حذر عدد من الخبراء العسكريين في تقرير صادر عن المعهد القومي للدراسات الإستراتيجية بعنوان "التحديات الإستراتيجية التي تواجه إدارة بوش"، من تكرار أخطاء أميركية سابقة في التعامل مع باكستان. وعلى رغم أن التقرير صدر قبل هجمات 11 ايلول سبتمبر ، تكتسب توصياته الان أهمية أكثر من أي وقت مضى. فواشنطن مهتمة بتأمين استمرار تعاون نظام الرئيس برويز مشرّف في الحرب ضد أفغانستان، وباستمرار نظامه، سياسيا وعسكريا، وحمايته من اي خضات داخلية قد تنجم عن تغيير سياسته الحالية ضد "طالبان". ويبدو أن هذه التوصيات حظيت باهتمام واشنطن. اذ يستطيع المراقب ان يرى عددا منها يُطبّق الآن بشكل أو بآخر، منذ الهجمات في الولاياتالمتحدة. ينطلق التقرير من تقويم التدهور في العلاقات بين البلدين، بعد التفجير النووي الباكستاني وانقلاب مشرف، ويقول: "بانتهاء الحرب الباردة، فقدت باكستان أهميتها الجيوسياسة، وبدأت واشنطن تتبنى خطا متشدّدا بصورة متزايدة في تعاملها مع إسلام آباد. وأفرز هذا المسار نتيجتين سلبيتين: تضاؤل النفوذ والتأثير الأميركيين على باكستان، وشعور الطبقة السياسية الباكستانية بتخلي واشنطن عن بلادهم، على رغم دورها المهم أثناء الحرب الباردة وفي فترة تتسم بالسيولة والصعوبة وهو ما شّجع الهند علي محاولة عزلها دوليا". ولا يجافي هذا التقويم الوقائع التاريخية، اذ قطعت واشنطن معوناتها الاقتصادية والعسكرية لباكستان بعد مرور أقل من عام علي الانسحاب السوفياتي من أفغانستان. وبدأت الولاياتالمتحدة تصوب أنظارها أكثر نحو الهند بسبب حجمها الاقتصادي وسوقها الواعدة. كما أن انقلاب مشرّف علي حكومة نواّز شريف المنتخبة أثار قدرا كبيرا من الاستياء في واشنطن التي كانت تحاول الظهور بمظهر من يدعم التحولات الديمقراطية في بلدان الجنوب. ومما زاد الأمور تعقيدا، ربما، هو كون مشرّف أول قائد عسكري باكستاني يتسلم السلطة من دون مباركة واشنطن. وعمّق هذا من شعوره بعدم الآمان بالنسبة الى وضعه السياسي الخارجي، أي في ما يتعلق بعلاقاته مع واشنطن ونيو دلهي. ويوجز التقرير العوامل المحيطة بنظام مشرّف وباكستان قبل أحداث 11 ايلول على النحو الآتي: "إن مستقبل باكستان السّياسي والاقتصادي الغامض هو عامل من عوامل عدم الاستقرار في جنوب آسيا. ان الرئيس مشرّف يسعى جاهدا منذ انقلاب تشرين الأول أكتوبر للتعامل مع مشكلات بلاده العديدة: نظام سياسي متعثر وتدهور مؤسساتي، واقتصاد على حافة الإفلاس، وصعود متواصل للإسلام السياسي الأصولي وعلاقات متدهورة مع الهند. ان فشل مشرّف في أن ينجز عددا من الإصلاحات المهمة والمطلوبة منه يلقي بظلال وخيمة علي مستقبل البلاد برمته". وأوصى التقرير إدارة الرئيس بوش بتبني مقاربة جديدة في تعاملها مع باكستان، منها: 1- أن تقاوم واشنطن ضغوط نيودلهي لإعلان "باكستان دولة راعية للإرهاب" وأن تحثّ البلدين على انتهاج سياسة ضبط النفس. 2- أن توسّع واشنطن علاقات التعاون العسكري الثنائية، وأن تتحرك في اتجاه وضع آليات للتشاور الدوري بين البلدين في المجالات المتعلقة بمكافحة الإرهاب. 3- أن تكّثف واشنطن ضغوطها على إسلام آباد لكي تضغط الأخيرة على "طالبان" لتسليم اسامة بن لادن، وأن تحذر إسلام آباد "من أنها ستتعرض لإجراءات صارمة إذا ما ثبت تورطها في أعمال إرهابية ضد مصالح أميركية". 4- أن تقدّم واشنطن مساعدات مالية كبيرة للمنظمات غير الحكومية لتعزيز المجتمع المدني في باكستان، وأن تقّدم كذلك مساعدات مالية لتطوير قطاع التعليم الابتدائي الباكستاني كوسيلة لمقاومة تأثير نظم التعليم المرتبطة بالجماعات الأصولية الإسلامية. وطرحت العديد من هذه القضايا أثناء زيارة وزير الخارجية الأميركي كولن باول لإسلام آباد مع بدء الحملة العسكرية ضد أفغانستان. ولابدّ أن واشنطن ستولي اهتماما أكبر لقضايا التعاون ولدعم نظام التعليم الحكومي الباكستاني في المستقبل القريب باعتباره "ضمانة على المدى البعيد ضد انتشار المفاهيم الأصولية المعادية لأميركا والغرب". ويبدو أن التوقيت قد أصبح ملائما لواشنطن لكي تعيد صوغ علاقاتها مع إسلام آباد. وفي تفسير هذا التغيير، يشير الكاتب السياسي الهندي أسويني كيه راي إلى الوضع المتغير في العلاقات بين البلدين، قائلا: "تحتاج الولاياتالمتحدة الى باكستان، الآن أكثر من أي وقت مضى، وسواء كان ذلك برضا مشرّف أم من دونه... لكن واشنطن تفضله الآن عن غيره فهي لا تريد المخاطرة بتغيير نظام دولة تُعتبر من دول المواجهة في الحرب ضد طالبان والقاعدة. كما أن مشرّف أدرك منذ اللحظات الأولي في أعقاب 11 ايلول أن خياراته محدودة وأنه لا يستطيع تجاهل مطالب وضغوط واشنطن عليه لفض تحالفه مع طالبان، وتقديم ما لدى نظامه من معلومات أمنية واستخباراتية عن تنظيم القاعدة. فتطوّع لإحداث انقلاب مفاجئ في سياسة بلده الخارجية أملا منه في أن تستعيد باكستان مكانتها الجيوستراتجية المفقودة منذ انتهاء الحرب الباردة... إن باكستان في ظل الظروف الحالية هي أكثر حلفاء واشنطن أهمية وقيمة بسبب موقعها الجغرافي ومعلوماتها الاستخباراتية عن طالبان والقاعدة".