1 تلك الحكاية. التي مرّ عليها الآن. ما يقرب من قرنين. تظلّ هي الحكاية. نفسها العرب والغرب. بمُركّبات متباينة. حسب المراحل. والرؤيات. أو حسب الصراعات واصطدام المصالح. لكأن ما مرّ. لم يمر قطّ. كأن خطوات كانت مجرد قفزات في فراغ. لا قبل له. أن يكشف عن طُرق بديلة. في اللغة. وفي العلاقات. أليس هذا محيّراً لنا. قبل أن يكون محيراً. للآخر؟ يثقل الرأس كلما. عدت الى هذه الحكاية. في أوقات الشدة التي نجتازها. خيط ما ينفلت من نسيج الحكاية. وفي الليل تجلس صامتاً. لعلك تعثُر على جواب يفيد في الكشف عن غمّة. طالما أحكمت غلق الرتاج. هي حكاية. ولنا أن نعود لنقرأ الوقائع التي تطفو حيناً بعد حين. ولنا أن نراقب ما انتجته الأفعال المتعددة في الاتجاهين. من أجل أن تنتهي الحكاية. ذات يوم. لنتفرغ الى حكاية أخرى من حكايات الوجود. لكنها الحكاية التي تعود. مدموغة بدم يسيل بعد جفاف. ويندفق في أركان لا حكم لأحد عليها. أدب وفنون. فكر ودراسات. وفي كل مرة يبقى الجواب معلقاً. في الرواية التي لا نراها دائماً. بالحنكنة المطلوبة. شيء ما. في اللحظة ينبثق. جارفاً ما كان تحقق. لكي تُحس الأجيال المتلاحقة بأن صخرة سيزيف صورة للحكاية. هل نصدق أن الحكاية. بعد ما يقرب من قرنين تتشكل بصيغة مفاجئة. لتكرر الحبكة. وتتكرر العقدة. ثم لا ينفع ما قرأت. وما شاهدت. في حياة مضاعفة بفعل. الزمن. كلما أقبل احتدام الصراع على ملكية مكان أو ملكية مستقبل؟ تقرأ هادئاً حتى لا تنسد المسالك. رغبة في الفهم تقرأ. ورغبة في التفسير. تلك هي الحكاية التي تقرأها متعاقبة. متصدعة. ملتبسة. مندفعة في ليل الحمى. خارجاً لتوّك من احساس بأن الحكاية لا تنتهي. لن تقنط من مراجعة تاريخ أصبح الآن. مغموراً بطبقات أرضية. ما دامت العلاقة مع الغرب منذورة للمزيد من الالتباس. بين خطابات تتناقض وتتعارض. في شبه اطمئنان. لغة الالتباس هي ما يحافظ على توازنه. وأنت لا تفهم ما تقرأ. ذهاباً وإياباً بين ضفتين مريضتين بتاريخ لا يتوقف عند نقطة معلومة بتحقيب زمنيّ لا يقبَلُ الدحض. وللقراءة أن تتوالى من غير أن تعثُر على ما يُقنعُك بأن الالتباس طارئ. لك أن تضع امامك هذا المنجز الثقافي. الذي هو وحده الذي يمنحك فسحة ان ترى ما لا يراه مؤرخون وايديولوجيون وسياسيون. من الضفتين. ربما. ومن خطابات هي الالتباس. 2 نحن بحاجة الى حوار. لكن السؤال هو: أي حوار نقصد؟ ويتطلب التفريع إبدال السؤال بغيره. مثلاً: كيف يُمكن للحوار أن ينشأ؟ ومَن هو مؤهل لتدبير شؤون الحوار؟ يقيناً. لا المآدب تصنع الحوار. ولا إغداق الهدايا والهبات. ذلك من خدع أن تسعَي الى حوار فيما أنت ترسخ النقيض. وفي دعوة للحوار تشمُّ رائحة الخدعة. التباس لا يرتفع حقبة بعد حقبة. جالساً الى كتاب تقرأ. وتحاول ان تفهم ما يجري. في عبارة "الحوار". هدنة ساعة تُخفي عصف أزمنة بأسافلها. وفي الكلمة ما يخدع. كل الأطراف الساعية الى حوار مثل هذا. الذي نتوهمه فاتحاً لأفق. فيما هو لعبة ابتدائية. للاعبين لا يتقنون قوانين اللعبة. عسى أن نرى. لكن كيف نرى؟ ما الذي تكذب؟ وما الذي تصدّق؟ أن ترتب برنامجاً بروتوكولياً لجلسة سخية. في منتزه خاص. لا يجلب حواراً ولا متحاورين. هذه هي المسألة التي ربما كنا نتهرب منها. ونهمس بيننا كي نحاول ايهام النفس بأن الحوارات. وبأن الواقع بيننا وبين الآخر. هي بحجم ما نرتضيه للحوار من تحسين صورة بدت في الاعلام. على إثر كارثة مثل قيامة 11 أيلول سبتمبر. وما نرتضيه لا يُقنعنا بعد لأيٍ. لأننا ندرك ان الحوار معطوب. مخنوق في نقطة ما. لا نتبينها. مخنوقة بيدين شرستين. هما النازلة التي لا نعرف متى ابتدأت. ولا سبب وقوعها. حوار بين المسيحية والاسلام. حوار بين الشمال والجنوب. حوار بين الماضي والحاضر. حوار بين القدامة والحداثة. حوار بين الروح والمادة. ولكل هذه المركبات موسمها. الذي يعود ملتبساً. بمآدب. وهدايا. وفروض طاعة وولاء. لا تفهم شيئاً. أليس ثمة تاريخ للبشرية يُمكن أن يفيدنا في سلوك ما يجب سلوكه. بوضوح الباحثين عن حوار يفتتح زمناً مختلفاً؟ أسأل نفسي. وهي صامتة. خرساء. وخزرةٌ تنظر إلي. عابثة بما أنا فيه. عن هذا الحوار الذي أحاول أن أفهم بعضاً من أسرار فشله المستديم حقبة بعد حقبة. في بلاد العرب أجمعين. ولا ينفع حديث يُرضي النفس. لا السياسة تجيب. ولا الاقتصاد. لا البحث العلمي ولا الانتاج. لا المواد الخام ولا المواد المصنعة. عن أي حوار أتكلم. وأنا في غمرة قراءة ما لا أفهم؟ يعزُّ عليَّ أن أوهم نفسي بسهولة وأنا أقترب من مُنعرجات الحكاية. ليلاً. ثم ليلاً. لا يضيء سوى الشكوك. فالحوار يحتاج الى تحديد معناه. وتعريف غايته. وتعيين فاعليه. هي أوليات تفرضها على الحكاية. وتاريخ ما تنسجه الحكاية رغماً عني. صامتاً في اليوم الذي لا ينحد. سنة وعُمراً. فيهما الحكاية لا تنتهي. 3 الحوار يحصل بين متكافئين. هذا رأيي. لا حوار بين ديموقراطي ومستبد. من هنا ينشأ الالتباس. كيف لعالم عربي مغلول ان يحاور عالماً تتسع فيه الحريات. حرية الذات. التعبير. الاعتقاد. كل ما نُقدم عليه من أشكال الحوار بين طرفين غير متكافئين هو من صنف الخدعة التي تُرضي. المطالب بالخضوع مقابل الرضى والمباركة. مشكلة تواجهها الاطراف الرسمية وشبه الرسمية التي تعتقد ان الحوار بين العرب والغرب ممكن في غياب شرائط التكافؤ. تلك مسألة لا بد من توضيحها حتى لا يلتبس علينا ما التبس على غيرنا. انه الحوار المستحيل الذي نرمي اليه ونحن لا نعترف بأن العالم العربي الرسمي لا يتوفّر على شرائط الحوار. ابحث عن الديموقراطية في أي بلد عربي حتى تستطيع الجواب على مسألة نُخفيها باتقان. في الاعلام. والولائم التي لا يحصى عددها. وما يُنفق عليها من موازنات نجهل كيف يتم احضارها في زمن الشدة الاقتصادية. وارتفاع العطالة. استغرب كيف نصدّق امكان حوار ونحن لا نلتفت الى ما يفرضه كل حوار. من تبادل المصداقية بين المتحاورين. وما عدا ذلك خدعة تتلوها خُدع. ولك ما يفضح المآل. لننظر قليلاً الى تاريخ الحوار الرسمي بين العرب والغرب حتى نُدرك معنى النقطة الميتة التي نحن فيها. لا سبيل الى التنصل من تاريخ عنيد يفحمنا كلما أقدمنا على خداعه بخطابات. وبمآدب. هذا التاريخ هو ما تكرر عبر ما يقرب من عقدين. ولكل دولة عربية أو جهة عربية ما يكفي من الأمثلة على ما لم يفلح في تحقيق الحوار. ومن العبث نكران صخرة سيزيف. التي تسحق ببلاغتها كل أوهام الحوار. بين مستبدين وديموقراطيين. بين ناهبين مبذرين للأموال. ظالمين. وبين مالكي علمٍ وتقنية وقانون وعدل ومراقبة. 4 حوار مستحيل. بين طرفين غير متكافئين. ويصبح الحوار ممكناً. في شرائط نقيضة. أعني أن المهيئين للحوار هم المشتغلون بمنطق الزمن الذي يعيشون فيه. من العالم العربي. ذلك الحوار الممكن يصنعه أدباء وفنانون ومفكرون وعلماء ومدافعون عن قيم الديموقراطية والحرية والعدالة. هؤلاء وحدهم الذين كتبوا تاريخاً على هامش تاريخ الحوار الرسمي. وهم وحدهم الذين يقدرون على استكشاف طرق جديدة للحوار. وتأصيل الحوار. شرائط لحوار معرفي أولاً. وبلغة حديثة هي لغة الزمن الذي نعيش فيه. بين أطراف منشغلة بالمتخيل مثلما هي مشتغلة على الرمزي. لغة مشروع حضاري. لغة المستقبل لا الماضي. المتخيل والرمزي منسيان في خطاب رسمي وشبه رسمي. يعرض الماضي. محقاً. للماضي. فالمعرفة لا تقبل التنازل. من هذا الطرف أو ذاك. معرفة بالزمن الذي نعيش فيه وللزمن الذي نعيش فيه. ومهما كانت هذه النخبة منجذبة الى الغرب فإن الوعي الراهن لها لم يعد هو ذاك الذي ساد حتى منتصف القرن الماضي. معطيات عديدة تبدلت. أو في الطريق. ولا مناص من النظر الى المعرفي طريقاً لحوار مسكن. بين العرب والغرب. أجل. انه حوار هامشي. يكاد لا يؤثر في القرار الكبير. الذي يهيمن على ما عداه. وهو بالتالي حوار لا يكفي. لأن أصحاب المعرفة. ليسوا فاعلين على نحو مباشر وفوري. في توجيه العلاقة بين الطرفين وجهة اخرى. هنا يبدو ما يعجز الحوار المعرفي عن تنفيذه. في ظروف تشهد عولمة. مرفوضة في الغرب ذاته. حوار كهذا لا يقدم وعوداً بعالم عربي جديد. أو مندمج في الغرب. بقدر ما يتكلم بلغة الزمن الذي نعيش فيه. مأزق ثان يستحوذ على الحوار. تضيق مسافته مهما توغل وابتعد في استكشاف ارض الحوار. وليس لنا نكران هذا المأزق. كما ليس لنا حل لما يقع فيه هذا الحوار من بقائه مغلقاً. لا ينفذ الى شرايين المجتمعين معاً. مأزق هو اليأس مما نرى. بهذا يظل الحوار. مع الغرب. حول المتخيل والرمزي يفتقد الى واقعيته. في شرائط نقيضة للحوار. النقيض يمسُّ النخبة المهيأة للحوار. القمع. منع حرية التعبير. غياب مؤسسات البحث. افتقاد بنيات الانتاج الثقافي. كلها عوامل تؤبد الشرائط النقيضة للحوار. وعند كل نافذة عذاب. وتهمة خيانة. 5 من الأفضل ألا نتكهن بشيء ما. لم نعد مراهنين على أوهام. ففي كل مرحلة أوهام تتأكد. للأسف. والحوار كلمة تفتقد معناها با فتقاد الشرائط. وهذه اليافطات التي تُرفَعُ الآن. باسم الحوار الحضاري. آيلة للخسران. ففي العالم العربي ما يمنع الحوار بين بعضنا البعض. منع ينتعش. وفئة من النخبة نادمة على ما كانت. معتقدة أن اللعب على معنى الكلمات. أو أن إخفاء اللعبة. يتوقف عند حد اللعبة. هذا الوهم المنتصر بين فئة من النخبة. هدية مسمومة. سمٌّ يحرق الأحشاء. فلغة الحوار. منبوذة. ولك أن تختار. طريق المعرفة. زمنك. فافهم.