الدار البيضاء - "الحياة" - مع نهاية القرن العشرين، أخذت ملامح أو سمات الشعر المغربي المعاصر تتضح، شيئاً فشيئاً. فالقصيدة، التي كانت تميّز الإنجاز الشعري، في الستينات والسبعينات، ثم ظهرت في دواوين تكاثر عددها بوتيرة متصاعدة، منذ منتصف الثمانينات، تشكلت لاحقاً في أعمال أخذ بعضها في التبلور والصدور مع بداية القرن الحادي والعشرين. إن الانتقال من القصيدة الى الديوان الى الأعمال علامة على المميزات الكبرى للشعر المغربي وهو يدخل قرناً جديداً، مكتسباً تجربة وخبرة، جعلتاه حاضراً على الصعيدين الوطني والعربي ومهيئاً لحوار أوسع على المستوى الدولي. وتزامن هذا الانتقال مع تعميق اختيار الحداثة، في الرؤية والانجاز الشعري على السواء. ذلك ما رصده المتتبعون لحركة القصيدة المغربية الحديثة، وهو الى ذلك يتأكد أيضاً في دواوين الشعراء الذين شرعوا في نشر قصائدهم الأولى مع الثمانينات والتسعينات. إنها القصيدة التي استطاعت اعادة النظر بجرأة في مسلمات وفي توجهات وأشكال، تمكنت بها من اختراق الحدود السابقة التي كانت عليها القصيدة المغربية. وندوة "مشهد الشعر المغربي المعاصر في بداية القرن الحادي والعشرين" التي أقامها "بيت الشعر في المغرب"، بالتعاون مع مؤسسة الملك آل سعود للدراسات الاسلامية والعلوم الانسانية، وحملت "اسم الشاعر أحمد المجاطي"، تناولت موضوع: "الشعر المغربي المعاصر في بداية القرن الحادي والعشرين"، وشارك فيها: أحمد البابوي، نجيب العوفي، حسن نجمي، محمد لطفي اليوسفي، بنعيسى بوحمالة، محمد مفتاح، عبدالرحمن طنكول، عبدالعزيز بومسهولي، صبحي حديدي، نور الدين الزويتني، عبدالله شريق، أحمد عصيد. وكان هدف الندوة الوقوف عند أهم العلامات التي أصبحت ملازمة لهذا الشعر. فالشعر المغربي المعاصر واقع شعري، يفعل في المتخيل العام كما يفعل في انتاج تجارب لها شأنها وكتابات تعد بالاندماج المبدع في الحركة الشعرية الانسانية المعاصرة، بأسئلتها وقلقها وتياراتها المتعددة. ومن مظاهر هذا الاندماج بروز ترجمات الشعر المغربي المعاصر الى لغات، ومشاركة نخبة موسعة من الشعراء المغاربة للشعر المغربي المعاصر الى لغات، ومشاركة نخبة موسعة من الشعراء المغاربة في مهرجانات شعرية دولية، إضافة الى الاسهامات المتوافرة الآن في حقل الترجمة الشعرية الى العربية، والتناول النظري لقضايا الشعر اليوم على الصعيد الدولي، ما يعطي القصيدة المغربية وضعية القصيدة الحديثة بكامل الامتياز. ولعل الندوة الأكاديمية، التي حملت في هذه الدورة الثالثة اسم الشاعر أحمد المجاطي 1936 - 1995، مخلصة لما انطلقت منه الدورتان السابقتان، من حيث الانشغال النقدي والنظري بالشعر المغربي الحديث بمختلف اتجاهاته ولغاته، حتى تواكب ما تنجزه القصيدة وما يعمل الشعراء على إحداثه في الحقل الثقافي والأدبي في المغرب. وسيكون على هذه الدورة ان تنفتح أكثر على الأسماء والدواوين الشعرية الجديدة، بقدر ما تضاعف المجهود لاستكشاف أبعاد التجربة الشعرية بكاملها. بهذا المعنى تصبح الدورة الأكاديمية ل"بيت الشعر في المغرب" مكاناً لاختبار تحليلات وفرضيات من شأنها أن ترسخ مكتسبات القراءة الشعرية، وهي تسعى الى المعرفة بالشعر المغربي الحديث في مغامرة بناء جماليته، والى تطوير الانشغال النظري بالمسألة الشعرية، في زمن جديد.