بدأت أمس عرض بعض الكتب بقصة، وأكمل اليوم بقصة أخرى قبل عرض كتب أخرى. قال لي استاذي وصديقي الدكتور هشام شرابي يوماً انه يعتزم زيارة انكلترا وفرنسا في الصيف. وقلت له انني انتقلت من بيتي القديم في جنوبفرنسا الى بيت آخر. وهو سألني عن عنوان البيت الجديد فقلت انه في كاب فيرا. وزاد اهتمام الدكتور شرابي وقال لي ان الروائي البريطاني سومرست موم سكن في كاب فيرا، وكانت له فيها فيلا مشهورة اسمها "موريسك". وقلت للصديق ان بيتي يقوم على شارع يحمل اسم سومرست موم، وان الفيلا لا تبعد عن بيتي أكثر من مئتي متر. وهو وعد بأن يزورني هناك لاهتمامه الكبير بالكاتب الذي اكتشفت انه قرأ كل شيء له وعنه. بعد هذه المقدمة انتقل الى في إس نايبول الكاتب البريطاني الجنسية، والتريندادي المولد الذي فاز بجائزة نوبل في الآداب هذه السنة، فقد كنت بعد فوزه بحثت عن أمرين، الأول اسمه الكامل ووجدت انه فيديادار سوراجبراساد نايبول، فعذرته للاكتفاء بالحروف، والثاني ان كان فاز بجائزة نوبل لحملاته على الاسلام، غير انني وجدت ان لجنة الجائزة تشير الى رحلاته في الدول الاسلامية وما كتب عنها، إلا أنها تركز على رواياته الأخرى مثل "لغز الوصول" و"ضياع ألدورادو". الاسبوع الماضي انتهيت من قراءة رواية جديدة لنايبول هي "نصف حياة" يتداخل موضوعها بقصة اخرى عن سومرست موم، فقد زار هذا الكاتب الهند سنة 1938 وقابل المهاريشي في مدراس وتأثر به كثيراً، ويقال ان اتصالهما وليس حديثهما لأن المهاريشي كان يمارس فلسفة الصمت ترك أثراً في أعمال سومرست موم المعروفة "مفكرة الكاتب" و"وجهات نظر" و"حد الشفرة"، والرواية الأخيرة هي الأشهر. "نصف حياة" تنطلق من هذه الزيارة، فقد اكتسب المهاريشي شهرة عالمية بعدها وتعرض للاضطهاد. وهنا منطلق قصة ويلي سومرست شاندران وأبيه بين الهند وانكلترا. والرواية كلها على لسان الأب لابنه، بدءاً بسبب اختيار اسمه. نايبول روائي ممتاز عندما يبتعد عن الاسلام والمسلمين، فعداؤه لا يمكن ان يفسر بمجرد انه من أصول هندية وعائلته على المذهب الهندوسي. وهو بدا في كتابيه عن المسلمين في بلادهم وكأنه يبحث عن مادة تدينهم. وكان أصدر سنة 1998 كتابه "ما بعد الايمان: رحلات اسلامية بين الشعوب المعتنقة"، وجاء تتمة لكتابه الأول عن الموضوع "بين المؤمنين: رحلة اسلامية" وهذا صدر سنة 1981. وكان البروفسور ادوارد سعيد وضعه في مكانه، في نقد نشرته "الحياة" قبل ثلاث سنوات، وقال ان نايبول يعتبر الاسلام من بين "المشكلات الأسوأ" التي يعاني منها العالم الثالث، وزاد ربما تأثراً بأصله الهندوسي أن "دخول الاسلام كان الكارثة الكبرى التي شوهت تاريخ الهند" فالاسلام عنده نوع من "الانذهال" أو الارتداد عن الواقع. رأيي ان هذا الموقف حقير يبقى رأياً، غير ان ما لا يمكن النقاش فيه هو ان الاسلام أكسب الهند مدنية لم تكن لها، وكان المغول غزوا الشرق، وأحرقوا مكتبة بغداد المشهورة، إلا أنهم استقروا في المنطقة وذابوا بين شعوبها وأسلموا، وعادوا الى الهند بالحضارة الاسلامية. وكل زائر الى شمال الهند هذه الأيام سيرى بعينه اثار الحضارة الاسلامية الكبرى. والشيء بالشيء يذكر، فقبل أشهر طلبت من طريق البريد كتاب "دليل اكسفورد للتاريخ العسكري" من تحرير ريتشارد هولمز، وفوجئت عند وصوله بأنه يقع في 1048ص، والعمر قصير، فأرسلته الى الأمير خالد بن سلطان، لأن هذا اختصاصه وأنا بريء. ما أذكر من الكتاب كله انني وقعت على معركة عين جالوت في وصف لحروب المغول، فهؤلاء جاؤوا الى المنطقة غزاة ودخلوا بغداد سنة 1258 ميلادية وقتلوا آخر خلفاء العباسيين ودمروا قلعة "الموت" التي انطلق منها الحشاشون كما عرضت في زاوية أمس، هم دخلوا سورية، غير ان المماليك هزموهم في عين جالوت سنة 1260، وهكذا فبدل أن يهزموا الاسلام في عقر داره، استقروا في المنطقة وأسلموا، واكتسبوا حضارة رفيعة تركت أثرها في الهند من العلوم الى العمارة ك"تاج محل" في أغرا الذي بناه الملك شاه جيهان احياء لذكرى زوجته الملكة ممتاز محل. اذا كان القارئ لم يجد شيئاً للقراءة في ما اخترت أمس واليوم، فهو لا بد سيجد ما يشجعه على القراءة في الكتاب "الدم - مسار مظلم" من تأليف جوزف اونيل، عن جزء من سيرة أسرته، فمن ضمن السياق هناك زاوية سورية شيقة. أونيل يتابع في سرده ظروف جده لأبيه جيم اونيل، وكان وطنياً ايرلندياً سجنه الانكليز، وجده لأمه جوزف دقاق، وكان رجل أعمال سورياً يملك فندقاً باسم الأسرة في مرسين، وسجنه البريطانيون في فلسطين بتهمة التعاطف مع النازيين، أو العمل جاسوساً لهم. وأذكر من بدء عملي في دار "الحياة" في بيروت في الستينات انه كان يعمل فيها صحافي سوري معروف هو باسيل دقاق، الا ان صلتي به انقطعت سنة 1975 عندما غادرت بيروت ولم أعد أعرف عنه شيئاً. غير ان القارئ سيعرف الكثير عن ايرلنداوفلسطين وسورية في سرد جوزيف أونيل.