لا تحاول أن تفسّر مشروعيّة أرباح من يسهم في المزيد مما يجري من دماء العرب والمسلمين. ولا تتساءل كثيرا عن هويّة المستثمر في حرب قتل الأطفال في غزة وبقية بلاد المسلمين فأنت لن تعلم أين هي الحقيقة. وفي هذه الحرب العدوانيّة على أهل غزة - تحديدا - ستسمع لأول مرّة من يتّهم الضحيّة ويعذر الجلاد. وحذاري أن تناقش مأساة الضحايا أو إجرام الجلادين فقد اختلطت الأوراق وتلطّخت الذمم والأخلاق. وحينما ترى الموت شأنا يوميا عبثيا في أكثر من بلد مسلم فلا تسأل (كيف) (ومن) فلن تجد الجواب لأن من اُبتلي هناك بهذه البلوى لن يجيبك فهو إمّا قاتل أو مقتول. والأعجب أنّك ستجد كل حائر مثلك يحاول أن يضع لك فرضيّته ويقدّم حججه ليقنعك بصحتها. ستجد هناك من يرى أن العالم كلّه يتجه إلى الخراب والدمار بقيادة "المتنورين" والماسون وشياطين الجن والإنس. وحين تسمع الكلام وتقرأ النصوص وتشاهد اللقطات التي تكشف انخراط رؤساء دول وقيادات عالميّة في منظمات غامضة سريّة مزعومة تكاد أن تفقد عقلك. والإشكال أنك إن سرت مع هذا الاتجاه لا تلبث أن تجد من يسفّه الفكرة ويقدم البراهين على أن المسكونين بنظريّة المؤامرة هم من يروّج كل هذه الترهات. ومهما حاولت فأنت لن تستوعب وجود مجموعة ترفع راية "لا إله إلا الله" وتردّد عناصرها نداء "الله أكبر" ثم تجدها تخوض بالرماح والسيوف في دماء المسلمين ولا تستثني طفلا أو امرأة أو شيخا كبيرا. وحين تفتّش عن بقيّة صورتها تجدها شرذمة مكفّرة مرتدة عند جماعة أخرى ترفع مثلها نفس الشعارات وتردّد ذات النداءات. حاول ولن تفهم كيف تعرض القنوات الفضائيّة العربيّة في فواصلها مشاهد سكب الدم الحرام وقتل الأبرياء واستباحة الحرمات ثم تعود لتكمل برامج المساء والسهرة مع "السامجات" "والسامجين" وهم يرقصون ويتميّعون وكأن شيئا لم يكن. حاول وأؤكد لك أنّك لن تفهم كيف يتسنّى لمذيعة النشرة أن تبتسم وهي تذيع خبر سقوط مدينة عربيّة أخرى في مستنقع الفوضى أو تعلّق ببرود على قصف مئذنة وانتحار كرامة. وإن أردت السلامة فلا تحاول أن تبحث في أصل وفصل كيان يسمونه "داعش" وهل هو صنيعة غربيّة فارسيّة، أم دمية عربيّة، أم مجرد خرافة تنظيميّة حزبيّة. أنت حر في أن تصدّق أو لا تصدّق مكائن الأخبار الإلكترونيّة وهي تضح نصوصا وصورا عن فضائل خليفة "داعش" المتأنق في صورته ومنبره وكأنه يصوّر الحلقة الأخيرة من مسلسل "عمر" الذي روّجوا له وتأثر به كل داعشي. لا تسأل كثيرا هل يتّفق أو كيف يختلف أكثر من 16 فصيلا مسلّحا في سورية على بحث وسائل إنقاذ سورية. ولك مطلق الحريّة في أن تصدّق أو لا تصدق من يقول إن معظم زعماء هذه الفصائل منشغلون بالتفتيش عن مفتين مجتهدين ليعطوهم المزيد من مبرّرات التكفير والاتهام بالخيانة والعمالة لبعضهم البعض ليستأنفوا الاقتتال فيما بينهم. والسؤال هنا هو: كيف تحافظ على عقلك في زمن المجانين؟ * مسارات.. قال ومضى: اذا كَثُر (الهَرَج) فانتظر من ربك (الفرَج).