سلسلة "أفكار"، أصدر الباحث هنري حاماتي الجزء الخامس، وعنوانه "مباحث فلسفية" وهي ترتكز على مفهوم البحث العلمي - الموضوعي وفق مستويات ثلاثة: ايديولوجية، وجودية، ميتافيزيقية - لغوية. يتألف الكتاب الذي جاء في مئة وتسع وسبعين صفحة، من ثمانية مباحث هي: التاريخ خارج الستراتيجيا الماركسية، الفلسفة والسلطة، جان بول سارتر والوجودية واليهود، خيمة القصيمي، في ذمتنا عبدالله العلايلي، رسالة الى الدكتورة فوزية فريحات، رسالة الى غيث حاماتي، كيف نقرأ سعاده. ففي رسالته الموجهة الى حاماتي، والتي نشرت في "فكر" وعنوانها "اللقاء الثوري"، يقول سبع بولس حميدان "أسد الأشقر" ان "سعاده ولينين من معدن ثوري واحد"... وهذا ما عناه في "اللقاء الثوري": لقاء لينين وسعاده! ومن خلال مراجعتنا للمبحث، يبدو ان حماتي لم يؤخذ كثيراً بظاهرة الثورية في سعاده ولينين، ولم يستحسن هذا القفز غير المبرر فوق التمايز العقدي والفكري بين الماركسية و"القومية الاجتماعية"، فدعا "سبع بولس حميدان" الى تجاوز ظاهرة الثورية، والنظر في الفكرين الماركسي والقومي والاجتماعي: في مضمونهما، وما اشتملا عليه من حقائق، وما اختلفا فيه من مناهج، وما تمايزا فيه من نتائج... فذهب الى البحث في اصول الماركسية العلمية وأصول فكر سعاده العلمية، في دراسة فلسفية مقارنة معمقة موثقة تكشف حقائق الفكر الماركسي وقواعد فكر انطون سعاده العلمية والفلسفية. في موضوع "الفلسفة والسلطة"، الذي عالجه مفكرون كثر، يكشف حاماتي عن لزوم الفلسفة للسلطة، ويفضح شكل تلازمهما: ما يعني ان ما نشاهده من تلازم الفكر الفلسفي والسلطات السياسية عبر التاريخ كان في حقيقته من فعل حاجة السلطة الى الفلسفة لتبرير ذاتها نشوءاً وسلوكاً... فيما الثابت الراكز في الوجدان العام ان محور تاريخ الفكر كان الفلسفة لا السلطة: الفلسفة التي تبحث عن أداة تحققها في سلطة سياسية ما. بين لزوم الفلسفة للسلطة، في استخدام عات ومجرم... ولزوم السلطة للفلسفة، الأمر الذي ما شاهدناه إلا في أشكال الديكتاتوريات التاريخية، من عهد نيرون حتى عهد ماو، مروراً بالآلهة القديمة والنازية، والفاشية، وديكتاتورية البروليتاريا... ... نقول بين هذين اللزومين، أنخدع الوجدان الانساني العام بنفاق السلطة، فقبل، معظم الأحيان، التبريرات اللاأخلاقية للاأخلاقية السلطة". وفي مبحث له في الوجودية "الملحدة"، وأعني وجودية جان بول سارتر، وقد كتبه حاماتي في مناسبة زيارة كان قام بها سارتر الى المنطقة عام 1967، يناقش حاماتي الايديولوجيا الوجودية السارترية معتمداً معظم انتاج سارتر، وفي شكل خاص كتاباً له عنوانه "تأملات على المسألة اليهودية"، فيفند فساد المنهج السارتري المؤسس على مفهوم عبثي - كيفي للحرية: مفهوم فردي للحرية يتجاوز كل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تتموقع فيها الحياة الفردية. في هذا المبحث، يلزم حاماتي منهجاً فكرياً صارماً تظهر الوجودية السارترية من خلال مفاهيمه، غير قادرة على الصمود أمام النقد العلمي والمنطقي. ولا يختلف نقد حاماتي أفكار القصيمي عن تحليله مفاهيم الفكر الوجودي. فحاماتي التزم في نقده أفكار القصيمي المنهج الفلسفي نفسه الذي ناقش به الوجودية السارترية، مضيئاً - على رغم رفضه هذين الفكرين - أهميتهما من حيث هما: ظاهرتان نفسيتان ايديولوجيتان تعبران عن رفض، وتمرد، وعصيان، وقلق، واضطراب... ظاهرتان في مصلحة الحرية الشخصية في أوروبا، مؤللة النظام والفكر والوجدان، وفي العالم العربي، المكبل بتقاليده وأعرافه. ولكنهما في نظر حاماتي ظاهرتان تكمن قيمتهما في أنهما ثورتان وجدانيتان، على رغم انهما لم يقدما للفكر الفلسفي، ان في منطلقاتهما، أو في منهجيتهما، أو في النتائج التي توصلا اليها... أي اسهام ذي قيمة، غير هذا الإسهام النفسي التحريضي الذي يعلم الناس ان "التفلت" من الضغوط الاجتماعية والسياسية والمؤسسية فعلٌ ممكن دائماً وواجب أحياناً. مع العلايلي، ظهرت نقطة ضعف رهيبة في فكر حاماتي. أليس مدهشاً أن تشاهد حاماتي وأن تسمعه يقول صراحة، وبوضح تام، وبعبارات لا لبس فيها: "العلايلي حبب إليّ التعصب"؟ وقد ذهب أبعد من هذا في كلامه عن الفكر الديني معتبراً اياه من أهم ما في التراث القومي. كأنما حاماتي هنا في مراجعة ذاتية جذرية لسلم القيم في تفكيره الاجتماعي والسياسي: انه يفخر بتراث الفكر الديني ويعتبره "رعاية روحية" لشعبنا، تُماثل الرعاية الروحية التي تكلم عنها أنكيدو في آخر سطر من ملحمة جلجامش، وهذا لا يتدنى شعرة واحدة عن مستوى ذروة القيم في الفكر الانساني. لا بد من قراءة ما كتبه حاماتي عن العلايلي حتى نفهم العلايلي فهماً صحيحاً، ونقدره قدره كواحد من "أئمة الفكر في عالمنا العربي". ولعل أهم ما كشف النقاب عنه في فكر العلايلي مفهومه الفلسفي العلمي "للارادة العامة"، الذي يتجاوز كل المفاهيم السياسية السابقة لمثلث العقل/ المصلحة/ الارادة، وكل النتائج التي ترتبت عليها هذه المفاهيم في حقل القوانين الدستورية العامة والفكر الدستوري عموماً. وقد يكون من المفيد جداً الاشارة الى تطابق فكر العلايلي مع فكر انطون سعاده في هذا المجال. في مبحثه عن العلايلي، ظهر حاماتي وكأنه مأخوذ بشخصية هذا المفكر الكبير، لأنه "يفكر جهراً"؟ فقد قال العلايلي في كتابه أين الخطأ: "أنا أفكر جهراً"، وقد تأثر حاماتي أيما تأثر بهذا الاعلان، وأعجب به اعجاباً لا حدود له.