تجلس عروس شانيل الجديدة العارضة كايت موس Kate Moss في المقاعد الأمامية في حفل عرض أزياء شانيل للخريف والشتاء. إنها الساعة 11 صباحاً ولا يزال وجه العارضة موس على طبيعته وكأنها استيقظت من النوم قبل لحظات، بوجهها العادي جداً وعينيها الذابلتين من دون ماكياج وهي جاهزة للجلوس بعد قليل أمام "الماكيير" الذي يتعامل مع وجهها بمستحضرات شانيل لتصبح رائعة الجمال أمام الكاميرا والمشاهدين. تحضر هذا العرض نجمة السينما الفرنسية كارول بوكيه، وجه عطر شانيل رقم 5 سابقاً. ونشاهد الحسناء اللبنانية المليونيرة منى أيوب، وهي مطلّقة مشهورة تعيش في أوروبا ومن أشهر زبائن الأزياء الباريسية. سخية تشتري بمبلغ 10 آلاف جنيه استرليني كمن يشتري شيئاً من التعاونية. غابرييل كوكو شانيل مؤسّسة شركة شانيل منذ 91 عاماً في شارع كامبون رقم 21 . استلم الادارة منها المصمم كارل لاغرفيلد بعد مرور 18 عاماً على تاريخ التأسيس ولا يزال. ولاغرفيلد ليس من نوع المصممين العاديين. فهو لا يهدأ ولا يستريح بعد إحرازه النجاح في التصاميم والعروض. يفتش دائماً عن الجديد والغريب. يصف لاغرفيلد نفسه بأنه مهووس أزياء دائم، لا يعرف القناعة ولا الارتواء. ومن أهم ما أعدّه لهذا الموسم في هذا العرض، بزات كلاسيكية من الصوف للمناسبات تزينها "بوكلات" جميلة، ونوعان من السترات الواسعة، وبنطلون جلد ضيق، إضافة الى تنورة قصيرة مع حذاء عال جداً ولامع. وكذلك بعض من أنواع الفرو وفساتين العرائس البيض يرافقهن عرسان من ذوي الشعر "البانكي". وكلفتة كريمة واسهام في إبقاء ذكرى المؤسِّسة غابرييل حيّة تصدّرت المكان لوحاتها التي ماتت في العام 1971. المذهل هو كيف تعاون جميع العاملين في مؤسسة شانيل من مصممي أزياء وخبراء عطور وأدوات زينة واداريين ومسوّقين للنجاح في إبقاء أسطورة شانيل وشهرتها شامخة متطورة ومتجددة. علينا التعمّق بعض الشيء لنعرف كيف ظلت ماركة شانيل في القمة كل هذه السنوات الطويلة ولا تزال. تعرضت كوكو شانيل لضائقة مالية في العام 1924 وباعت جزءاً من مؤسستها للأخوين بول وبيار ورثهايمر وانتقلت ملكيتهما بعد ذلك الى الشقيقين آلان وجيرار ورثهايمر. وهي عائلة ثرية تملك عدداً من الأسهم والشركات والمؤسسات وتقدّر ثروتها بأكثر من بليوني دولار، وأفرادها ناشطون وناجحون في هذه المجالات بين أميركا وأوروبا. وبلغت مبيعات شانيل للعطور في العام الفائت ما يزيد على بليون وثمانمئة مليون دولار. ليس لهذه الشركة أسهم في الأسواق. إنها شركة خاصة وعائلية يعتّم على أسواقها وأرباحها بشكل لافت. إدارة هذه الشركة رصينة وحريصة جداً لا تعرف المغامرة ولا المخاطرة. يقولون إنهم يفضلون سياسة المدى الطويل المضمون على مغامرات الأرباح السريعة في المدى القصير. ويوضح مدير الشركة العام في المملكة المتحدة اوليفر نيكولاي قائلاً: "إن الشركة تعتمد على إنتاجها هي بالذات لا على مصانع الآخرين للإنتاج لحسابها، ما عدى النظارات الشمسية الجديدة التي تحمل اسم شانيل". ويقول لاغرفيلد أيضاً: "شركتنا من شركات الأزياء القليلة التي تحقق أرباحاً من ملابسها وأزيائها الخاصة، إضافة الى حقائب شانيل وعطورها". ماتت كوكو شانيل عن عمر يناهز 88 عاماً فيما تعرّضت بيوت الأزياء الى ركود كبير. وكانت تلك فرصة المنافسين من أمثال باكو رابان وبيار كاردان. ولكن مؤسسة شانيل تجاوزت ذلك وتابعت مسيرتها بنشاط وابتكار وتفوّق بخاصةً أن لاغرفيلد - الألماني الجنسية - أمسك بزمام الأمور وهو كفاية هائلة بحد ذاته، والمشرف المباشر على استوديو كامبون للأزياء والاكسسوار، يهتم شخصياً بشؤون الدعاية والاعلانات ويستمر في مسيرته من دون عناء أو توقّف على رغم أنه تجاوز 61 عاماً. تصفه صحافية أميركية متخصصة بعالم الأزياء: "إنه مصمم نادر يبدأ من الصفر كل موسم ويطمح للوصول بتصاميمه الجديدة الى القمة من جديد". وصف نفسه مرة أنه المصمم المهووس بالأزياء كعاشق النساء لا يصل الى القناعة والارتواء. ينسب كولن ماك دويل نجاح لاغرفيلد الدائم في كتابه "مؤامرة الأزياء" الى جشع لاغرفيلد للمزيد من المعرفة والخبرة وأنه لا يشتري اسطوانة مدمجة واحدة كل مرة بل 300 منها. وأنه لم يجمع فقط مكتبة للأزياء، ولكنه جمع مكتبة للأزياء تحتوي كل الكتب المتخصصة بالموضوع للمئتي سنة الفائتة. سيفتتح شانيل خلال هذا الشهر متجراً في لندن في شارع يعجّ بالشباب والشابات من الجيل الجديد بدلاً من افتتاح متجر آخر في "بوند ستريت" الشهير حيث متجر شانيل الذي يستقبل الطبقة الراقية والقادرة على دفع ألف ومئتي جنيه ثمناً لجاكيت شانيل كلاسيكية. يقع المتجر الجديد على زاوية ميدان برومبتون عند تقاطع شارعي كنسنغتون وفولهام حيث تُعرض الأزياء الحديثة. وهذا المتجر مخصص للزبائن الذين تتراوح أعمارهم بين العشرينات وأوائل الثلاثينات، إنها الملابس نفسها ولكن معروضة بطريقة أكثر شعبية وجاذبية. ويكمن سرّ نجاح شانيل في إتاحة الفرصة لمصمميها للتحليق في عالم الخيال والإبداع، ولرجال التسويق في عالم الواقع. يتعاون الجميع من فنيين وإداريين للمحافظة على مدرسة شانيل واسمها الشهير عالياً. فمَن يعمل فيها ويشعر بخصوصيتها لن يخرج منها في مقابل أي إغراء خارجي. وفي زيارة سريعة الى فرع إنتاج العطور الواقع في إحدى ضواحي باريس، يواجهك باب كبير أبيض مقفول بأقفال مشفّرة وكاميرات حماية أمنية. يشرف عليه السيد جاك بولج ويعرف بلقب "أنف شانيل". وجاك هو المشرف الثالث على هذا الفرع منذ تأسيسه على يد ارنست بو مخترع عطر "شانيل 5". وهو يعمل على إطلاق عطر نسائي جديد ويعتقد أن التوقيت مناسب هذه الأيام لإطلاقه. يقول بولج إن الابتكار الخلاّق يشترك مع التكنولوجيا للوصول الى الهدف، ومختبرات إنتاج عطور المستقبل غير بعيدة عن مكتب بولج وهي تئز بأصوات الآلات المراقبة بواسطة كومبيوترات والثلاجات الملوءة بأنواع عدة من المواد الخام الجاهزة للتصنيع. إضافة الى أنواع العطور الغالية، تعمل هذه المختبرات على إنتاج حبوب تبتلعها السيدة، وبعد 25 دقيقة تتلوّن الشفتان باللون المطلوب بحسب نوع الحبوب التي تناولتها. اختراع جديد تجرى التجارب عليه منذ الآن في مختبرات شانيل وسيكون معروضاً في الأسواق خلال خمس سنوات، وهو كناية عن قطرة سائلة تضع السيدة نقطة منها في عينها فيتغير لونها كما تشاء ووقتما تشاء. يخضع جديد منتوجات شانيل لاختبارات عدة قبل دفعه الى الأسواق وذلك بإشراف خبراء شانيل للتسويق. ولا تعتمد مؤسسة شانيل على وكالات إعلان للدعاية لمنتجاتها. مديرها الفني جاك هلو ابن ال 62 عاماً يهتم شخصياً بمثل هذه الأمور. انضم جاك للعمل في مؤسسة شانيل منذ كان عمره 18 عاماً. هدفه المحافظة على طيف شانيل شاباً، وتقديم المنتجات المختلفة القديمة والحديثة سواء أنتجت منذ 80 عاماً أو 8 أعوام تحت الأضواء الساطعة. محافظاً على تغيير أفكار الدعاية والاعلان وتطويرها بحسب تطور الزمن والمجتمع. مع تطوير وتنويع أحجام علب التعبئة وزجاجاتها بما يتناسب مع قدرات وموازنات جميع المستهلكين. وهو نفسه الذي اختار مدموزيل شانيل الجديدة العارضة كايت موس بعدما شاهد صورة رائعة لها في مجلة W.MAGAZINE وكانت تبدو جميلة جداً وشديدة الحيوية ومناسبة جداً لأسواق بريطانيا. الأسطورة العملاقة لا تحتاج عادةً الى دعاية أو إعلان للدلالة عليها. إلاّ أن مختارات دعائية مميزة بين وقت وآخر ضرورية لتحريك الشركة الى الأمام. تركّز شانيل الآن العمل الدائب دعائياً لإغراء الجيل الجديد من الشباب والتأكيد لهم أن شانيل هي أيضاً ودائماً شابة في أفكارها وتنويع منتجاتها، ولتذكرهم كوكو كانت ذات يوم طفلة جريئة مثلهم.