من يجرؤ على ضرب اميركا؟ وهل الضربة موجهة للحكومة الاميركية؟ ام للشعب الاميركي؟ ام للولايات المتحدة الاميركية ككل؟ ان الاجابة ربما هي بين هذه الاسطر بتمعن: ان الطريقة التي تم بها اعلان فوز جورج والتر بوش كرئيس للولايات المتحدة الاميركية كانت سابقة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الاميركية دفعت الى التكهن بان هناك شيئاً منذراً بالوقوع داخل قنوات مركز صنع القرار الاميركي من جهة، ورسالة الى حاملي الاعتقاد بان الولاياتالمتحدة الاميركية متميزة عن غيرها بما للرأي العام فيها من سلطة على القرار السياسي من جهة اخرى. وهكذا تلت ذلك مجموعة من الاعمال والتصرفات تعمق القناعة نفسها، وعلى رأسها سلسلة مقالات صحافية لاذعة في حق وزير الخارجية كولن باول، واخرى تتهم الادارة الاميركية الجديدة بعدم قدرتها على التحكم في مسار عملية السلام في الشرق الاوسط من اوساط اعلامية اميركية لا تلجأ الى مثل هذه الطريقة في النقد الا اذا كان هناك تهيؤ لأمر ما، سيما الطريقة التي تتم المحاولة بها الاقناع بأن الحكومة الاقل تدخلاً هي الافضل عموماً. لقد بدا جلياً للمتتبعين مدى اتساع الهوة بين "صقور" وزارة الخارجية من جهة و"ثعالب" وكالة الاستخبارات المركزية و"ضفادع" البنتاغون من جهة اخرى، وجسد الهجوم الارهابي في 11 ايلول سبتمبر 2001 نتيجة حتمية للعبة قذرة زرعت بذورها مع رئاسة رونالد ريغان للولايات المتحدة. ذلك ان ريغان عند اختياره لفريقه الرئاسي قام بتعيين مجموعة من الهواة: في وزارة الخارجية مهندس زراعي وفي الدفاع مدير في شركة بناء، ومدير حملته الانتخابية مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية ومحام من كاليفورنيا رئيساً لمجلس الامن القومي. لقد نتج عن هذه الخيارات تشكيل فريق من المحترفين داخل اركان العمل السياسي الاميركي البيت الابيض ووكالة الاستخبارات المركزية والبنتاغون ووزارة الخارجية غير راضين عن هذا التجاوز المفتعل لقدراتهم ومراكزهم. ومن خلال هذا اللوبي تولد ما سمي ب"عصبة بوش" بتنشيط وتنسيق من مايلز كوبلاند وهو عميل سابق بوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية. لقد استطاع فريق الهواة الذي استقدمه ريغان تبني "مبدأ عدم التدخل" وتعميق الحماس ليحل محل الخبرة في ادارة الازمات، وللدفاع عن مصالحها الحيوية التجأت الشركات الاميركية الى الاعتماد على سياستها الخارجية الخاصة بها، حيث وجد بعضها في "عصبة بوش" الملاذ الاخير وبعضها الآخر في فريق الهواة "الاستشارة المحلية" وبدأت في المقابل "الاتعاب الرشاوى" تنضخم مقابل الاستشارات الموثوقة. ولاخفاء اميركيتها، اخذت الشركات الاميركية الكبرى في البناء والصناعة والصيرفة تعلن تعدد جنسياتها قصد الابتعاد عن الحكومة الاميركية وسياستها الخارجية، معتمدة اكثر فأكثر على اساليبها الخاصة في جمع المعلومات وتوفير امنها. وكنتيجة لهذا الصراع افلحت "عصبة بوش" في الوصول بجورج بوش الاب الى الرئاسة الاميركية، وانتقاماً لما فعله بها ريغان احيت التنافس التقليدي بين صقور الخارجية وثعالب وكالة الاستخبارات المركزية من خلال اذكاء فكرة ان الثعالب ينتمون الى سلك متفوق، وعناصره مختارة من ذوي الاختصاصات الشاملة مقابل تنامي الاحساس التقليدي لدى الصقور المحترفين بالكره والاغتياظ من الثعالب حيث وجدوا فيهم دائماً تطفلاً على اختصاصاتهم ومراكزهم، لينتهي الامر بتوريط بوش في حرب الخليج وما تبع ذلك من كره وعداء تجاه السياسة الخارجية الاميركية. ومع ذلك فإن العمل الارهابي الذي استهدف الشعب الاميركي في 11 ايلول لم يكن نتيجة العداء للسياسة الخارجية الاميركية كما سيتم ايهام الرأي العام، وتوضيب ذلك لأجل احياء سيناريوهات تحقق مصالح البيروقراطية داخل اركان العمل السياسي الاميركي وما يتبع ذلك من ضخ للاموال كي تخدم مصالح الثلاثي المذكور: الصقور، الثعالب، الشركات الاميركية المتعددة الجنسية. ان حركتي "التسلح الاخلاقي" و"المسيحيين الصهاينة" وبتضافر التنسيق مع هذا الثلاثي كانوا وراء كارثة 11 ايلول. لقد بدا ظاهراً للعيان خلال السنتين الاخيرتين من الولاية الثانية لكلينتون عالمين مختلفين ادركهما الاميركيون، داخل الحكومة وخارجها، عندما اعلن كلينتون ان "الارهابيين الذين يخالفون اصول السلوك الدولي سينالون عقاباً سريعاً وفعالاً". وما ان اعلن بوش الابن عن اسم كولن باول كاختيار لادارة الخارجية الاميركية حتى تبين للمتخصصين في الشؤون الاميركية ان هناك رسالة باطنية في الغاية من الطريقة التي تم بها الاعلان عن فوز جورج والتر بوش كرجل اول للبيت الابيض، والرسالة الابطن من اختيار عيار ذي "زلات لسانية" كهذه في هذه الظروف الدولية. ان الرسالة الدليل لتورط تنظيم "القاعدة" لهي دليل اكبر على ان اللعبة القذرة التي كانت بذرتها خلال فترة ريغان، ومرور ثمرتها مع بداية فترة بوش الابن مروراً ببوش الاب وكلينتون قد يؤدي عالمنا الراهن ثمنها غالياً، لان "طالبان" ليست من طبقة السياسيين الافغان الذين كانوا يلجأون الى "صراع الديوك" لحل المعضلات المستعصية من جهة، ولأن اجندة الصراع الخفي داخل مواقع صنع القرار في الولاياتالمتحدة ستطفو الى السطح من خلال استراتيجية شارون لاستغلال ما حل بالشعب الاميركي ابتداء من 11 ايلول 2001، من جهة اخرى. * باحث مغربي في العلوم السياسية.