1 أيامٌ هي بمقدار سنوات. وسنواتٌ بمقدار دُهور. ما الذي يُصيبُنا في عالم لا نحن منه. ولا هو منّا؟ دُوارٌ يعنف بما تبقى من درجات الحكمة. صمتٌ يتحوّل الى متاهٍ في حُلْكَةٍ هي شُرْفَتُنا الوحيدة التي نطلّ منها على أنفسنا. وبين الدُّوار والصمت شوارعُ البرد التي تزداد شساعةً. ووحدةٌ تغرّبُنا. تُلْقي بنا الى حيثُ لا ندري عنه. شيئاً. حتى السؤال نفسُه مشنوقٌ على مرأى منا. واجمون نحن وحائرون. في زمنٍ. لم يعد فصلٌ فيه بين شرق وغرب. أو بين شمالٍ وجنوب. هذه التصنيفات تتمزّق على جسد الضحايا. وعلى سُفوح الذّاكرات ذُهول. أحاول أن أضبطَ النفس وهي في الدرّك المُعْتِم من الكلام. في أسْفَل الأسْفل مَا لاَ نراهُ. ولكنّنا نتبيّن خيالاتٍ تتحرّك اشباحاً. وفوْق الصّدر صخرةٌ. هي الصّرْخةُ. أنتَ اليوم في حلْقة من الحائرين الذين لا يفهَمون شيْئاً من هذا العدَم. الذي يقْذِف بنا. إلى الرُّبْع الخالِي. في غُرْفة. ذات شرفات لم تعد تنظُر منها الى خارج تعرفُه. أو خارجٍ ينقلُك الى لحظة حُلمٍ. ولو أقبلتَ على النّوافذ جميعِها. تلك التي وعدتْنا ذات يومٍ بأن العالم منفتحٌ. يجيءُ مفتوناً بكلمات الحرية. لانفجرتْ في وجهك الأيام. التي تكسّر ظهرَ الكلمات. لربّما كنتُ بعيداً عن الحكمة. وذلك ما اتمنّاه. في هذه الأيام. وأنا اتنقّل بين حُطام عالم. له سيادةُ العنف. في المكان الذي بقي لنا. وحيداً. ولا عنادَ. هذا ما يترددُ على الخاطر. لحظةً بعد لحظة. واضعاً جبهتي على باب سجْن كبيرٍ اسمُه. هذا العالَم. صامتاً أشيّع بيدين جامِدتين. الى حفرةٍ هي الوعيدُ لأسباب ستظلُّ غامضةً في كلام لا يفيد في انجاب معنى. ذلك ما نفتقده. هذا المعنى الذي نلجأُ إليه كلما اشتدّت الظُّلمةُ. في غرفة لم تعد تستقبلُ العالم إلاّ. في شكل نُواحٍ. للموت. فينا أيّام. سنواتٌ دهورٌ. وفي كل مرة أستعيدُ ما يمضي كي أرى. لكنّ الرؤية متعذّرة. والماضي غورٌ رهيب. هل أتفيّأ حلماً بعد اليوم؟ لا. أجيبُ. فأنا لم أعد أُعير الحلمَ. ما كنتُ أعيره إيّاه في شباب. ولا في كتاب. هو الآن قبرٌ. جماعيٌ. حفرةٌ على عتبة الكلمات. كلما مددْنا جسراً هوَت بنا الأقدامُ الى أسفَل الحُفرة. وفي المعاودةِ ما يؤكّد الحُفرة. وما يثبتُ القبرَ. لن يشفعَ لك وجهٌ رأيتَه مستبشِراً. ولا خبراً اقتنعتَ أنه النّجاة. لُذ بصمتٍ هو صرْختُك الوحيدة. مظاهرتُك في مدن الأنفاسِ وتكتّمْ. عند كلّ منعطفٍ. يأخذُك الى متاهٍ. يلي متاهاً. في عالم يتشظّى تحت طَرقات مِطرقةِ الحكمةِ. والحُكماء. طَرقاتٌ على حديدٍ صلبٍ. يستعصي على كلّ تطويع. ليلةٌ أخرى لصمْتِك. ولك المتاهُ. أخٌ. ولك المتاهُ غرفةٌ. وشرفات فارغةٌ من المعنى. 2 بأيِّ لسان أنطقُ؟ وبأيّ الكلمات أكتبُ؟ أسأل نفسي كما لو كنتُ شخصاً منفصلاً عنّي. لا يريدُ ان يرى هذا العالَم. مع أصدقاء. في أكثر منْ منطقةٍ في العالم. يستوْلي عليْنا خرَسٌ. ونحن نقتربُ من النُّطق بكلمةِ العالم. هل هو ارتباطٌ بقيمٍ أصبحت منزوعة الجذور ام أن ثمة فضاءٌ قادمٌ ونحن لا نبصره؟ لنكن واضحين. في العتَمة وحدها. وفي المجهول وحدَه. نتلعثَم. ضاغطين بأصابعَ مدمّاة على مفْتاحِ باب. لكنّنا. بعد كل مجهُود نتراجعُ ونحْتار. في اللّغة الملائمةِ. التي يُمْكِنُنا بها ان نسمّيَ هذا العالَم. عُنْفاً. يستشْري. مصحوباً، ببلاغةٍ تستوجبُ الطّاعة. في ليلة المتاهات. ضدّ الحرب. وضد الدّمار. والقتْل. وفصاحَةِ التدمير. من يُرشدنا الى الوجْهِ المختفي للحكمَة؟ ومن يفيدنا في الاستدلال على خطأ. مرّ بنا ولم نفطِن إليه؟ يكتملُ الوجوم بعد كل سؤال. لا لأن الأجوبة غيرُ موجودةٍ. بل لأن هذه الأجوبة هي أقنعةٌ للعنفِ. ذلك ما يحيّر. وأكادُ أصرخُ من غير أن أعرف لماذا وعلى من. صرخةٌ في حلقٍ مظلم بالدخان. سترى وجوه أمواتٍ. وسترى جثثاً. وسترى توابيتَ. وقبوراً. في الهواء. شرقٌ. أو غربٌ. وما هذه الحمّى التي تصيب العالم بعنف. لا يقدَّر؟ أليس ما ترتجيه وهْماً. هو مآل الكلمات؟ أعاند. في اختيار الكلمات خوفاً من الذوبان في مستنقعِ اللاّمعنى. والصمتُ وحده يواجه العنادَ. خائفاً من العنفِ. الذي يلبس أقنعةَ بلاغَة الخير والشرّ. وأتعبُ من هذا الرُّعب الذي يستفيضُ في السيلان. أصمُّ أذنيّ كي لا أسمع خبراً. من أخبار العالم. لكنّ الأخبار تهجُم عليّ من الشرفات. هي ما لا أستطيع منعه من الهجوم عليّ وعلى غيري. بكلمات تشتدُّ بلاغةُ عنفِها. وتسقطُ صخرة تكسّر ظهر الكلمات. عنف بهدف إيجاد توازن يحكم العالم. أي حماقةٍ نشاهد فصولها. على شاشةٍ. تفتخرُ بألوانها وبتقنيات الحاسُوب في إعداد المشاهد الجاذبة الى المزيد من التعلق بعنف. يتحول الى مسلسل تلفزيونيّ. وما هو كذلك؟ نتركُ مسلسلاً لنعثُرَ على ما هو أكثر بطشاً برغائِبَ بسيطةٍ تجتاحُنا. في الصّباح. مُتأمِّلين في عالم يتشظّى. ولا نغيبُ لحظةً عن رؤية ما ينقلُه لنا السيّد التلفزيون. أو ما تتولّى الصحفُ والأسبوعياتُ في مواصلة الهجوم به علينا. ونحن لا نفهم. ما الذي أصاب العالم. شرقاً. وغرباً. في دهاليزَ تُطبخُ فيها قراراتُ الحكماء. ونصرخُ. نحن بحاجةٍ الى مجانين. مجانين المحبّة. والسّلم. في العالم. 3 بذلك كنّا نتبادل الحديث. شعراء في أكثر من منطقة. وفي النهاية. يفاجئُنا ما لا نرْتضيه. هذا القتلُ المتواصلُ بدقّة وإصرار على القتل. لا لغةَ سوى القتل. وبلاغةُ العنف مقنّعة بأقوال مجلوبةٍ من مهادها. هي الكتب التي يقتلون باسمها. ولا نعدُ القتيلين بغير القتل. ضحايا ينضمّون الى الضحايا. في حفرة على عتبة الغرفة. وأنا أبصرهم صامتين. وعلى الوجوه آثارُ حريق. أو آثار تهشّم وجروح. قلْ إنّ هذا الزمن لا يسمعُ مجنوناً. يحلمُ. وقل إن الحكماء أول من يخرّبون العالم. لا تقنع بأقل من إدانة ما يتواصلُ في العالم من عنف. قتلاً. تدميراً. تحطيماً. وعلى كل الشاشات التلفزيونية مسلسلات إضافيةٌ للفُكاهة. وبرامجُ للفوز بالذّهب. والأموال. وعجائب الاختراعات. خذ سيّارة على سؤال فاسدٍ. إنك شخصٌ سعيد. في عالم يعتني برفاهيتك. وبتمتّع لا ينحدّ بهبات الطبيعة. ومُكتسبات الحضارة والعُمران. لا تغتمّ أيها المشاهد الكريم. الأخبار. ليست واقعاً. هي مسلسلاتٌ. ستشاهد بعدها مسلسلات سينمائية لا تختلف في شيءٍ عن مسلسلات العُنفِ بين افغانستان. وفلسطين. هذه الزاوية الحادّة التي نسجنُ فيها الضحايا. في غرفةٍ. ولن تنفع صلاةُ الجنازة. ولا طقوسُ التحضير للبُكاء. للنّدب على الميّت. للحداد. خذ مكانَك في أي وقت تشاء. لتشاهد مسلسلاً يختلط فيه الواقعُ بالخيال. واعلمْ أن الحدودَ بينهما. موضوعةٌ بعنايةٍ الحُكماء. وهم يفصِلون ارضُ الشرّ عن أرضِ الخيْر بخطّ من رماد. أخضر. متلألئ. لا هو بالشرقيّ. ولا بالغرْبي. إن العالم بُقعة متجانسةٌ. ونحن خُلاسيّون جميعاً. نوجد في منْطقةٍ لم تكن قط معهودةً من قبل. 4 نستمرئ عذاباً لغيْرنا. ولا نندمُ. نحن ابطال العدالة والخير والحرية والديموقراطية والليبرالية. هذه هي اقوال حكماء يدمّرون بمشيئتهم نفوساً. وفي الليل يخططون لتدمير لاحقٍ. لن يتوقّفوا عند منطقة بعيْنها. العنفُ سيد العالم. وأنتم أيها المشاهدون. أحرارٌ. بعد الآن. في التقاط الصُّور التي نبثّها إليكم بانضباط كبير. لا صورة تفلِتُ من مراقبتنا. نحن نصنع الصُّورة. نلوّنها. نضيف إليها. البلاغة المناسبة للقتل. اسهروا معنا لتتابعوا مسلسلات العنف. وهي تهدئ العالَم. وبحُقن. نافعة. للجسد. العليل. كونوا معنا. كلّ ليلةٍ للانتفاع بإرشادات المفتي. وبحذلقات المعلّقين السياسيين الذين لا يخافون من الكذب عليكم. لأنهم. يعلمون أنكُم. تقْنعُون ببلاغة العنف. أقنعةٌ بألوان الابتسامة. بالابتسامة نخبركُم أننا قررنا القتل. وبالابتسامة نشدّكم الى الشاشة. الابتسامة أملٌ. ونحن نصنع الأمل في معامل يسيّرها عُلماء نفسٍ. واجتماع. وانثروبولوجيا. وسياسيةٍ. حكماء. ومستشارون في بلاغة العنف. من أجل راحتكم. وأرباحِكم. التي هي منفذكُم الى حياة أفضل. مسابقاتٌ بمختلف الأشكال. هدايا. التنافس التّجاريّ الشريف. والضحايا. لا بدّ لنا من ضحايا. لتزْيين الصورة. والزيادة في التشويق. لن يضرّكم ما تشاهدون. فأنتم آمنون في بيوتِكم. راضون عن حياة أعددناها لكم في مختبراتنا. بفضل حكماء. يقتَلون ويقتُلون. 5 وتسألُ رغماً عنك: أين هي تلك المُظاهرات التي كانت تعلن عن غضب الناس؟ عن مواجهتهم للظّلم؟ عن أساهُم؟ عن معارضتهم لما يحدث من قتل. في وطنٍ وفي جهة من العالم؟ أوف. تسأل؟ ولماذا تسأل؟ أما زلت غبيّاً. أيها السّائل؟ لا. حاشاك ان تسأل. لك النعيم. والرفاه. والحرية. والخير. لم يعد للسؤال معنى. والسائلون متنطّعون. غريبون عنّا. آفلون. خذ مكانك امام شاشتكَ. اضحك. بعد الضحك. اضحك. وتابع المسلسل القادم. بعد مُنتصف الليل. فالبرامج أعددناها لتسليتك. القتل؟ لا. ليس قتلاً. إنك واهم. أيها المشكّك. انظر. إننا حُماتُك. لا شرقٌ. ولا غربٌ. أنت من أبناء عالمٍ خلاسيّ. تنهدم فيه الحدود. والخصوصياتُ. واللغاتُ. والثقافاتُ. لا يبْقى غير الخير. على أرضٍ. نحن نصنَع صورتَها. ونصدّرُها. في كلّ الأوقات. تلبيةً لرغبات مَنْ يسعَوْن الى عالم. الحرية. والديموقراطية. وسلامٌ على أمْثالِنا. أهلِ الخير في العابم.